ميلاد فلسطين: دحر الوباء أمنية جديدة

24 ديسمبر 2020
تزين المنزل في بيت لحم فهو مكان الاحتفال الوحيد لديها (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

أمنية الفلسطينيين المعتادة في عيد الميلاد، هي الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، لكنّ أمنية الخلاص من فيروس كورونا الجديد نافستها هذا العام بقوة

منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وقبلها الانتفاضة الأولى عام 1987 لم تشهد مدينة بيت لحم "مهد المسيح" في فلسطين المحتلة، ظروفاً استثنائية في تاريخها الحديث، تستدعي حرمان أبنائها المسيحيين من الاحتفال بعيد الميلاد، لكنّ انتشار الفيروس ألزم الجميع بيوتهم، خصوصاً مع إعلان الحكومة الفلسطينية الإغلاق الجزئي ومنع التجمعات حتى بداية العام الجديد.
يقول إلياس الحزين، من مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، لـ"العربي الجديد": "إنّ تحضيرات العائلة اقتصرت على الاحتفال داخل المنزل، من دون الخروج أو القيام بالزيارات، التزاماً بظروف الحجر، ومنعاً لانتشار فيروس كورونا". لدى الحزين ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وأحد عشر عاماً، ويوضح بخصوصهم: "لم نشترِ ملابس للعيد، لأنّنا لن نخرج من المنزل، لكنّي اشتريت لأطفالي الهدايا، وسيرتدي زوج أختي ملابس سانتا كلوز، ويخفي هويته الحقيقية عن الأطفال، لتقديم هذه الهدايا الليلة (أمس) كمحاولة لإشعارهم ببهجة العيد".

ألبرت هاني، من مدينة بيت جالا في الغرب الملاصق لمدينة بيت لحم، استثمر في كونه قائد المجموعة البابوية البيتجالية، ليفرح أطفاله وأطفالاً آخرين. وهذه المجموعة تقدم العروض الكشفية في الموكب الرسولي سنوياً في ساحة كنيسة المهد، وتقدم الهدايا للأطفال. يقول هاني لـ"العربي الجديد": "هذا العيد حزين. في العادة كانت تمتلئ ساحة الكنيسة بالمحتفلين، لكنّي سأشارك في الموكب الرسولي مع الفرق الكشفية، على نطاق ضيق وسيحضر القليل من الناس، وهذه هي المرة الثالثة، طوال عمري، التي يمرّ فيها ظرف إغلاق المدينة خلال الأعياد، وبينما كانت المرة الأولى بسبب الاحتلال في الانتفاضة الشعبية عام 1987، والمرة الثانية في انتفاضة عام 2000، فالمرة الثالثة نعيشها اليوم بسبب فيروس كورونا، لكنّنا حريصون على الالتزام بالحجر الصحي، والاحتفال وفق قواعد مواجهة الفيروس، بما يضمن السلامة للجميع". لدى ألبرت خمسة أبناء أصغرهم في الخامسة، ولأنّ الإلحاح في معظمه يتمحور في العيد حول هدايا سانتا كلوز أو بابا نويل، فقد أحضر ألبرت من يلبس هذا الزيّ في المجموعة الكشفية ليقدم للأطفال الهدايا ضمن جولة لمحاولة نشر الفرح بينهم.
حرم فيروس كورونا كبار السن أيضاً من حضور الطقوس الدينية، أو المشاركة في التقاليد المقدسة المرتبطة بعيد الميلاد، الذي يعتبره المسيحيون بشارة الخير والرجاء، ومن أهمها حضور قداس منتصف الليل (الخميس- الجمعة) في كنيسة المهد أو كنيسة البشارة في مدينة بيت جالا. يقول ألبرت هاني: "في العادة يحضر والداي خضر وليلى، قداس منتصف الليل، لكن حرصاً على سلامتهم، سنبقيهم في المنزل هذا العيد".
دينا نصار، من مدينة بيت لحم، لم تتمكن أيضاً من حضور الموكب الرسولي للبطريرك الذي يأتي من مدينة القدس، حتى وصوله إلى بلاط كنيسة المهد ويمشي في ساحتها المعروفة شعبياً بـ"باب الدير". تقول بغصة لـ"العربي الجديد": "أحضر لمشاهدة الموكب الرسولي سنوياً في ساحة كنيسة المهد، وأصطحب أحفادي، الذين تتملكهم اللهفة للتمتع بأجواء العيد هناك، منها الاستمتاع بالعروض الكشفية، وحضور الصلاة أيضاً، لكن هذه السنة لم نتمكن من الذهاب بسبب فيروس كورونا، لديّ تسعة أحفاد جميعهم شعروا بالخيبة لأنّهم لن يغادروا المنازل ولن يرتدوا الملابس الجديدة". لدى نصار ثلاث بنات وابنان جميعهم متزوجون من طوائف مسيحية مختلفة، لذلك تحتفل عائلتها أكثر من مرة بهذا العيد، وإن كانت كلّ هذه الاحتفالات بالرغم من تكرارها، لن تقام خارج المنزل. توضح نصار محاولةً إبداء الفرح خلال الحديث: "نحتفل نحن في عائلتنا الصغيرة، بعيد الميلاد في الخامس والعشرين من هذا الشهر (اليوم) مع الطائفة اللاتينية (التقويم الغربي) وفي السابع من الشهر المقبل (يناير/كانون الثاني) مع الطوائف الشرقية (الأرثوذكس، والسريان، وفقاً للتقويم الشرقي)، ومع الطائفة الأرمنية (الكنيسة الأرمنية في القدس) في التاسع عشر من الشهر المقبل أيضاً، لكنّ كلّ هذه الاحتفالات ستقتصر على الاحتفال المنزلي، عوضاً عن قضائها في المطاعم والأماكن الترفيهية، عقب الموكب الرسولي (أمس الخميس) والصلاة، نتمنى أن يكون العيد المقبل هو الأفضل علينا وعلى مدينتنا".

شجرة الميلاد أمام كنيسة المهد رغم كورونا (إيمانويل دونان/ فرانس برس)
شجرة الميلاد أمام كنيسة المهد رغم كورونا (إيمانويل دونان/ فرانس برس)

بالنسبة للصحافي عماد فريج، من رام الله، وسط الضفة الغربية، فإنّه لن يتمكن هذا العام من تأدية زيارات عيد الميلاد لأقاربه وحتى والديه في منزلهما القريب من منزله خشية نقل العدوى إليهما، بعدما أصيب عماد وزوجته وأطفاله بالفيروس، وسيبقى في الحجر المنزلي الصحي حتى ما بعد رأس السنة الجديدة، وفق ما يؤكد لـ"العربي الجديد". في كلّ عام، كان عماد يزور بيت لحم وكنيسة المهد للاحتفال بعيد الميلاد كونه أحد أعضاء فرقة كشفية برام الله، لكنّ كورونا هذا العام حرمه ما اعتاد عليه، كما لم يتمكن هذا العام من التجهيز بما يكفي للعيد بسبب وفاة عمه بالفيروس قبل نحو أسبوع، ما جعل فترة الأعياد مأساوية لديه، لكن تلك المآسي لا تنسي عماد أن منغّص أعياد الفلسطينيين هو الاحتلال بالدرجة الأولى. وبالرغم من كلّ شيء حاول ابتكار أجواء العيد في بيته لأطفاله بتزيين شجرة الميلاد وإعداد بعض حلويات العيد والحديث معهم عن قصة ميلاد السيد المسيح، وسيشاهد القداديس تلفزيونياً، ويستدرك قائلاً: "أعياد الميلاد في فلسطين لها خصوصيتها لدى حجاج العالم ومسيحيي فلسطين، ومهما كان للنقل المباشر والتكنولوجي للقداديس والاحتفالات من أهمية فإنّه لا يعوض أجواء الاحتفالات في دور العبادة، وهو أمر لم نعتد عليه من قبل".
جريس شاهين، من بلدة عين عريك، غربي رام الله، عضو في فريق كشفي اعتاد كلّ عام أن يوزع هدايا سانتا كلوز على الأطفال في بلدته. وفي هذا العام، يوضح شاهين لـ"العربي الجديد" أنّ توزيع الهدايا كان أقلّ نظراً لخشية البعض من انتقال العدوى، فيما سيكون العيد (ليلة أمس الخميس، واليوم الجمعة) عادياً لغياب الاحتفالات التي كانت تبدأ كلّ عام مع بداية ديسمبر/كانون الأول. مع ذلك، كانت هناك صلوات في بلدته، اقتصرت على أعداد قليلة مع إضاءة شجرة الميلاد. يتابع شاهين أنّه صنع أجواء العيد في بيته بالرغم من كلّ الظروف، وذلك بتزيين شجرة الميلاد، وإن كانت الأجواء حزينة عموماً لوفاة قريب لهم بكورونا قبل أيام، فيما يتمنى شاهين أن يزول الوباء وتعود أجواء الميلاد كما كانت وأن يكون العام المقبل عام خير على الجميع.

قضايا وناس
التحديثات الحية

هذا العام اقتصر إعداد حلويات عيد الميلاد على نطاق ضيق لدى عائلة عصام وهبة، من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، فعائلته طلبت من الأقارب عدم الزيارة في العيد، خشية انتقال العدوى، كما يوضح لـ"العربي الجديد". ويتابع: "الميلاد هو تجمع العائلة، لكن، هذا العام لا توجد لمّة للعائلة كما كلّ عام... أخي يدرس في بريطانيا وقد حرم من المجيء بسبب إجراءات السفر، وشقيقتي في رام الله طلبنا منها عدم المجيء في العيد بسبب إجراءات الحكومة بمنع التنقل بين المحافظات، وخشينا من أن تحتجز لدينا بسبب تلك الإجراءات". ويشير إلى أنّه زين منزله بشجرة الميلاد وأعدّ حلويات العيد من أجل الحفاظ على هذه العادات. ويختم: "العيد حزين هذا العام بسبب كورونا، ولن يشارك الجميع في الصلوات، بل ستقتصر على المشاهدة عبر التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي".

المساهمون