استمع إلى الملخص
- الصراع المسلح وتأثيره: تصاعدت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ إبريل 2023، مما أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين، مع اتهامات بانتهاكات ضد المدنيين.
- نداءات الاستغاثة والظروف الإنسانية: يعاني النازحون من نقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، وسط دعوات لإنهاء الصراع وتقديم المساعدة العاجلة لتحسين أوضاعهم.
على مدار الأشهر الماضية، نزح الآلاف في السودان قسراً من بيوتهم وأراضيهم الزراعية هرباً من الموت بالرصاص أو الاعتقال أو الاعتداءات التي ترافق هجمات قوات الدعم السريع شرق ولاية الجزيرة وسط البلاد. آلاف الأسر وصلت من قرى شرق الجزيرة إلى ولاية نهر النيل (شمال) حيث أنشأت لهم سلطاتها مجموعة خيام في ساحات خالية بمدينة شندي ومدن أخرى بالولاية، بينها عطبرة والدامر.
ورصدت وكالة الأناضول معاناة النازحين بمخيم "قوز الحاج" بولاية نهر النيل الذي يؤوي أكثر من 8 آلاف نازح جاؤوا من قرى شرقي الجزيرة. ويقع مخيم "قوز الحاج" شمال مدينة شندي بنحو 20 كيلومتراً ويضم نازحين من قرية برنكو ومدينة تمبول. وروى النازحون مشقة رحلتهم مع أهوال النزوح وصعوبة الطريق من الجزيرة حتى وصولهم إلى المخيم بولاية نهر النيل.
ونزح من الجزيرة أكثر من 343 ألف شخص بين 20 أكتوبر/ تشرين الأول و13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وفق منظمة الهجرة الدولية. ومنذ منتصف إبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
ولاية ملتهبة
في ديسمبر/ كانون الأول 2023، سيطرت "الدعم السريع" بقيادة أبو عاقلة كيكل، وهو من أبناء ولاية الجزيرة، على مدن عدة، بينها مركزها ود مدني. وتصاعدت الاشتباكات بين "الدعم السريع" والجيش السوداني بولاية الجزيرة في 20 أكتوبر 2024، على خلفية انشقاق كيكل عن قوات الدعم السريع وإعلان انضمامه إلى الجيش.
ومنذ ذلك الوقت، وجهت جهات محلية ودولية اتهامات للدعم السريع بـ"ارتكاب انتهاكات وجرائم قتل جماعية" بحق المدنيين بالجزيرة، إلا أن "الدعم السريع" قالت إنها "تهاجم قرى يوجد بها مقاتلون سلحهم الجيش السوداني". وتسيطر "الدعم السريع" حاليا على أجزاء واسعة من الولاية، عدا مدينة المناقل والمناطق المحيطة بها حتى حدود ولاية سنار جنوبها، وغربا حتى حدود ولاية النيل الأبيض.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت، من جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
آلام ونزوح في السودان
المعلم خالد محمد جعفر قال للأناضول: "تعرضت قريتنا برنكو في شرق الجزيرة لهجوم من الدعم السريع، ودخلوا علينا من كل الاتجاهات، وعانينا منهم، حيث دخلوا بيوتنا وضربونا بالسياط والعصي وطلبوا منا ما نملكه من ذهب وسلاح وهواتف محمولة". ومنذ شهرين، قال جعفر إن أهل القرية تجمعوا مع أذان الفجر وقرروا الخروج من ديارهم في وقت واحد مشيا على الأقدام. وأضاف: "حملنا كبار السن والمرضى في عربة الكارو والدرداقة (آلة يدوية تستخدم لحمل مواد البناء)، وأثناء سيرنا في الطريق ولعدم توفر المياه عانينا من العطش الشديد". وتابع: "بعض النساء الحوامل ولدن في الطريق تحت الشجر، وهناك العديد ماتوا في الطريق، وهناك من فقد حياته حتى بعدما وصلنا، ومنهم والدتي".
وأشار جعفر إلى أن النازحين الكبار بعدما وصلوا إلى مخيم "قوز الحاج" أصبحوا يتعالجون من الأمراض التي أصابتهم من جراء شرب المياه الراكدة، والأطفال كانوا يشكون من تورم أقدامهم بسبب السير لعشرات الكيلومترات. وأردف: "وصلنا إلى مخيم قوز الحاج وأهل المنطقة ساعدونا، لكن كما ترون المعسكر يحتاج لخيام وحمامات، ومع فصل الشتاء وبرودة الجو لا توجد أغطية برد، وغذاؤنا وجبتان من العدس في اليوم، كما أن هناك أمراضاً منتشرة في المخيم". ولفت إلى أن هناك حالات لدغات من العقارب والثعابين، وخلال اليومين الماضيين توفي طفلان بسبب لدغة ثعبان، وفق قوله.
رحلة عذاب
النازح بهاء الدين الفضل سعد، قال للأناضول: "نزحنا بسبب اجتياح الدعم السريع قريتنا برنكو وقرى شرق الجزيرة، بعدما هاجمونا بكثير من العربات والدراجات النارية". وأضاف: "ومن هنا بدأت رحلة العذاب والنهب، بدأوا بالسيارات ثم كسروا كل المحال التجارية ونهبوها وما تركوا شيئا، وكل أهل القرية اختبأوا في منازلهم، بينما قوات الدعم السريع هم في الشوارع والأزقة والدكاكين".
ومع مرور الأيام، قال سعد: "بدأنا نفقد الكثير من أبناء القرية برصاص الدعم السريع وازاد الأمر سوءا مع استمرار الانتهاكات التي لم يسلم منها طفل أو امرأة أو شيخ كبير". وبعدما سيطر الهلع على الجميع، ذكر سعد أن أهل القرية خرجوا على أقدامهم في رحلة قاسية من برنكو إلى شندي التي تبعد بالسيارة أكثر من عشر ساعات. وعن حالهم بعد الاستقرار في المخيم، أضاف: "لنا في المخيم قرابة شهرين، والمعاناة واضحة، يوجد حوالي 300 خيمة لكن عدد الناس كبير ولدينا نقص حاد في المأوى والكساء".
نداء استغاثة
بين النازحين الصيدلي فواز عبد الباقي، الذي قال: "قوات الدعم السريع حولت قريتنا بولاية الجزيرة إلى جحيم بعدما دخلتها وقتلت ونهبت كل شيء". بكثير من الأسى، تحدث عبد الباقي: "عاملونا وكأنهم ليسوا بشرًا، واضطررنا إلى مغادرة منازلنا إلى هنا، لقد فقدنا أملاكنا، ونريد أن نعود لمنازلنا متى ما عاد الأمن والاستقرار". وشاكيا من أوضاع المخيم، أضاف: "نواجه الكثير من المشاكل هنا، نعاني من نقص الطعام والأغطية، لكن يمكن لنا أن نأكل ما يكفي للبقاء على قيد الحياة". وتابع: "بعض منظمات الإغاثة والجهات الخيرية تساعد، ورسالتي إلى المنظمات الدولية هي: ساعدونا، فالناس يعانون هنا".
النوم على الأرض
روضة الطيب إحدى النازحات، روت للأناضول ساعات الرحيل وقرار النزوح، بقولها: "نزحنا على أرجلنا، خرجنا من قريتنا بالجزيرة بملابسنا التي علينا فقط ولم نحمل معنا أي شيء، واعتدت علينا قوات الدعم السريع بالضرب ونهبوا كل ممتلكاتنا حتى البهائم، ومشينا لأيام حتى وصلنا إلى ولاية نهر النيل".
وبألم يكسو ملامح وجهها، قالت الطيب إن رجال القرية "لم يتركوا البيوت وينزحوا نحو المجهول خوفا من القتل أو الضرب، بل خوفا على شرف نسائهم وأخواتهم". أمِنت الطيب على روحها لكنها نقلت أوضاعا مزرية عن المأوى الجديد، فقالت: "نحن الآن ننام على الأرض ولا يوجد غذاء كافٍ ولا علاجات، ونحن نتقي البرد هذه الأيام بإشعال الحطب". وختمت حديثها بالقلق وترقب الغائبين: "عدد من سكان قريتنا قتل، وهناك مفقودون لا نعرف مصيرهم بسبب انقطاع شبكة الاتصالات".
(الأناضول)