موائد العراقيين باردة في رمضان بسبب العدوان على غزة

07 مارس 2024
تبرز مظاهر التضامن مع غزة في أنحاء العراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تكاد تختفي بعض عادات وطقوس الاحتفاء بحلول شهر رمضان في العراق، وزاد العدوان الإسرائيلي على غزة وحرب التجويع المتواصلة بحق أهل القطاع من دوافع التخلي عن الاحتفال بقدوم شهر الصيام هذا العام، إذ يتداول غالبية العراقيين تفاصيل المجازر، ويوميات الحرب بغصة كبيرة في صدورهم، ما يمنعهم من إظهار الفرح.
من بغداد، يقول عمر عبد الله الجميلي لـ"العربي الجديد": "يحلّ علينا شهر رمضان هذا العام بينما أهلنا في غزة بين جائع ونازح وجريح وشهيد. المظاهر الخاصة باستقبال رمضان والعادات المجتمعية المتوارثة للاحتفاء بالشهر تتراجع منذ سنوات، لكن ما يحدث في غزة حالياً يجعل الشعور بالفرح أكثر صعوبة".
من البصرة (جنوب)، يقول الناشط أحمد محمود الجديع، لـ"العربي الجديد"، إن لمحافظة البصرة خصوصية تميزها عن بقية محافظات العراق، كونها قريبة من الخليج العربي، أو هي جزء منه ببيئتها وتركيبة سكانها الذين ينحدر كثير منهم من نجد والحجاز، لذا نجد العادات والتقاليد متشابهة في شهر رمضان مع دول الخليج أكثر من مناطق العراق.
يضيف الجديع: "في السابق كان أهل البصرة يمارسون عادات متوارثة طيلة أيام شهر الصيام، من بينها تبادل أطباق الطعام فيما بينهم، وعندما تسير في طرق ودروب مدينة الزبير، أو قضاء أبي الخصيب قبل أذان المغرب، تشاهد الأطفال يتنقلون من منزل إلى آخر حاملين تلك الأطباق، ومن عادات أهل البصرة أن الصحون لا يمكن أن ترجع فارغة، وإنما يجب رد الطبق مليئاً، في اليوم نفسه أو الذي يليه".

يتداول غالبية العراقيين تفاصيل المجازر ويوميات الحرب على غزة بغصة

يتابع: "في الماضي، كان غالبية أهل البصرة، خصوصاً قضاء الزبير، ينطلقون بعد الإفطار مباشرة إلى المساجد التي تمتلئ عن آخرها قبل صلاة العشاء والتراويح، وبعدها تبدأ فترة التزاور بين الأقارب والأصدقاء، والسهر معهم، والتي يطلق عليها (التعتومة)، وتستمر حتى السحور، والبعض يجعلها دورية، بمعنى أن تكون ليلة في كل منزل. في السنوات الأخيرة، انحسرت عادة تبادل الصحون كثيراً، والمساجد هجرت لسنوات بسبب الأوضاع الأمنية الخطرة، وإن كانت قد بدأت تتعافى بعد عام 2021، فمساجد مركز المدينة وقضاء الزبير وأبي الخصيب عادت لتكون عامرة بالمصلين في الليالي الرمضانية، وتنتشر الأمسيات الرمضانية التي تضم فعاليات ومسابقات، وأُدخلت عليها بعض الألعاب التراثية، مثل لعبة المحيبس كما برزت دورات كرة القدم الرمضانية التي لم تكن منتشرة كثيراً في السابق".

يدعم العراقيون المقاومة الفلسطينية بقوة (حيدر محمد علي/الأناضول)
يدعم العراقيون المقاومة الفلسطينية (حيدر محمد علي/الأناضول)

ويقول العراقي محمد نصر الله لـ"العربي الجديد"، إن "التقنيات الحديثة أثرت بشكل كبير على كل الطقوس والعادات، حتى على سفرة (مائدة) الإفطار التي كان يتقابل فيها أفراد الأسرة يوميا، بينما حاليا لا يتجمعون كثيراً، وإن تجمعوا تجد كلا منهم منشغلا بتصوير المائدة لنشر صور الإفطار، كما أن زيارات الأقارب والأهل والأصدقاء التي كانت إحدى أهم عادات رمضان تراجعت هي الأخرى، وصارت التهاني بقدوم رمضان عبارة عن رسائل هاتفية مكررة لا مشاعر فيها، والكل يعيد إرسالها إلى أكبر عدد من الأهل والأصدقاء وكأنه يريد أن يتخلص من واجب التهنئة".
يتابع نصر الله، وهو من سكان بغداد: "في السابق كانت سفرة الإفطار تلتئم في كل يوم عند أحد الأهل، وتتم دعوة جميع الإخوة والأخوات والأبناء والأحفاد، بينما تقتصر سفرة الإفطار الآن على العائلة، أو تكون داخل أحد المطاعم. كان المتخاصمون ينتظرون شهر رمضان للصلح كونه شهر التسامح والغفران، أما اليوم، فلا يوجد اهتمام بإنهاء القطيعة بين الإخوة، ولا يتدخل أحد للصلح تجنباً لحدوث مشكلات. كل هذا يفقد رمضان نكهته التي توارثناها من الأجداد، ويجعلنا نشعر بالحنين إلى الماضي بعد أن تغيّرت كثير من العادات".

قضايا وناس
التحديثات الحية

بدورها، تقول الباحثة الاجتماعية منى أحمد لـ"العربي الجديد": "تغيرت طقوس وعادات رمضان كثيراً عن السابق، خاصة بين الأجيال الشابة المنشغلة بالتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي أكثر من انشغالهم بالعادات والتقاليد، وبالتالي فإنهم لا يبدون تمسكاً بالعادات الرمضانية التي ورثوها عن الآباء والأجداد، كما أن الأجواء الإيمانية والروحانية المعتادة تكاد تختفي بسبب تقلص التواصل بين أفراد المجتمع، ويعود سبب هذا إلى تكرار التعرض للحروب والنزوح، وغلق المساجد لسنوات، وانتشار الخوف بين البعض من التجمعات".
تضيف: "يوميات العدوان على غزة، وما يجري فيها من مجازر وفظائع تخيم على كل دول العالم وليس على العراق وحده، وتجعل من الصعب الاحتفال أو الاستمتاع بينما يتعرض مئات آلاف الأبرياء للإبادة على يد أبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث".

المساهمون