مهارات جديدة لطائر كان يعتبر نذير شؤم

15 ديسمبر 2021
يشرب هذا الغراب الماء في سوق في الهند (بلافا باغلا/ Getty)
+ الخط -

إنه الطائر الذي استهزأ به العرب والأوروبيون لقرون، وكرهوه واحتقروه، وسعوا إلى قتله، ونعتوه بالصفات السيئة. من منا لا يعرفه، أو لم يشاهده. لقد تبين اليوم أنه الأذكى والأجرأ والأفضل بين الطيور في التصرف والتفكير. لا بد أننا نتكلم عن الغراب الذي يتكلم ويفكر ويتواصل في مجتمعه، ويتوصل إلى حلول. إن رؤية غراب لوحده عند بعض الأوروبيين هو فأل سيئ، ورؤية زوج منه تعتبر فألاً حسناً، وثلاثة أفراد معاً تبشر بالصحة، وأربعة بالثروة، وخمسة تعني المرض، ومشاهدة ستة غربان معاً تدل على قرب حصول وفاة في البيت أو الجوار. أما العرب فتشاءموا منه، ففي الخليج نعتوا الشخص "النحس" بوجه الغراب، وفي مصر قالوا "يا فرحة ما تمت أخدها الغراب وطار"، وهي جملة تقال على الفرح الذي يعكر صفوه شيء فلا يكتمل، ويقولون أيضاً "ياما جاب الغراب لأمه"، أي أنه لا قيمة لما جلبه شخص لآخر. وعند العرب عموماً يقولون إن فلاناً "أشأم من غراب البين"، أو أن الغراب لا يقلع عين الغراب الآخر (على شاكلة أن الكلاب لا تعض بعضها).
لهذا الكره والاستحقار للغربان قصص وأقاويل منذ قرون، وأخرى معاصرة، ففي اللغة العربية، هناك الكثير من الأمثلة والألفاظ التي تبين كره العرب للغراب، مثل: "صُرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ غُرَابٍ" أي ضاق عليه الأمر أو المعاش، و"طَارَ غُرَابُهُ" أي شاب رأسه، و"غُرَابٌ أَبْقَعُ" أي خبيث، و"لاَ يَطِيرُ غُرَابُهَا" ويقال للأرض الخصبة كثيرة الثمار، و"وَجَدَ تَمْرَةَ الغُرَابِ" أي وجد ما أرضاه.
أما على صعيد الأدب، فهناك الكثير من القصائد والأبيات الشعرية العربية التي تسخر وتذم ذلك المسكين: "فأنسي ممشاه ولم يمش كالحجل/ وكم من غراب رام مشية قبجة"، وفي معجم اللغة العربية أيضاً، كان له نصيب من الكراهية، فلقد اشتقت عن اسمه أربع مفردات قد لا يفضلها البعض، وهي الغربة، والاغتراب، والغرابة، والغريب. 
لكن الأغرب من كل هذا الذي ذكرناه هو أن الغراب طائر من بين أذكى أنواع الطيور لأنه يتكلم ويفكر وله حياة اجتماعية مميزة، وهو مفيد للزراعة. لقد أصبح الكثير من الناس في هذه الأيام يعرف أن الغراب يتكلم، ولعلهم في الماضي كانوا يسمعون كلاماً في الغابة، أو الأرياف، ويعتبرون أن هذا الكلام صادر عن الجان. أما اليوم فهم يشاهدونه يردد كلمات وجملا صغيرة وهو تحت ناظريهم.
أما الذكاء فبدأ الناس يتحدثون عنه بعد أن شاهدوا الغربان تضع الجوز أمام إطارات السيارات عند شارة المرور، وعندما تضيء الشارة باللون الأخضر يتكسر الجوز تحت العجلات، بينما تهرع الغربان إلى المكان لتأكل من الجوز عندما تصبح الشارة حمراء. وكأن لديها ساعة تعرف منها أن الوقت قد حان لتضيء الشارة الخضراء، فتهرب في اللحظة المناسبة إلى جوانب الطريق وعلى الأشجار، وبعد ذلك تعيد كل ما سبق.

وفي إحدى دول الخليج، تم تدريب الغربان على جمع القمامة من المتنزهات العامة ووضعها في حاويات القمامة، ولكن ليس بالمجان كون كل غراب من المشاركين يحصل على حصة غذائية بالمقابل، الأمر الذي دفع ببعض الغربان البرية غير المدربة، والتي تعيش في المتنزهات لأن تستخدم الحيلة، وتقف بالدور لتأخذ حصة غذائية أسوة بأترابها من الغربان المدربة. إنه الذكاء وليس الغريزة. ففي أوروبا تخضع الغربان لاختبارات معقدة لتصل إلى الطعام عبر إيجاد وسيلة لإزالة كل عقبة تواجهها، وفي نهاية المطاف تصل الغربان إلى هدفها تارة باستعمال عيدان لدفع باب، أو الحصول على عود أكبر لفتح باب آخر، إلى أن تصل إلى غايتها، بينما تعجز معظم الأنواع الأخرى من تحقيق نفس الهدف.
هذه الغربان لديها حياة إجتماعية ذات أنظمة خاصة، فتعاقب الغراب الذي يسرق أو يخرب عشاً ليس له وتنقره حتى يقوم ببناء العش الذي خربه مجدداً. أما الغراب الذي يعتدي على زوجة صديقه فعقابه القتل، فتلحق به القبيلة، فإن وصلت إليه قتلته، وإن لم تصل يكون قد خرج خارج حدود ولايتها من غير رجعة.
وآخر ما عرفناه عن ذكاء الغراب هو العمل بكل جهده من إجل إطفاء النار، ليس برمي الرمال أو الماء عليها، بل بإبعاد الأغصان والأعشاب من حول النار حتى تنطفئ وحدها، وهذا التصرف موثق كما حال التصرفات الأخرى المذكورة أعلاه. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن الغراب هو صديق الفلاح لأنه يمشي وراء المحراث، سواء كان يدوياً أو آلياً، ويلتهم جميع أنواع الحشرات والقوارض الصغيرة التي تظهر للعيان أثناء قلب التربة، وبذلك يخلص الفلاح من الآفات الضارة التي قد تقضي على المحاصيل. 
(متخصص في علم الطيور البرية)

المساهمون