قبل خمسة أعوام من اليوم، وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر أغسطس/آب 2017، شُنّت حملة عسكرية على أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية راخين شمالي ميانمار قُتل خلالها الآلاف على أيدي الجيش فيما سُجّل نزوح جماعي هرباً من العنف والاضطهاد. وبالمناسبة، رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أنّه لا بدّ من أن يكون الروهينغا جزءاً من حلّ أزمة ميانمار، داعياً حكومة نايبيداو العسكرية إلى إدراج هذه الأقلية العرقية في هذا السياق.
وفي بيان أصدرته منظمة أطباء بلا حدود، في ذكرى مرور خمسة أعوام على تلك الأحداث المروّعة، أفادت بأنّها رصدت لوحدها "6700 حالة قتل عنيف في المنطقة" مع هروب "أكثر من 700 ألف شخص إلى بنغلادش لينجوا بحياتهم". ولفتت إلى أنّ هؤلاء "انضمّوا إلى أقرانهم الذين دفعتهم حلقات عنف سابقة إلى التماس اللجوء في البلد المجاور، حتى بلغ عدد الذين تقطّعت بهم السبل في منطقة كوكس بازار في بنغلادش (جنوب شرق) مليون شخص".
وفي وقت سابق من شهر أغسطس الحالي، أبلغت رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه أنّه يتعيّن على نحو مليون لاجئ من الروهينغا الذين يعيشون في مخيّمات مكتظة في بلادها العودة إلى ميانمار.
من جهتها، أصدرت محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة في الأمم المتحدة، في يناير/كانون الثاني من عام 2020، حكماً يطالب ميانمار ببذل كلّ ما في وسعها لمنع الإبادة الجماعية ضدّ الروهينغا. وقبل يومَين، خلصت لجنة مستقلة شكلتها حكومة نايبيداو إلى أنّ ثمّة أسباباً للاعتقاد بأنّ قوات الأمن ارتكبت "جرائم حرب" ضدّ الروهينغا إنّما ليس "إبادة جماعية". أمّا الولايات المتحدة الأميركية، فقد رأت في مارس/آذار الماضي أنّ اضطهاد الروهينغا يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية بعد أن أكدت السلطات روايات عن فظائع جماعية ضدّ المدنيين من قبل جيش ميانمار.
وفي هذا الإطار، شدّد المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك على "وجوب محاسبة مرتكبي كلّ الجرائم الدولية المرتكبة في ميانمار"، مضيفاً أنّ "العدالة للضحايا سوف تسهم في مستقبل سياسي مستدام وشامل للبلاد وشعبها". وأكّد أنّ الروهينغا يواجهون تمييزاً واسع النطاق في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، وهم بمعظمهم محرومون من الجنسية وحقوق أخرى عديدة.
واليوم الخميس، تظاهر آلاف من الروهينغا اللاجئين في مخيّمات مؤقتة في جنوب شرق بنغلادش، إحياءً لـ"يوم ذكرى الإبادة الجماعية" التي نُفّذت في حقّ شعبهم في ميانمار. وقد تجمّع عدد كبير من أفراد هذه الجالية المسلمة في كوكس بازار، أكبر مخيّم للاجئين في العالم، حاملين لافتات كثيرة ومرتدين زيّ ميانمار التقليدي، بحسب ما نقل مراسل وكالة فرانس برس. وقد انتهز كثر الفرصة للمطالبة بإلغاء قانون ميانمار الذي أقرّ في عام 1982 وحرمهم من جنسيتهم في بلدهم الأصلي حيث معظم سكانه من البوذيين.
ولفتت منظمة أطباء بلا حدود التي جمعت شهادات لاجئين من الروهينغا في مخيّم كوكس بازار، في بيانها اليوم، إلى أنّ حاجة هؤلاء إلى الرعاية الصحية والمياه وخدمات الصرف الصحي والحماية "ما زالت تسجّل مستويات هائلة، في وقت لا يُلقى فيه بالٌ إلى جذور هذه المشكلات المتمثلة في انعدام الجنسية".
ويعيش اللاجئون الروهينغا في مخيّمات مكتظة تفتقر إلى الظروف الصحية اللائقة ويرفضون العودة إلى ميانمار قبل منحهم حقوق المواطنة وضمانات أمنية. وبهدف تخفيف الاكتظاظ في تلك المخيّمات، نقلت دكا نحو 30 ألف لاجئ إلى بهاشان شار، وهي جزيرة مهجورة ذات ظروف طبيعية صعبة في خليج البنغال.
وفي سياق متصل، قال سيد الله وهو مسؤول كبير في مجتمع الروهينغا لوكالة فرانس برس إنّ "كلّ ما نريده هو عودة آمنة وكريمة إلى وطننا. للأسف، لا تُسمع نداءاتنا". أضاف أنّ "المجتمع الدولي لا يفعل شيئاً (في هذا الصدد). هنا، في المخيّمات، نتعفن تحت خيام من القماش المشمّع والخيزران، وبالكاد نستطيع البقاء بفضل المساعدة الاجتماعية".
من جهة أخرى، يعاني الشباب من عدم توفّر آفاق مستقبلية لهم في حين أنّه لا يحقّ لهم مغادرة المخيّمات أو العمل. وبالتالي يشعر هؤلاء بالملل، فيتحوّلون إلى أهداف سهلة ويُصار إلى تجنيدهم في كلّ أنواع الاتّجار غير الشرعي والنشاطات الإجرامية. وشكا مسؤول مجتمعي شاب لـ"فرانس برس"، طالباً عدم الكشف عن هويته خوفاً من شرطة بنغلادش، من احتجازهم في المخيّمات "المحاطة بأسلاك شائكة"، مشدّداً على أنّهم "في سجن للروهينغا".