استمع إلى الملخص
- **تداعيات خطيرة للاحتباس الحراري**: ارتفاع درجات الحرارة يزيد من تساقط الأمطار الغزيرة والعواصف، مهدداً سلامة المباني والمارة، ويؤدي إلى الجفاف في المناطق الجنوبية.
- **تأثيرات اقتصادية وزراعية**: الاحتباس الحراري يؤدي إلى حرائق الغابات وتقليص محصول الخضروات، مما ينذر بنقصها وارتفاع الأسعار، لكنه قد يعزز الروابط التجارية عبر الممر البحري الشمالي.
تجتاح موجة حر روسيا مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة التي لم تقتصر على ساعات النهار الطويلة صيفا، بل امتدت إلى الليل أيضاً، في ظاهرة يعزوها علماء الأرصاد الجوية الروس إلى تمدد الاحتباس الحراري.
وجراء موجة الحر، أدى تعطل جهاز التكييف في حافلة إلى مناوشات بين الركاب والسائق على أطراف مدينة موسكو، وسط إصرار الركاب على التقدم بشكوى إلى سلطات النقل المحلية. مثل هذه المشاهد أصبحت أمرا معتادا في العاصمة الروسية في ظل استقرار حرارة الهواء عند مستويات تفوق 30 درجة مئوية لم يعتد عليها سكان المدينة.
في المقابل، تشهد الشواطئ التي تطل على البرك والأنهار في موسكو وضواحيها ازدحاماً ملحوظاً، وسط بحث المواطنين عن حصتهم من الشمس لتخزين فيتامين "دي" قبل انتهاء فصل الصيف الذي لا تتجاوز مدته ثلاثة أشهر في البلاد، وهم سعداء بالاستمتاع بالطقس المشمس.
ويؤكد كبير الخبراء بمركز "فوبوس" للأرصاد الجوية ميخائيل ليوس أن ارتفاع متوسط درجات الحرارة في موسكو وروسيا بشكل عام يعود بالدرجة الأولى إلى تمدد ظاهرة الاحتباس الحراري، مشككا في الوقت نفسه في دقة المزاعم بأن الأنشطة الصناعية هي المساهم الرئيسي في الظاهرة.
ويقول ليوس، في حديث لـ"العربي الجديد": "يزداد متوسط حرارة الهواء في الشطر الوسطي من روسيا عاما بعد عام نتيجة للاحتباس الحراري، وحتى أشهر الشتاء أصبحت أقل برودة. خلال 30 عاما مضت، ارتفع متوسط درجة الحرارة المعتمد في يوليو/تموز في موسكو درجة مئوية واحدة ونيف، بينما ازدادت الحرارة المتوسطة في يناير/كانون الثاني بمقدار أكثر من ثلاث درجات".
ويلفت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يحمل في طياته مجموعة من المظاهر الخطرة، مضيفا: "هذا الارتفاع يقابله تزايد تساقط الأمطار الغزيرة وحدوث عواصف رعدية تهدد سلامة المباني والمارة وحتى موجات من الجفاف. صحيح أن الجفاف بالخطوط العرضية الكائنة بها موسكو لا يمتد لفترات قد تهدد المزروعات، ولكن الوضع أسوأ بكثير في المناطق الجنوبية، وفي مقدمتها مقاطعة فولغوغراد التي تأتي في طليعة الأقاليم من جهة خطر التصحر".
ومع ذلك، يقلّل الخبير من أهمية المزاعم أن الأنشطة الصناعية هي التي تساهم بشكل رئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري، قائلا: "صحيح أن هناك قطاعا من العلماء يرجعون الاحترار العالمي إلى العامل البشري، ولكنني أعتبر أن العوامل الرئيسية تتعلق بالأنشطة الشمسية والبركانية. يمر المناخ بنوع من التحولات الدورية، وربما سيتحدث أبناؤنا بعد بضعة عقود عن ظاهرة انخفاض الحرارة لا الاحتباس الحراري".
موجة حر.. عواقب وخيمة
من جهته، يلفت رئيس منظمة "الصندوق الأخضر" المعنية بحماية البيئة أوليغ إيفانوف إلى أن وتيرة الاحتباس الحراري في روسيا تفوق المعدلات العالمية بأضعاف، مشددا على ضرورة استئناف التعاون الدولي بصرف النظر على الخلافات الجيوسياسية للتعامل مع الظاهرة.
ويقول إيفانوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "السبب الرئيسي لحدوث موجة حر غير طبيعية هو الاحتباس الحراري الذي يسير في روسيا بوتيرة تفوق المعدلات العالمية بمقدار 2.5 ضعف. نتيجة لذلك، نشهد حرا غير طبيعي وأمطارا غزيرة صيفا، وموجات من الصقيع القارص شتاء".
ويلفت إلى أن الصواعق "تتسبب في حرائق الغابات وتقليص مساحاتها في سيبيريا ومنطقة الأورال، ويصعب إخمادها نظرا لصعوبة الوصول إلى بؤرها برا، وليس من السهل توظيف طيران الإطفاء على نطاق واسع".
ومع ذلك، يشير إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري لا تقتصر على روسيا، قائلا: "هذا أمر عالمي، وحتى دولة عربية كالإمارات شهدت موجة من الأمطار الغزيرة في فبراير/شباط الماضي. لكن ما يفاقم الوضع في روسيا هو تدفقات التيارات تحت المائية في المحيط والنشاط الصناعي العالي".
وحول رؤيته لكيفية معالجة تداعيات الاحتباس الحراري، يتابع: "يجب تشجير المدن واعتماد التكنولوجيا المخفضة للحرارة عند البناء وتعزيز التعاون الدولي بين علماء البيئة انطلاقا من رؤية مفادها أن لنا أرضا واحدة، ولكن التواصل بين العلماء من مختلف الدول تراجع كثيرا في العامين الماضيين بسبب التوترات الجيوسياسية".
وفي جنوب روسيا الذي تشهد مناطقه هي الأخرى موجة حر غير طبيعية، يقلص الطقس الحار محصول الخضروات، وفي مقدمتها الطماطم، وهو ما ينذر بنقصها في السوق وارتفاع الأسعار.
وقال ناطق باسم اتحاد الزراعة العضوية لصحيفة "إزفيستيا" الروسية في وقت سابق من الشهر الجاري: "تواجه أغلبية الأقاليم في جنوب روسيا مشكلات مع مزروعات الطماطم بسبب الطقس الحار بصورة غير طبيعية". وأضاف أنه "في حال استطاع المزارعون الحفاظ على المزروعات التي لا تثمر حاليا، فسيجنون محصولا بعد نحو ثلاثة أشهر"، متوقعا أن يقدم المزارعون على رفع أسعار منتجاتهم لتغطية النفقات وتحقيق أي أرباح.
من جهتها، قالت مديرة مشروع "أوباتات" أناستاسيا فيشتورت، لـ"إزفيستيا": "أوشك موسم الطماطم على الانتهاء. الآن نشحن ما أثمر قبل بدء الحر. توقف تلقيحها قبل شهر، عندما ارتفعت درجات الحرارة. خلال الشهرين المقبلين أو ثلاثة على الأرجح، لن نستطيع أن نقدم شيئا للمستهلكين".
ومع ذلك، قد تجني روسيا بعض المكاسب من التغّير المناخي، ومن بينها تمديد موسم الملاحة البحرية عبر الممر البحري الشمالي الرابط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر منطقة القطب الشمالي، مشكلا حلقة وصل بين روسيا وبلدان جنوب شرق آسيا واليابان والصين وغيرها من الدول.