تحوّلت الأزمة الصحية التي كان السودان يعاني منها في الأساس إلى "كارثة بكلّ معنى الكلمة" من جرّاء تواصل المعارك منذ أكثر من أسبوعَين، في ظلّ نقص في العاملين الصحيين والمستلزمات الطبية وانتشار الأوبئة، بحسب ما قال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أحمد المنظري في حديث مع وكالة فرانس برس بالقاهرة.
وتعرّضت المستشفيات والمراكز الصحية في السودان، أحد أفقر بلدان العالم، إلى قصف متكرّر، فيما احتلّ بعضها مقاتلون من طرفَي النزاع، أو باتت خالية من العاملين أو الأدوية والمستلزمات الطبية، بحسب ما أفاد الأطباء السودانيون في مرّات عديدة منذ 15 إبريل/ نيسان المنصرم. وكانت المعارك قد اندلعت في ذلك اليوم ما بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع".
وقد أدّت المعارك المتواصلة، خصوصاً في الخرطوم وإقليم دارفور (غرب) إلى مقتل أكثر من 500 شخص وجرح نحو خمسة آلاف، بحسب أرقام وزارة الصحة السودانية، غير أنّه من المرجّح أن تكون أدنى بكثير من الحصيلة الفعلية. وكان السودان قد شهد سلسلة من النزاعات على مدى الأعوام الماضية، وعانى حظراً دولياً طوال عقدَين من الزمن.
أضاف المنظري أنّه قبل المعارك الأخيرة، "مرّ النظام الصحي في السودان كما هو معروف بأعوام من الأزمات المختلفة، الأمر الذي عرّضه لكثير من الهشاشة والضعف الحقيقي"، شارحاً أنّه "ضعف بكلّ ما تعنيه الكلمة لجهة البنى التحتية، أي المستشفيات أو مراكز رعاية صحية أولية بمختلف مستوياتها في عموم السودان". وتابع أنّه "بالفعل، ثمّة نقص حقيقي في الكادر الطبي، خصوصاً بعد ظهور هذه الأزمة في خلال الأسبوعَين الماضيَين (...)، لا سيّما الكادر الطبي المتخصّص على سبيل المثال في الجراحة والتخدير".
60% من المرافق الصحية في #الخرطوم لم تعد تعمل بسبب:
— WHO Eastern Mediterranean Regional Office (EMRO) (@WHOEMRO) April 30, 2023
🔴استنزاف الإمدادات الطبية
🔴الهجمات المتزايدة على مرافق الرعاية الصحية
🔴انعدام الأمن الذي يحول دون وصول العاملين الصحيين إلى المستشفيات
وقد عمل هؤلاء العاملون الصحيون في مستشفى ألبان جديد على مدار الساعة لمدة 14 يومًا pic.twitter.com/mO9mcg2qG6
هجمات على المستشفيات
وحلّ هذا النقص قي توقيت سيّئ جداً، بحسب المسؤول في الوكالة التابعة للأمم المتحدة، خصوصاً أنّ الملاريا المسجّلة في البلاد قد تنتشر مع اقتراب موسم الأمطار، مع احتمال تفشّي الكوليرا كذلك بسبب نقص في مياه الشرب.
وبسبب الهجمات المباشرة أحياناً، صار الوصول إلى المستشفيات صعباً، وتوقف عدد كبير منها عن العمل تماماً. و"بلغة الأرقام"، أوضح المنظري أنّ "نحو 61 في المائة من المؤسسات الصحية العاملة في الخرطوم توقّفت عن العمل"، بالإضافة إلى تعرّضها لـ"الهجمات العسكرية المباشرة والاحتلال العسكري، وطرد العاملين منها". أضاف أنّ "23 في المائة من المستشفيات في الخرطوم تعمل بصورة جزئية، في حين تعمل 16 في المائة منها فقط بكامل طاقتها".
وبينما تسوء الأزمة الانسانية في السودان، علّقت وكالة عدّة تابعة للأمم المتحدة أنشطتها في البلاد، بعد مقتل خمسة من موظفيها في الأيام الأولى للمعارك. كذلك أوقفت منظمة أطباء بلا حدود كلّ نشاطها تقريباً في دارفور، بسبب أعمال العنف في هذا الإقليم الغربي الذي سبق أن شهد نزاعاً دامياً في بداية الألفية أوقع 300 ألف قتيل وتسبّب في نزوح 2.5 مليون شخص.
وكان المجتمع الدولي قد قرّر في عام 2021، بعد انقلاب البرهان ودقلو الذي أطاح المدنيين من السلطة، تعليق كلّ مساعداته للسودان البالغة مليارَي دولار أميركي والتي كانت تشكّل 40 في المائة من موازنة الدولة، الأمر الذي أدّى إلى انتشار الجوع. وفي عام 2022، كانت أرقام الأمم المتحدة تدلّ على الوضع الصحي المتأزم، إذ كان سوداني واحد من بين كلّ ثلاثة يُضطرّ إلى المشي أكثر من ساعة لبلوغ مركز صحي، علماً أنّ 70 في المائة من الأدوية الأساسية كانت مفقودة.
هجرة الأطباء
ويلفت المنظري إلى "ما يقارب أربعة ملايين امرأة من المريضات أو الحوامل وطفل يعانين من نقص تغذية حاد"، علماً أنّ "50 ألف طفل يعانون من نقص حاد في التغذية يحتاجون إلى عناية على مدار الساعة، وللأسف هذا أمر سوف يتوقف".
وبحسب بياناتها الأخيرة، تفيد منظمة الصحة العالمية بأنّ ثلاثة ملايين امرأة وفتاة تعرّضنَ لعنف جنسي وذكوري. كذلك تشير بيانات أممية إلى أنّ الأطفال خصوصاً كانوا ضحايا "معاناة نفسية" بسبب النزوح وانعدام الأمن والمعارك.
وأكّد المنظري أنّ النظام الصحي في السودان كان يحتاج قبل المعارك إلى "مئات ملايين من الدولارات"، شارحاً أنّ الأمم المتحدة كانت قد وجّهت "نداءً لدعم السودان في عام 2023 في الجانب الإنساني والذي يشمل الجانب الصحي، بنحو 1.7 مليار دولار". وأكمل: "للأسف لم نتمكّن من الحصول إلا على 13 في المائة من هذه المساعدات فقط".
تجدر الإشارة إلى أنّه في حين تعاني البلاد من نقص في كلّ شيء تقريباً، انضمّ أطباء كثيرون إلى عشرات آلاف السودانيين الذين يلجؤون إلى الهجرة هرباً من الأوضاع المتردية. ووقد أجلت بريطانيا أخيراً أطباءً سودانيين يعملون في مستشفيات حكومية بريطانية، وهو الاستثناء الوحيد الذي تضمّنه قرارها القاضي بإجلاء الرعايا البريطانيين فقط. وحذّر المنظري ممّا يحصل حالياً من "فرار كثير من العقول العاملة والمدرّبة في النظام الصحي إلى خارج السودان".
(فرانس برس)