كشف تقرير حديث أصدره اتحاد نقابات التعليم الوطنية في بريطانيا في 4 يوليو/ تموز الماضي، أن المناهج الدراسية تفتقر إلى "الصدق والشفافية بسبب الصمت حول الإمبريالية البريطانية والعنصرية". وشدد على أن "الحاجة ملحة لإنهاء استعمار نظام التعليم" بعد جائحة كورونا، وظهور حركة "حياة السود مهمة" التي كانت انطلقت من المجتمع الأميركي - الأفريقي بهدف التخلّص من العنف ضد الأشخاص السود، وانتشرت في العالم.
تقول مديرة الدراسات في "مدرسة ليفربول للطب الاستوائي"، الدكتورة مارثا شينويا، التي تعمل "لإنهاء استعمار المناهج" في خطوة مستوحاة من جامعة "سواس" السباقة في هذا المجال، لـ "العربي الجديد" إن "مبادرة مدرسة ليفربول للطب الاستوائي لإزالة الاستعمار من ممارسات التعليم ليست مصمّمة لمجموعة معينة، بل تجهد لتوسيع نطاق تعليمنا في مجالات المناهج والبحث تمهيداً للاعتراف بكل الأحداث والمساهمة في زيادة المعرفة بها، وبينها تلك المؤلمة، والتي ارتبطت بأشخاص محددين، وتلك التي تصدّت لمواضيع لعبت دوراً في مجال طب المناطق الحارة والصحة العالمية عموماً، وفي مؤسستنا التعليمية خصوصاً. ونحن على دراية بأن إنهاء الاستعمار سيكون عملية دائمة، وليس حدثاً يحصل لمرة واحدة".
ورغم الضغوط المتزايدة لتنويع المناهج الدراسية، وجعل تعليم تاريخ السود إلزامياً، رفض وزير المدارس نيك جيب هذه الدعوات في تصريحات أدلى بها في 21 يوليو/ تموز الماضي، وحذّر من أن "ما يتعلمه التلاميذ لا يجب أن يخصص لمجموعة معينة. فلا سبب يمنع أطفال أقليات عرقية من درس إنجازات رجال بيض راحلين". كذلك أبدى جيب قلقه من تقارير عن حصول "احتجاجات عنيفة وغاضبة شهدتها مدارس بأنحاء البلاد ضد الأحداث (العدوان الإسرائيلي) الأخيرة في غزة"، علماً أن تلاميذ في بريطانيا اشتكوا من اتهامات وجهت إليهم بمعاداة السامية، ومن تعرّضهم لإجراءات تأديب.
لا تأييد
وفيما كشف استطلاع للرأي أجراه "معهد سياسة التعليم العالي" بالتعاون مع "مؤسسة برنامج الشراكة الجامعية" في 20 يوليو/ تموز، أن مؤيدي تعديل المناهج الدراسية في الجامعات البريطانية أقل من ربع عدد السكان في إنكلترا، يبدي الدكتور علي مغجي، المحاضر في مادة التفاوت الاجتماعي بقسم علم الاجتماع في جامعة كامبريدج، في حديثه لـ "العربي الجديد" عدم استغرابه لمعارضة عدد كبير من الناس الجهود المبذولة لإنهاء استعمار المناهج الدراسية، بسبب تلقين الطلاب في المملكة في سن مبكرة جداً إنجازات الإمبراطورية البريطانية وعظمتها، وتقديمها على أنّها قوة خير جلبت الحضارة والعلم والتقدم إلى العالم المتخلف. يضيف: "يعتقد لاعبون رئيسيون في المؤسسة السياسية البريطانية مثل وزير الثقافة أوليفر دودن أن انتقاد الإمبراطورية أشبه بإلغاء التاريخ البريطاني. لكن الفارق هنا أن إنهاء استعمار المناهج يتعلق في تزويدنا بتحليل تاريخي مناسب بدلاً من مواصلة الرؤية غير المكتملة للتاريخ". ويلفت إلى أنّه "حين شبّه المفكر الشهير ستيوارت هول الذي جاء من جامايكا إلى بريطانيا، نفسه بأنه مثل سكر موجود في قاع فنجان شاي إنكليزي، لخّص ببساطة كيف يمكن أن تحسّن المقاربات الاستعمارية فهم التاريخ بطريقة أكثر دقّة. فالشاي يعتبر رمز الهوية البريطانية، رغم أنّه كان يُستخرج من أراضي الإمبراطورية البريطانية، وغالباً بالقوة وبعيداً من تنفيذ أي صفقة تجارية عادلة. من هنا يتطلب درس تاريخ بريطانيا النظر إلى ما هو أبعد من حدود الجغرافيا، والتفكير في كل العلاقات العالمية التي تشكلت عبر الماضي وموروثات الإمبراطورية والاستعمار والاستعباد".
وردّاً على تعليق جيب في شان إنهاء استعمار المناهج، يقول مغجي: "يبدو أنه يملك معرفة ضئيلة بالموضوع الذي يعارضه لمجرد اعتقاده بأن المسألة تقتصر ببساطة على إزالة إنجازات بيض الراحلين من الكتب المدرسية، واستبدالهم بآخرين ملونين". يتابع: "إنهاء استعمار المناهج الدراسية لا يمحو التاريخ أو يضفي عليه قيماً، بل يخلق فهماً أكثر دقة لما حدث ويحدث في العالم. وبدلاً من فرض رقابة على الماضي ومحو المفكرين البيض من التاريخ، ستعيد عملية إنهاء استعمار المناهج إدراج تواريخ جرى محوها استناداً إلى تفسيرات فرضت ذلك في الماضي. ونحن نستغرب جهل طلاب المدارس والجامعات في بريطانيا بتاريخ الثورة الهايتية (1791 - 1804) وهي أول ثورة ملونة ناجحة في التاريخ الاستعماري، بينما يلم الجميع بتاريخ الثورة الفرنسية (1789 - 1799) التي تزامنت تقريباً مع ثورة هايتي". ويوضح بالتالي أن "إنهاء استعمار المناهج الدراسية لن يحصل ببساطة عبر إزالة الثورة الفرنسية من كتبنا المدرسية واستبدالها بثورة هايتي، بل سيروي قصة الماضي التي ربطت هاتين الحركتين الاجتماعيتين ببعضهما البعض".
ويلفت مغجي إلى أنه إلى جانب احتجاجات "حركة حياة السود مهمة"، لعبت عوامل عدة دوراً في تسريع النقاشات العامة والسياسية حول إنهاء "استعمار المناهج الدراسية" في بريطانيا، بينها على سبيل المثال "حملة رودس" التي طالبت بإسقاط تمثالي سيسيل رودس (رئيس وزراء مستعمرة الكاب 1896ـ 1890 الذي شهد عصره توسعاً ضخماً في الإمبراطورية البريطانية) في جامعة أكسفورد (المملكة المتحدة)، وجامعة كيب تاون (جنوب أفريقيا).
الاستعمار والاستعباد خلقا العالم الحديث
ويؤكّد أن "الحجر الأساس لإنهاء استعمار المناهج الدراسية يتمثل في الرغبة بتأكيد أن الاستعمار والاستعباد كانا عمليتين أساسيتين في خلق العالم الحديث. ومن أجل إظهار ذلك، نحتاج إلى تسليط الضوء على جوانب تاريخية عدة جرى محوها بانتظام من مناهج المدارس والجامعات. وإذا تتبعنا تطور العالم الحديث من التصنيع إلى نمو الرأسمالية والعولمة يستحيل فصل علاقة هذه العمليات بالاستعمار. وعلى سبيل المثال، ارتكز تصنيع تجارة القطن والمنسوجات في القرنين السابع عشر والتاسع عشر وازدهاره، على استيراد بريطانيا غالبية القطن من عمال مستعبدين في الولايات المتحدة الأميركية، وتحويل هذا القطن إلى منسوجات في مستعمرة بالهند. ويكفي ذلك لإظهار العلاقة الأساسية بين استعباد الناس في المستعمرات وازدهار التصنيع وبين الإمبراطورية البريطانية. وفي النهاية، سيشكل إنهاء استعمار المناهج عملية مضافة تزيد معرفتنا بالعالم، بدلاً من طمسها".