نازحو مأرب... موجة تشرّد ثانية

18 فبراير 2021
معاناة في أحد المخيمات المقامة على عجل (أحمد الباشا/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زال اليمنيون يعانون من جرّاء النزوح المستمرّ، بعدما اضطروا إلى ترك منازلهم هرباً من الصراع القائم في البلاد. ويُلحظ تنقلهم المتكرر من بقعة إلى أخرى.

تركت آلاف الأسر اليمنية منازلها في محافظات مختلفة وتوجّهت إلى مأرب كمنطقة خضراء، بعدما أجبرها الحوثيون على ذلك. ومنذ السابع من فبراير/ شباط الجاري، باتت مخيمات النزوح التي وفّرت الأمان النسبي لليمنيين المهجّرين طيلة الأشهر الماضية، هدفاً جديداً لنيران الحوثيين الذين يسعون إلى اجتياح المدينة الواقعة شرقي اليمن. وتضمّ مأرب، وهي محافظة نفطية تقع إلى شرق صنعاء، أكبر تجمّع نزوح على مستوى اليمن، وينتشر على أراضيها 36 مخيماً صارت تشكّل ما يشبه الوطن البديل للأسر الهاربة من جحيم الحرب والانتهاكات في محافظات صنعاء والجوف وحجة والبيضاء وإب. تفيد مصادر حكومية بأنّ مخيم الجفينة يبرز كأكبر مخيمات النزوح على مستوى مأرب واليمن عموماً، إذ يحتضن أكثر من ثمانية آلاف أسرة تعاني من ظروف إنسانية بالغة السوء منذ سنوات.

وبعد أشهر من مصارعة موجة الصقيع وبرد الشتاء من داخل خيام تفتقر إلى أبسط مقومات العيش، وجد النازحون في مأرب أنفسهم هذه المرّة هدفاً للنيران منذ أكثر من عشرة أيام، في عملية عسكرية غير مسبوقة على معاقل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. وفي خلال الأيام الماضية، كان مخيّم الزور في مديرية صرواح، غربي مأرب، هدفاً لقذائف عدّة تساقطت في محيطه فأجبرت 622 أسرة تقطن فيه على النزوح صوب مركز مدينة مأرب، وفقا لما يفيد مصدر حقوقي "العربي الجديد". يُذكر أنّ نازحي مديرية صرواح التي يستعر فيها القتال، لم يكونوا الهدف الوحيد للنيران الحوثية، فثمّة عشرات الأسر التي فرّت كذلك من مديرية مدغل. وقد حطّ الجميع رحاله في منطقة الروضة بمدينة مأرب.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

تشير ياسمين القاضي، وهي رئيسة مؤسسة فتيات مأرب (غير حكومية)، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّها قامت بزيارة مخيم الروضة ووجدت عشرات الأسر في حالة يرثى لها بعد هروبها من القصف. وذكرت الحقوقية اليمنية التي كرّمتها وزارة الخارجية الأميركية قبل عام بجائزة خاصة بالشجاعة، أنّ "القاطنين في مخيمات الزور والصوابين ودمنّه وشعب جمينه، أي ما يقارب 1200 أسرة، قد نزحوا جميعاً إلى منطقة الروضة في مدينة مأرب". تضيف أنّ "الناس بمعظمهم نزحوا، وهم لا يملكون أجور النقل من صرواح إلى الروضة، وثمّة أوضاعاً إنسانية صعبة، إذ دُفعت مئات العائلات إلى المجهول مجدداً".

وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فإنّ مأرب تتصدر ترتيب المدن اليمنية في حركة النزوح الداخلي، إذ رصدت منذ السابع من فبراير/ شباط الجاري وحتى 13 منه فقط، نزوح 3930 شخصاً، أي من اليوم الأول للهجمات الحوثية البرية على مأرب. لكنّ اللجنة الحكومية لإدارة المخيمات تشير إلى أنّها أحصت 1180 أسرة، أي ما يعادل 6460 شخصاً، حتى منتصف هذا الشهر.

الصورة
نازح يمني في تعز (أحمد الباشا/ فرانس برس)
كان أوفر حظاً ووجد له مكاناً في مبنى مدرسة (أحمد الباشا/ فرانس برس)

وتوضح المنظمة أنّ الأرقام التي سُجّلت منذ مطلع عام 2020 الجاري وحتى 13 فبراير/ شباط، جعلت اليمن رابع بلد لجهة النزوح الداخلي على مستوى العالم، مع إجمالي 178 ألف نازح. ومن المؤكد أنّ استمرار الهجوم الحوثي على مدينة مأرب من محاور مختلفة سوف يضاعف موجة النزوح في خلال الأيام المقبلة، وهو ما جعل الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ وتدعو إلى وقف الهجمات فوراً، بعدما خُصّصت جلسة لذلك في مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، وفقاً لمنسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارك لوكوك. وفي سلسلة تغريدات كتبها باللغة العربية على حسابه على موقع "تويتر"، حذّر المسؤول الأممي من تداعيات إنسانية "لا يمكن تصوّرها" من جرّاء الهجوم الحوثي على مأرب، وقد رأى أنّه سوف يضع ما يصل إلى مليونَي مدني في خطر، وبالتالي ينتج عنه نزوح مئات الآلاف. ودعا لوكوك الحوثيين إلى التهدئة والكفّ عن مضاعفة حالة البؤس للشعب اليمني. لكنّ مناشدته تلك لم تلقَ آذاناً صاغية، مع استمرار حدّة المعارك على الأطراف الغربية والشمالية الغربية لمأرب واقتراب القذائف من مخيمات جديدة.

وتعاني مخيمات النزوح، خصوصاً تلك المنتشرة في مديرية الوادي بمأرب، من أوضاع إنسانية صعبة، على الرغم من محاولة المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية التخفيف من وطأة المعاناة وتلبية احتياجات النازحين. وفي ظلّ مناشدات متكررة، بدأت مؤسسات إقليمية، في مقدّمتها الجمعية الخيرية العالمية للتنمية والتطوير الكويتية، بتمويل إنشاء قرية سكنية للنازحين في مدينة الوادي التي تضمّ أكبر تجمع نزوح في داخل مأرب. وتضمّ تصاميم القرية 40 وحدة سكنية، بواقع غرفتين لكل أسرة، من أجل تخفيف معاناة النازحين ومساعدتهم على نسيان الويلات التي تجرعوها في خلال مرحلة التشرد القاسية. لكنّ أحلام الاستقرار هذه يبدو أنها ستتبعثر مجدداً مع استمرار الهجوم والقصف. كذلك عمدت الأمم المتحدة إلى تمويل بناء مخيّمَين للنازحين في مديرية الوادي، في أواخر العام الماضي، ومع اشتداد رقعة المعارك، غير أنّه لا يبدو أنّ الطاقة الاستيعابية للمخيمات في داخل مأرب ستكون كافية لاستيعاب الموجات الجديدة من النازحين.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبحسب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب، وهي هيئة حكومية، فقد استقبلت محافظة مأرب منذ عام 2014 وحتى منتصف فبراير/ شباط الجاري، 318 ألف أسرة، بإجمالي مليونَين و231 ألف نازح. ويقول رئيس الوحدة سيف مثنى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التصعيد الحوثي الجديد من اتجاه صرواح ورغوان وأطراف مديرية بني ضبيان في محافظة صنعاء، حيث كان هناك استهداف مباشر للمخيمات الآهلة، تسبّب في موجة نزوح هائلة هي الثانية لمئات الأسر بحثاً عن ملاذات آمنة". وقد طالبت الوحدة التنفيذية القطاعات الإنسانية في اليمن ومكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، بالتدخل سريعاً لإنقاذ حياة آلاف الأطفال والنساء وكبار السنّ وتخصيص مبالغ طارئة لسدّ احتياجات النازحين الأساسية.

المساهمون