دانت 6 منظمات حقوقية، قرار نيابة أمن الدولة، في مصر، حبس ما لا يقل عن 40 مواطناً بعد إخفائهم قسراً داخل مقار تابعة للأمن الوطني لمدد متفاوتة، تجاوز بعضها ثلاث سنوات، وطالبت بوضع حد لجريمة الإخفاء القسري في مصر.
وقالت المنظمات في بيان مشترك، اليوم الاثنين، إن ظهور هؤلاء المواطنين بعد إخفائهم المطول يدحض إنكار السلطات المصرية المتكرر تفشي هذه الممارسة المنهجية.
وفيما استنكرت المنظمات الموقعة استمرار سياسة الإخفاء القسري، تدين أيضاً اكتفاء نيابة أمن الدولة بتوجيه التهم لضحايا الإخفاء، وتخليها عن دورها كجهة تحقيق في وقائع إخفائهم لسنوات ومساءلة أفراد وزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني، على النحو المنوط بها بموجب الدستور والقانون والمواثيق الدولية.
تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة، تنامي وتيرة ممارسة الأجهزة الأمنية الإخفاء القسري بشكل مستمر وممنهج
وقالت المنظمات إنه في الفترة بين نهاية 2022 وفبراير/شباط 2023، رصدت منظمات حقوقية مثول ما لا يقل عن 40 شخصاً أمام نيابة أمن الدولة، بعد أكثر من 3 سنوات من القبض عليهم وإخفائهم قسراً (بينهم طفل كان عمره 13 عاماً وقت القبض عليه وإخفائه). وخلال هذه الفترة، جرى احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي داخل مقار تابعة لقطاع الأمن الوطني في مناطق متفرقة في الشيخ زايد والعباسية وأسوان، حيث تعرض بعضهم للتعذيب، وجرى التحقيق معهم بشكل غير قانوني. وأمام نيابة أمن الدولة العليا اتُّهم معظمهم بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، وأمرت بحبسهم 15 يوماً على ذمة 9 قضايا.
وأضافت المنظمات أنه بدلاً من تولي النيابة التحقيق في مزاعم إخفاء هؤلاء المتهمين في أماكن احتجاز غير قانونية وتعرضهم للتعذيب، تبنت النيابة الرواية الأمنية ومحاضر التحريات المحررة من قبل قطاع الأمن الوطني، واعتمدت تواريخ محاضر الضبط التي تفيد بالقبض على المتهمين بتاريخ حديث يسبق تحقيقات النيابة مباشرة.
وقالت المنظمات إن مصر خلال السنوات الأخيرة، تشهد تنامي وتيرة ممارسة الأجهزة الأمنية الإخفاء القسري بشكل مستمر وممنهج. إذ وثقت حملة أوقفوا الإخفاء القسري في الفترة بين 2013 وحتى يناير/كانون الثاني 2023، تعرض أكثر من 3600 شخص للاختفاء القسري.
كما أعرب فريق الأمم المتحدة المعني بالإخفاء القسري عام 2018 عن قلقه جراء تعرض 173 حالة للإخفاء القسري في مصر، مشيراً إلى مشكلة منهجية تتعلق باستمرار حالات الاختفاء القسري، والأفعال الانتقامية المرتكبة من السلطات المصرية بحق الأشخاص والمنظمات المعنية بتوثيق هذه الحالات داخل مصر، وعلى رأسهم المحامي الحقوقي وأحد مؤسسي رابطة المختفين قسراً إبراهيم متولي المحتجز منذ سبتمبر/أيلول 2017.
وأكدت المنظمات على مخالفة هذه الممارسات نص الدستور المصري الذي يقضي بعرض أي متهم على النيابة في غضون 24 ساعة من القبض عليه. كما ينص قانون العقوبات على توقيع عقوبات بالحبس أو الغرامة على الموظفين العموميين حال ارتكبوا فعل الإخفاء القسري أو التعذيب لنزع الاعترافات. فبموجب المادة 280، يعاقب بالحبس أو الغرامة كل من قبض على شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك، وفى غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة.
كما تنص المادتان 126 و127 من القانون نفسه على عقوبة السجن المشدد أو السجن من 3 إلى 10 سنوات لكل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف، ويعاقب بالسجن كل موظف عام وكل شخص مكلف بخدمة عامة أمر بعقاب المحكوم عليه أو عاقبه بنفسه بأشد من العقوبة المحكوم بها عليه قانوناً أو بعقوبة لم يحكم بها عليه.
وفي ختام بيانها المشترك، قالت المنظمات إن جريمة الإخفاء القسري تعد جريمة ضد الإنسانية وفقا لاتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وقد سبق وتلقت الحكومة المصرية 5 توصيات أممية على الأقل، خلال الاستعراض الدوري لملفها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان عام 2019، تتضمن التصديق على هذه الاتفاقية، والتحقيق في مزاعم الإخفاء القسري على أيدي قوات الأمن، وإعلان النتائج ومحاكمة المسئولين ومعالجة الإفلات من العقاب.
وفي هذا السياق، جددت المنظمات الحقوقية، المطلب بوضع حد لجريمة الإخفاء القسري، وضمان عدم إفلات المتورطين فيها من العقاب، وذلك من خلال فتح تحقيقات مستقلة في جميع المعلومات المقدمة من الضحايا وذويهم ومحاميهم والمنظمات الحقوقية المستقلة بشأنها. كما أكدت المنظمات ضرورة وضع ملف الإخفاء القسري على رأس قائمة نقاشات الحوار الوطني المعنية بملف الحقوق والحريات، واتخاذ إجراءات جادة لوضع حد لهذه الجريمة تبدأ بمصادقة مصر على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وتحديد إجراءات رادعة تلزم الأجهزة الأمنية بالتوقف عنها وتحاسب المتورطين فيها.
والمنظمات الموقعة هي الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، وحملة أوقفوا الاختفاء القسري، ومركز النديم، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.