استمع إلى الملخص
- بعد احتلال القدس في 1967، بدأت الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية محاولات للسيطرة على العقار، مما أدى إلى صراع قانوني طويل انتهى بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية بنزع حق العائلة في العقار.
- رغم قرار المحكمة، رفضت العائلة تنفيذ الأمر، واعتبر الباحث خليل تفكجي ما حدث جزءًا من عملية أوسع لإخلاء عقارات في حي المصرارة.
لم تكن سيطرة شرطة الاحتلال الإسرائيلي، الأحد الماضي، على مقهى المصرارة، الواقع إلى الغرب من أسوار البلدة القديمة في القدس، أولى المعارك التي تخسرها عائلة المواطن الفلسطيني محمد كستيرو (أبو كايد)، لكنها مثلت نهاية واحدة من المعارك التي خاضتها العائلة على مدار نحو ربع قرن، إضافة إلى معركة سابقة للحفاظ على منزل العائلة في حي القرمي بالبلدة القديمة، والتي انتصرت فيها العائلة، إذ فشل المستوطنون وجمعياتهم الاستيطانية المتطرفة في انتزاع البيت من أصحابه.
كان المقهى محطة للكثير من الوافدين إلى القدس، وخاض أبو كايد معركة الدفاع عنه طوال أكثر من عقدين من الزمان، إذ كانت العائلة تشغله منذ أكثر من ستين عاماً بموجب عقد إيجار وقعته مع "حارس أملاك العدو" الأردني في مطلع خمسينيات القرن الماضي، حين كانت الحكومة الأردنية تشرف على الأملاك المتروكة في حي المصرارة، وفي أنحاء مختلفة من بلدة القدس القديمة وبلدة سلوان، والتي تركها قاطنوها قبل عام 1948، وانتقلوا إلى خارج مدينة القدس.
ويروي محمد كستيرو لـ"العربي الجديد"، أن الصراع على العقار الذي يشغله المقهى أعقب احتلال مدينة القدس في عام 1967، وظهور الجمعيات الاستيطانية التي تزعم أن العقار كان مملوكاً ليهود قبل عام 1948، مدعومة من "حارس أملاك الغائبين" الإسرائيلي، والذي ورث السيطرة على ما كان يعرف بـ"حارس أملاك العدو" الأردني، ونشط مع الجمعيات الاستيطانية في معارك كثيرة للسيطرة على هذه العقارات التي يشغلها المقدسيون الفلسطينيون بموجب عقود إيجار، ثم ما لبثت هذه العقود أن انتقلت إلى الجمعيات الاستيطانية التي بدأت رفض تجديدها، أو المطالبة بعقود جديدة بمبالغ طائلة تدفع لها سنوياً.
بدأ الصراع على العقار الذي يشغله المقهى عقب احتلال مدينة القدس
بدأت أولى المعارك القضائية حول المقهى في مطلع عام 2002، واستمر النظر فيها قرابة ربع قرن داخل أروقة المحاكم الإسرائيلية، بداية من محكمة الصلح، مروراً بالمحكمة المركزية، وانتهاء بالمحكمة العليا الإسرائيلية التي أصدرت قراراً نهائياً بنزع حق تصرف عائلة كستيرو بالعقار، وتسليمه للمستوطنين استناداً إلى ما يعرف بـ"قانون الجيل الثالث"، والذي يمكن الاحتلال وجمعياته الاستيطانية من انتزاع أملاك المقدسيين من يد الأحفاد بعد وفاة الآباء والأجداد، وقد مكنها من ذلك إصدار سلطات الاحتلال في عام 2015، ما عرف بـ"قانون رفع الحمايات".
يقول كستيرو: "كنا ندفع قبل سن هذا القانون أجرة سنوية لا تتعدى مائتين وخمسين شيكلاً (65 دولاراً)، ومع إلغاء العقد القديم قفزت الأجرة إلى خمسة وعشرين ألف شيكل (نحو 6500 دولار) في السنة، وبات يتم تجديد العقد كل عامين، ثم بدأت الجمعية الاستيطانية تطبيق سياسة جديدة تقوم على رفض التجديد، والمطالبة بإخلاء العقارات التي تدعي ملكية يهود لها".
ورغم قرار الاستيلاء على المقهى من قبل شرطة الاحتلال لتسليمه لاحقاً للمستوطنين، ظل كستيرو يرفض تنفيذ الأمر، ويحتفظ بمفاتيح المقهى، قبل أن تحطم شرطة الاحتلال قفل الباب. وهو يؤكد أن موقف العائلة ما زال رافضاً للاستيلاء على العقار رغم قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، والذي مكن المستوطنين من السيطرة على العقار مع ثمانية عقارات أخرى في سوق المصرارة.
من جانبه، يصف الباحث المختص في شؤون القدس والاستيطان، خليل تفكجي، لـ"العربي الجديد"، ما جرى بأنه "عملية إخلاء عقار باعتباره أملاكاً يهودية قبل عام 1948، وحدث هذا مع أكثر من منزل في ذات المنطقة. في 15 إبريل/نيسان 2002، قامت جمعية (حومات شيليم) الاستيطانية التي يقف على رأسها النائب السابق في الكنيست بني ألون، وبتشجيع من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرئيل شارون، بشراء ما يسمى (حقوق يهودية) في حي المصرارة".
يضيف: "أقيم حي من قبل مجموعة من المستوطنين اليهود برئاسة يهودا بات، كما أقام أبناء الطائفة الجورجية في عام 1890 ما مجموعه مائة منزل سكن فيها يهود، وأطلق عليهم اسم إيشل إبراهام، وفي عام 1929، انتقل اليهود للسكن في مناطق أخرى، وحل مكانهم العرب".
يتابع تفكجي: "في عام 1948، وبعد تقسيم المدينة، أديرت هذه الأملاك من قبل حارس أملاك العدو الأردني. المصرارة عبارة عن حي تجاري يقع على بعد عشرات الأمتار من باب العامود، المدخل الرئيس لمدينة القدس القديمة، وتقطنه عشرات العائلات الفلسطينية، إضافة إلى ثماني عائلات يهودية، ونحو ثلثي دكاكين المصرارة تدفع أجرتها لحارس أملاك العدو، وهو القائم على أملاك المفقودين".