كشفت عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا في شمال غرب سورية عن معاناة كبيرة للدفاع المدني (الخوذ البيضاء) من صعوبات كثيرة واجهت عناصره، من بينها فقدان كثيرين منهم أفراداً من عائلاتهم، فضلاً عن وفاة عدد من العناصر تحت أنقاض الزلزال المدمر.
وأعلن الدفاع المدني، مساء الجمعة، انتهاء عمليات البحث وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في المناطق المنكوبة بالزلزال شمال غربي سورية، والبدء بعمليات الانتشال، مشيراً إلى أنه لم يتلق أي مساعدات من قبل الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي بعد حدوث الزلزال، بينما المنطقة تعاني أصلاً من تراجع الدعم وتهدم البنى التحتية من جراء القصف، وعبر في بيان عن خيبة الأمل بسبب "تجاهل المجتمع الدولي للمأساة الإنسانية التي خلفها الزلزال في مناطق شمال غربي سورية، رغم كل النداءات التي أطلقها لتوجيه الدعم اللازم لعمليات البحث والإنقاذ".
يقول عضو "الخوذ البيضاء" فضل يازجي، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع مأساوي، ولا كلمات لوصفه. عملنا يقتضي أن نسعى بكل ما لدينا من قوة لإتمام مهمة إنقاذ الأرواح".
ويؤكد المتطوع بالدفاع المدني في إدلب، محمد علي، أن "المهمة شديدة الصعوبة، لأن الزلزال ضرب مناطق متفرقة، وبالتالي لم يكن الدفاع المدني قادراً على تغطية كل الأماكن. عندما كان النظام يقصف منطقة، كان الجميع يستنفر، وننتقل إلى تلك المنطقة، وكان الإنقاذ يستغرق وقتاً لرفع الأنقاض، وإخراج المصابين أو انتشال المتوفين. لكننا حالياً مجبرون على توزيع الجهود على مناطق متفرقة، فحجم الكارثة كبير، والمعدات المتوفرة لا تكفي لتغطية كل المناطق، ما زاد من أعداد الضحايا".
وأسهم الدفاع المدني في إنقاذ مئات الأشخاص من تحت أنقاض المباني المدمرة، وبعض عمليات الإنقاذ تواصل العمل فيها 30 ساعة في ظل أجواء شديدة البرودة.
وكشف الدفاع المدني، في بيان، أنه فقد أخيراً 4 متطوعين قضوا مع عائلاتهم تحت أنقاض الزلزال، وكانت من بينهم متطوعة. يوضح نائب مدير الدفاع المدني منير المصطفى، لـ "العربي الجديد"، أن متطوعي "الخوذ البيضاء"، محمود شريف وخليل طوقاج وضيف الشاكر، قضوا تحت أنقاض مبان سكنية منهارة ضمن منطقة حارم بريف إدلب الشمالي، وأن المتطوعة فاطمة الحسن قضت في بلدة جنديرس بريف حلب الشمالي، مؤكداً: "جميعهم كانوا منقذين، والمتطوعة كانت تعمل ضمن القسم النسائي، وهم ضحايا مثل بقية السوريين، لكن الأمر زاد من حزننا".
ويشدد المصطفى على أن "احتياجات الدفاع المدني الأساسية تتمثل في الآليات الخاصة القادرة على التعامل مع حالات الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل التي تؤدي إلى انهيار الأبنية الكبيرة، فضلاً عن أدوات تقنية قادرة على سبر أعماق أكوام الركام للكشف عن وجود أحياء، بالإضافة إلى بلدوزرات، ومعدات فردية مثل الضواغط الهيدروليكية، والوسائل الهوائية، كون هذه الوسائل تستخدم بشكل كبير، كما أننا بحاجة شديدة إلى المحروقات، لأن المنظمة بدأت استخدام المخزون الاحتياطي من المحروقات قبل شهرين، وهذا المخزون لن يكفي إلى الأبد. الوضع سيئ في مناطق شمال غربي سورية، وحجم الكارثة كبير".
وعناصر الدفاع المدني والمتطوعون هم إما من أهالي المناطق التي يعملون فيها، أو من المهجرين والنازحين من مناطق أخرى، وشارك معظمهم في عمليات الإنقاذ السابقة التي جرت لإنقاذ ضحايا القصف الذي يقوم به النظام وروسيا، لكن حجم الدمار الناتج من الزلازل أكبر، وفقدان العناصر والمتطوعين يزيد الألم.
وحسب الموقع الإلكتروني الرسمي للدفاع المدني، فقدت المنظمة 300 متطوع منذ عام 2013، قتل أكثر من نصفهم في ضربات استهدفتهم عمداً من قبل النظام وروسيا، كما أصيب مئات آخرون من المتطوعين. وكرر النظام السوري وحليفته روسيا تعمد استهداف أفراد الدفاع المدني خلال عمليات الإنقاذ، كما قصفت مراكز الدفاع المدني مباشرة أكثر من 70 مرة، فضلاً عن شن حملات إعلامية تهدف إلى تشويه صورة المنظمة، ووسمها بالإرهاب، أو العمالة للغرب.
ويقول المتطوع في الدفاع المدني حميد قطيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ضحايا المنظمة من جراء الزلزال كانوا من خيرة العناصر، ومشهود لهم بالعمل الجاد خلال عمليات الإنقاذ، والاستجابة لنداء المدنيين بعد التعرض للقصف. المتطوع الفقيد محمود شريف كان ضمن فريق منطقة حارم، وكان شاهداً على مجازر ارتكبها النظام في المنطقة، وأسهم في إنقاذ أرواح عشرات المدنيين، والمتطوعة فاطمة الحسن كانت فاعلة في القسم النسائي المخصص لخدمة المخيمات والأهالي والمهجرين".
ويوضح قطيني أن خبر فقدان العناصر الأربعة وعائلاتهم أثر كثيراً في نفوس بقية المتطوعين، "فالأمر غاية في الصعوبة حين يتحول عامل الإنقاذ إلى ضحية، وعندها يتذكر زميله المنقذ ما واجهاه معا في السابق، وما قدما من تضحيات".
ويضيف أن "عناصر الدفاع المدني مستمرون في التضحية، وبعضهم يعملون 60 ساعة متواصلة من دون نوم، ويبذلون جهداً عضلياً ونفسياً كبيراً في ظل ظروف شديدة الصعوبة".
وتؤكد منظمة الدفاع المدني أنها حيادية، وغير منحازة، وأنها لخدمة كل السوريين، وهي تضم نحو 3000 متطوع ومتطوعة، يعملون لإنقاذ الأرواح، وتمكين المجتمعات، وتأسست في أواخر عام 2012، حين بدأ النظام السوري في استخدام القصف الجوي كأحد أشكال العقاب الجماعي لسكان الأحياء التي خرجت عن سيطرته.