يواجه نازحو غزة أصنافاً من المعاناة لم يشهدوها من قبل، تختلط فيها آلام الفقد وصوت القصف والبحث عن الدفء والطعام والبيت، مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الثاني والستين.
توجز كلمات النازح الخمسيني إبراهيم، الذي احتفظ ببقية اسمه خشية استهدافه، مردداً عبر اتصال هاتفي لـ"رويترز": "الجوع لا يقل عن الحرب"، و"العائلات تستخدم مياه البحر للاغتسال" و"صوت الضربات الجوية يصيب الأطفال بالذعر"، و"الرجال يقطعون أشجار المقابر كوقود لتحضير الخبز".
ترصد كلمات إبراهيم مشاهد من حياة نازحي غزة اليومية، ففي الصباح، خلال الأيام التي تعمل فيها الهواتف، يتصل الناس بالأقارب والأصدقاء ليتأكدوا مما إذا كانوا قد نجوا في ليلة أخرى من الحرب، مضيفاً أنّ إراقة الدماء يومياً والمشاهد المروعة في المستشفيات والمصاعب التي يواجهها النازحون الذين ينامون في العراء أو في خيام، ما هي إلا أبرز الملامح لكارثة إنسانية يشعر بها الجميع في غزة.
يقول لـ"رويترز": "أكثر من مرة صار غضب من النازحين وأحياناً اقتحموا مخازن أونروا لأن الجوع لا يقل عن الحرب".
إبراهيم، وهو أب لخمسة أطفال، من بين مئات آلاف الأشخاص الذين نزحوا مع عائلاتهم من منازلهم في شمال غزة للاحتماء في جنوب القطاع، الذي أصبح أيضاً مستهدفاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، موضحاً أنهم يحرقون الخشب لإعداد خبز لأطفالهم، مشيراً إلى أن الطعام محدود للغاية.
وقال إنّ نازحي غزة لا يجدون السلع الأساسية، فليس هناك حليب للأطفال، مضيفاً أنّ الناس يشترون ما يجدون في السوق وأنّ سعر كيس الطحين (الدقيق) قفز من 40 شيكل (10.8 دولارات) قبل الحرب إلى 500 شيكل الآن.
ومضى إبراهيم يقول إنّ بعض السلع المعلبة ظهرت في المتاجر أثناء الهدنة بعد نقلها بشاحنات، لكنها نفدت الآن، مضيفاً: "يعني لو حدا مقتدر معاه مصاري بده (يريد) يدعم مركز إيواء، مثلاً بده يعمل أكل يومياً للنازحين، ما في رز، ممكن يتوفر لحوم لأن فيه مزارع بس ما في رز... حتى ممكن يتوفر المال لهذه المؤسسات لكن ما تتوفر السلع".
وفي الليل، يوقظ القصف، الذي يصفه إبراهيم بأنه يشبه انفجار بركان، نازحي غزة، وتشمل الواجبات الصباحية الاتصال بالناس لمعرفة ما إذا كانوا على قيد الحياة وقطع الأشجار لاستخدامها خشباً لإشعال نار لطهي الطعام.
ومضى يقول: "أضطر أنا صباحاً للعمل حطاباً، أحطب (احتطب) بعض الأغصان علشان نولع (كي نشعل) بيهم نار، حتى الميه والطبيخ بيشتغلوا على النار... المقابر على سبيل المثال دائما فيها شجر، الناس اللي قاعدة... الحي أبقى من الميت على رأي المصريين... دخلوا على الشجر الضخم هذا وراحوا نشروه (قطعوه)، حطبوه (احتطبوا منه)، أصبحت المقابر... حتى الأموات تأثروا بالأزمة".
نازحو غزة.. الاغتسال بماء البحر
ومن أساسيات الحياة اليومية للأسرة أيضاً نقل ماء البحر مرة واحدة تقريباً في الأسبوع لأغراض الاغتسال، موضحاً: "الماء المالح غير الصالح للشرب تيجي في الأسبوع مرة هاي للغسيل والاستحمام. هاي مش رفاهية لما بتيجي مرة في الأسبوع بنخزن ونستخدمها بمحدودية عالية يعني".
وقال إبراهيم إن من زار غزة ويعرف معالمها لن يتعرف عليها الآن لأنها تبدو وكأنها تعرضت لزلزال شديد: "غزة اللي بيعرفها وزارها وبيرجعلها بيعرف أنها (تعرضت) لهزة أرضية كأنها 8 ريختر".
إبراهيم عاش الانتفاضة الأولى، أو الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت في غزة عام 1987، والثانية التي بدأت عام 2000، بالإضافة إلى سلسلة الحروب الإسرائيلية على غزة، لكن ما يشهده الآن يصفه بأنه "غير مسبوق".
وأضاف أنه عاصر حروباً في غزة "وعشت الانتفاضة الأولى والثانية، كان فيه منع تجول في الانتفاضة الأولى، بس كانت الناس في بيوتها يعني تصير عند الناس نقص ميه أو هيك... بس هلأ (الآن) اتجمع النزوح والقتل وتركوا أبناءهم تحت الأنقاض والجوع والحصار ونقص المواد وكله مرة واحدة، عمليا (هذا) جمع كل الظروف السيئة".
(الدولار = 3.7006 شيكلات)
(رويترز، العربي الجديد)