عرفنا في وقت باكر من طفولتنا المقايضة كنوع من التجارة التبادلية، حيث تستبدل المنتجات أو الخدمات بغيرها من المنتجات أو الخدمات دون استخدام العنصر النقدي وسيلةً للشراء أو الدفع. فقد كان البدو يأتون إلى قريتنا من الأودية البعيدة حاملين على دوابهم منتجات شجرية نادرة، فنقايضهم بحبوب الذرة واللوبياء، وبعض المنتجات الزراعية الأخرى.
ينادي الواحد منهم على "الحرجل.. المحريب.. الجردقة" كأهم ما تحتويه قائمة السلع لديه، فنهرع إليه مدفوعين من الكبار، لنأتيهم بما يستخدمونه في التطبيب الشعبي التقليدي الذي يعتمد على استخدام النباتات ومستخلصاتها، والذي يعرف كذلك بالطب النباتي أو طب الأعشاب.
وتذكر بعض الدراسات أن القارة الأفريقية تضم نباتات عدة يمكن أن تستخدم لأغراض طبية، فمن أصل نحو 6400 نوع من النباتات في أفريقيا الاستوائية، يستخدم أكثر من 4000 منها كنباتات طبية. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 80 في المائة من سكان بعض البلدان الآسيوية والأفريقية يستخدمون حالياً طب الأعشاب في بعض جوانب الرعاية الصحية الأولية.
وأخيراً، حاز ثلاثة من العلماء السودانيين على براءة اختراع حول استخدام أوراق وفروع وسيقان نبات (الحرجل) محفزاً لنمو النباتات ورفع الإنتاج الزراعي، ومبيداً عضوياً للآفات وبعض الأمراض الضارة بالنباتات، حيث تمتص الجذور عصارة الأوراق أو مطحون الفروع أو السيقان، فتنتقل إلى الأجزاء الخضرية أو الزهرية لتحفيز النمو والإزهار في النباتات السليمة. أما في النباتات المصابة، فتمتصه الحشرات والميكروبات كمكون ضمن العصارة النباتية التي تتغذى عليها، فتقضي عليها، كما يمكن رش المستخلص المائي للأوراق والسيقان والفروع على المجموع الخضري للخضراوات والنباتات الحقلية وأشجار الفاكهة بغرض المكافحة، أو لتحفيز النمو ورفع الإنتاج.
وكأنما هناك توافق لغوي بين الحرجل العشبة وحرجل الفعل، ففي القاموس (حَرْجَل) تعني "عَدَا يَمْنَة ويَسْرَة". و(الحَرْجَلَة) هي جماعة الخيل، وجمعها حراجل، فيقال جاءوا حَرَاجِلة، أي جاءوا على خيلهم. أما الحرجل فنبات عشبي ينتشر في المناطق الجبلية والصحراوية مثل شمال أفريقيا والجزيرة العربية. يتجرّع المرضى منقوع أوراقه الساخن فيعدو في الجسد مسرعاً ليقوم بفعل السحر كمليّن ومسكّن للألم ومُدِر للبول. ويستخدم مسحوقه لعلاج الجروح وآلام الروماتيزم. وقد دخل في الطب الحديث تأكيداً لدوره في علاج العديد من الأمراض، ذلك لأن نبات الحرجل يحتوي على مركبات كيميائية عدة مهمة مثل الـ"أرجلين والجليكوسيدات، والوالتاتينات، والفلافونيدات، والمضادات الحيوية".
والحرجل ليس استثناءً، فالعديد من الأعشاب دخلت الصيدلية الشعبية بسبب قدرتها العالية على الشفاء، إلى جانب الأهمية الرمزية والروحية. وجاء في الدراسات أن نحو 25 في المائة من الأدوية الحديثة المستخدمة في الولايات المتحدة استخرجت من نباتات. وتشتق من النباتات 7000 مركب طبي على الأقل تندرج في صناعة الأدوية الحديثة. وبين 120 مركباً نشطاً معزولاً حالياً عن النباتات الأعلى ويستخدم على نطاق واسع في الطب الحديث اليوم، تظهر 80 في المائة منها علاقة إيجابية بين استخدامها العلاجي الحديث والاستخدام التقليدي للنباتات التي تستمد منها. وقد اعترف الأطباء الممارسون الأفارقة، في السنوات الأخيرة، أن لديهم الكثير لتعلمه من الممارسات الطبية التقليدية.
(متخصّص في شؤون البيئة)