ممرضو المغرب... ظروف العمل وتدني الأجور تدفع للهجرة

09 ديسمبر 2022
ممرضات في أحد المستشفيات بالمغرب (عبد الحق سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

"كثيراً ما فكّرتُ بالهجرة من جراء ظروف العمل الصعبة وغير المحفزة. لكنّ ما عشناه خلال فترة تفشي جائحة كورونا قادني إلى اتخاذ قرار الهجرة. وشجعتني تجارب ناجحة لزملاء سبقوني في هذا الخيار" يقول مصطفى الشتيوي، وهو أحد مئات الممرضين في المغرب الراغبين في الهجرة إلى الخارج، تزامناً مع تحذيرات من تراجع أعداد العاملين في القطاع الصحي.
ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد": "منذ بدأت العمل في مهنة التمريض عام 2014، وأنا أتقاضى نفس الراتب الذي لم يعد يكفيني لمواجهة الغلاء ومستلزمات الحياة. ما من دعم مادي ولا محفزات ولا حماية توازي عطاءاتنا وتشجعنا على البقاء. لذلك، قدمت أوراقي للهجرة إلى كندا على أمل المغادرة في وقت قريب".

وفي وقت يُعاني القطاع الصحي في المغرب من نقص في الكوادر الصحية، ترتفع نسبة هجرة الممرضين إلى الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر قد يكون من الصعب تعويضها، لا سيما بعد أزمة تفشي فيروس كورونا.
وفي السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذّرت مصادر صحية مسؤولة في مدينة مكناس (وسط المغرب) من خطر يهدّد القطاع الصحي من جراء الارتفاع المقلق والمخيف في عدد الممرضين والأطباء الذين تركوا مناصبهم في مستشفيات المدينة على فترات متقطعة، سواء في المستشفى الإقليمي محمد الخامس بمكناس أو بعض المؤسسات الصحية التابعة له.
ونهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشف مسؤول صحي رفض الكشف عن اسمه أنّ "13 ممرضاً وممرضة يعملون في المستشفى الإقليمي محمد بوافي بالدار البيضاء هاجروا دفعة واحدة إلى كندا".
ولا يتجاوز عدد الممرضين في المغرب 34 ألف ممرض، منهم 29 ألف ممرض في القطاع الحكومي، في حين تحتاج البلاد إلى 65 ألف ممرض وعامل صحي لتلبية الحد الأدنى من المعايير الدولية. ويزداد هذا الوضع المقلق سوءاً مع زيادة أعداد المتقاعدين وهجرة الكفاءات من الممرضين. وارتفعت نسبة طلبات الاستقالة والترك القسري للوظيفة، وسجل ضعفاً في الإقبال على المناصب المالية المفتوحة. كما أنّ مجموع المناصب المالية الخاصة بالفئة التي فتحت نهاية العام الماضي لم يتجاوز 1800 منصب علماً أنّ عدد المتخرجين تجاوز 2500 منصباً، الأمر الذي سيفاقم نزيف هجرة الأطر التمريضية إلى الخارج، بحسب تقرير أصدرته مؤخراً النقابة المستقلة للممرضين.

الصورة
ممرضة في المغرب (جلال مرشدي/ الأناضول)
ممرضة في المغرب (جلال مرشدي/ الأناضول)

ويقول عضو المجلس الوطني لـ"النقابة المستقلة للممرضين" يونس الجوهري، إن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تقف اليوم مكتوفة الأيدي أمام هجرة الأطر التمريضية وتقنيي الصحة نحو الخارج. ويلفت في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن هناك أسباباً عدة تقف وراء نزيف تلك الأطر على رأسها غياب المحفزات وضعف الأجور، ووجود نمط للترقي محدد في درجتين فقط، ما يجعل الممرض مضطراً للمكوث 14 عاماً في الدرجة نفسها، على خلاف باقي الفئات في الوظيفة العمومية التي تملك ما بين 3 أو 4 درجات للترقي.
ومن بين الأسباب التي تدفع الممرضين إلى الهجرة، غياب التأطير القانوني لمهنة الممرض، إذ أن قانون المزاولة ما زال حبراً على ورق ولم يدخل حيز التنفيذ منذ صدوره عام 2016. يضاف إلى ما سبق وجود تداخل في الاختصاص ما بين الإطار الطبي والإطار التمريضي بسبب غياب مصنف الكفاءات والمهن الذي يحدد أين تبدأ وأين تنتهي مهام الممرض، يقول الجوهري. يضيف أنه "في ظل غياب مصنف الكفاءات سمحت الوزارة لنفسها بإصدار مراسلة تجبر ممرضي التخدير على إجراء عمليات التخدير والإنعاش في الحالات المستعجلة في ظل غياب أطباء التخدير والإنعاش، مستغلة الفراغ الناتج عن غياب المصنف، دونما أدنى عرفان أو تعويضات عن ذلك".

الصورة
يعمل الممرضون في ظل قلة الموارد والتجهيزات (جلال مرشدي/ الأناضول)
يعمل الممرضون في ظل قلة الموارد والتجهيزات (جلال مرشدي/ الأناضول)

ويُشير تقرير "النقابة المستقلة للممرضين" إلى أنّ "الأطر التمريضية تعاني بسبب تدني الأجور، ولا يتعدى أجر الممرض الحاصل على الإجازة 6200 درهم (نحو 620 دولاراً)، وهو نفس الأجر الذي يتقاضاه ممرضون قضوا أكثر من ثلاثين عاماً من العمل في الجبال والقرى ساهموا في محاربة العديد من الأوبئة، علماً أن الأجر في دول الاستقطاب يتجاوز 70 ألف دولار سنوياً في مقابل 8000 دولار سنوياً بالمغرب، أي بضعف ست مرات".
وبحسب التقرير، لا تقتصر معاناة الممرضين في المغرب على الأجور، بل تشمل التعويضات أيضاً. ولا يتجاوز تعويض الممرض عن الأخطار المهنية 1400 درهم (نحو 140 دولاراً) شهرياً في مقابل 5900 شهرياً بالنسبة للطبيب، الأمر الذي اعتبره التقرير خرقاً، ويجب أن يكون التعويض موحداً لكلّ مقدمي العلاجات.
كما يعاني الممرضون من ظروف عمل قاسية تتمثل في قلة الموارد والتجهيزات، ما يعمق أزمة هجرة الأطر التمريضية بحسب التقرير. يضيف الأخير: "سبب هجرة العديد من الممرضين كان سوء تدبير القطاع وضغط العمل والوصول إلى مرحلة الاحتراق المهني، حتى أصبح الممرض يدفع ثمن سوء التدبير وأصبح معرضاً لكلّ أساليب الاعتداء والإهانة".
من جهته، يرى رئيس الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية حبيب كروم، أن واقع هيئة التمريض بالمغرب يستدعي مواصلة الجهود للارتقاء بالوضع الاجتماعي وتحسين ظروف عمل الممرضين وتقنيي الصحة والقابلات القانونيات، بحكم أنّ مهنة التمريض محفوفة بالمخاطر والصعوبات. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الممرضين يعانون من ضغوط العمل ما يتسبّب لهم بإرهاق إضافي. ويساهم التوزيع غير العادل في تعميق هذا الوضع، علاوة على غياب ترسانة قانونية واضحة تحدد مهام الممرضين وتقنيي الصحة والقابلات، ما يعرضهم أحياناً إلى المتابعات الإدارية والقانونية. ومنهم من زج به وراء القضبان". ويلفت إلى تعرّض الممرضين المغاربة لانتقادات كثيرة من قبل المواطنين كونهم الواجهة لناحية التواصل مع المرضى ومرافقيهم الذين يكونون في أحيان كثيرة غير راضين عن جودة الخدمات الصحية المقدمة إليهم، ما يعرض الممرضين أحياناً لعنف لفظي وجسدي ونفسي.

ويطالب كروم بتوظيف العدد الكافي من الموارد البشرية المتخصصة وإقرار هيئة وطنية للممرضين والمساعدين الطبيين في المجال الاجتماعي، مع العمل على إخراج مصنف الكفاءات والأعمال من أجل حماية هيئة التمريض والمواطنين المرضى على حد سواء، علاوة على حماية المهنة من الدخلاء والمتطفلين. كما يطالب برفع قيمة التعويضات عن الأخطار المهنية بشكل منصف وعادل، والاستجابة لملف الأساتذة والممرضين خريجي المدرسة الوطنية للصحة العمومية.

المساهمون