مهاجرون مغاربة.. مصير مجهول في مسار جزر الكناري القاتل

23 يونيو 2023
من تحرّك سابق لعائلات شبّان مغاربة فُقدوا في رحلات هجرة غير نظامية (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

تعيش عائلات 51 مهاجراً سرياً مغربياً مأساة كبرى، إذ إنّها ما زالت تجهل مصير أبنائها الذين فُقد الاتصال بهم، في حين كانوا يحاولون الوصول عبر قوارب الموت إلى جزر الكناري التابعة للسيادة الإسبانية. يُذكر أنّ هذا الأرخبيل الواقع في المحيط الأطلسي ينقسم إلى مقاطعتَين، هما سانتا كروز دي تينيريفيه ولاس بالماس.

وقد باشرت السلطات الأمنية المغربية، اليوم الجمعة، أولى خطواتها العملية للتحقيق في المأساة الأخيرة بملاحقة شبكات هجرة غير نظامية. يأتي ذلك في حين تبذل عائلات المهاجرين المتحدّرين بغالبيتهم من منطقة العطاوية في إقليم قلعة السراغنة، كلّ الجهود الممكنة، لا سيّما الاتصالات مع السلطات المحلية والقضائية لمعرفة مصير أبنائها بعد انقطاع أخبارهم في 11 يونيو/ حزيران الجاري.

وتكشف مصادر من عائلات المهاجرين المفقودين لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمن المغربي في مدينة العطاوية بإقليم قلعة السراغنة ألقى القبض اليوم على والدة أحد السماسرة المشتبه في انتمائه إلى شبكة لتهريب البشر، وقد تمّ الاستماع إليها على خلفية شكوى تقدّمت بها عائلات المفقودين إلى النيابة العامة في المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة تتعلّق باختفاء أبنائهم".

تضيف المصادر نفسها أنّ "العائلات تطالب بالتدخّل العاجل لمساعدتها في الكشف عن مصير أبنائها، وإلقاء القبض على سماسرة الهجرة غير النظامية الذين تسببوا في فقدان أبنائها وإزهاق أرواح الضحايا وتقديمهم إلى العدالة من أجل محاكمتهم".

من جهته، يقول شقيق أحد المهاجرين المفقودين، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" إنّ "لا تفاصيل متوفّرة لدينا عن مصيرهم، علماً أنّ من بينهم قصّراً وامرأتَين". يضيف: "نحن ننتظر منذ 12 يوماً، لكنّ كلّ محاولاتنا مع السلطات باءت بالفشل، إذ إنّه عند السؤال عن مصيرهم منذ مغادرتهم سواحل مدينة أغادير تجيبنا بأنّها لا تملك أيّ معطيات". ويؤكد: "نحن نعيش مأساة حقيقية ووضعنا صعب"، مشيراً إلى أنّ "المسؤولية يتحمّلها الجميع؛ سلطات وعائلات وشبكات تهريب البشر".

وكانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان - فرع مدينة العطاوية، قد دعت، أمس الخميس، إلى التحقيق والتحرّي للكشف عن مصير المهاجرين المغاربة الذين انقطعت أخبارهم، وطالبت كذلك بفتح تحقيق عاجل، بهدف الكشف عن "شبكات الاتّجار بالبشر والهجرة غير النظامية التي خلّفت وتخلّف مآسي كبيرة". وحذّرت من أنّ "قوارب الموت باتت ظاهرة مستمرّة في إقليم قلعة السراغنة، بسبب استمرار فشل السياسات العمومية في دمج الشباب في سوق الشغل (العمل)".

في الإطار نفسه، ينتقد رئيس جمعية "مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة" حسن العماري "تأخّر خفر السواحل الإسبانية والبحرية المغربية في البحث عن المهاجرين المفقودين الذين كانوا قد خرجوا من سواحل مدينة أغادير المغربية في اتجاه جزر الكناري". وإذ يصف مصير هؤلاء المهاجرين بـ"الغامض"، يرى أنّ الأمر "يقتضي بذل جهود كبيرة للبحث عنهم".

ويوضح العماري لـ"العربي الجديد" أنّ "تشديد الخناق من قبل السلطات الأمنية على شبكات الهجرة غير النظامية والمهاجرين في المنطقة الشمالية من المغرب جعل تلك الشبكات تنقل نشاطها إلى السواحل الجنوبية للبلاد، أي على المحيط الأطلسي، من أجل بلوغ جزر الكناري". ويتوقّع "مآسي جديدة في الأسابيع المقبلة، في ظلّ هذا الوضع، خصوصاً أنّ شبكات التهريب بدأت تعمل من مناطق جديدة من بينها مدينة الجديدة (تبعد 100 كيلومتر عن مدينة الدار البيضاء)".

وتُضاف مأساة هؤلاء المهاجرين البالغ عددهم 51 إلى عشرات المآسي التي تسبّبت فيها قوارب الموت المنطلقة من سواحل المغرب في الأسابيع الماضية، ولعلّ أبرزها التي قضى فيها 11 شخصاً في إبريل/ نيسان الماضي، بعد غرق قارب متهالك قبالة الشاطئ الأبيض بالقرب من مدينة كلميم (جنوب).

وقد عادت أخيراً رحلات الهجرة غير النظامية لتنطلق من شواطئ المغرب في اتجاه "الفردوس الأوروبي" عبر قوارب الموت، مستفيدة من تحسّن الأحوال الجوية، في حين حذّرت فعاليات مدنية مغربية عدّة من تنامي نشاط شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، بعد تشديد المراقبة الأوروبية على طرقات الهجرة، انطلاقاً من ليبيا نحو مالطا وإيطاليا، وارتفاع كلفتها وخطورتها، وتركيز تلك الشبكات على الطريق المغربي-الإسباني.

وعلى الرغم من تراجع أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين تمكّنوا من بلوغ الشواطئ الإسبانية في عام 2022 الماضي بنسبة 23 في المائة، فإنّ نسبة هؤلاء المنطلقين من المغرب ارتفعت لتبلغ 85 في المائة. وقد بلغ عدد المهاجرين الواصلين إلى جزر الكناري من المغرب وبلدان شمال غرب أفريقيا أكثر من 15 ألفاً و466 مهاجراً.

وبحسب تقرير صادر عن المنظمة الإسبانية غير الحكومية "كاميناندو فرونتيراس" في ديسمبر/ كانون الأول 2022، فقد قضى أو فُقد أكثر من 12 ألف مهاجر منذ عام 2018 أثناء محاولاتهم الوصول إلى إسبانيا، انطلاقاً من سواحل المغرب، بمعدّل ستة غرقى في اليوم. وقد شهد الطريق بين الساحل الشمالي الغربي لأفريقيا وجزر الكناري وحده مصرع 7692 مهاجراً.

وعرفت السنوات الأخيرة، تحوّلاً في ما يخصّ نقاط انطلاق قوارب الموت، إذ صارت أقاليم المغرب الجنوبية مسلكاً لمحاولات الهجرة نحو إسبانيا من خلال إبحار قوارب مطاطية سريعة نحو جزر الكناري. وفي مقابل ذلك، تحاول السلطات المغربية مواجهة الهجرة غير النظامية، من خلال شنّ عمليات اعتقال في صفوف شبكات الهجرة غير النظامية.

تجدر الإشارة إلى أنّ مصير مئات من المغاربة الذين خاضوا هجرة غير نظامية ما زال مجهولاً، في وقت لم تستجب فيه الحكومة المغربية حتى الساعة لمطالب عائلات الذين ما زالوا في عداد المفقودين خلال محاولتهم التوجّه إلى أوروبا، انطلاقاً من المغرب أو الجزائر أو تونس أو ليبيا أو تركيا.

المساهمون