مقاهي الصين... محبو القهوة متهمون بخيانة الشاي والتقاليد

05 نوفمبر 2022
أحد مقاهي ستارباكس في الصين (سونغ مينغكون/ Getty)
+ الخط -

في بلد تهيمن عليه ثقافة الشاي الذي يعدّ المشروب المفضل لدى الصينيين، بدأت خلال السنوات الأخيرة تزدهر صناعة القهوة. وخلال العام الماضي، حلت مدينة شنغهاي الصينية في المرتبة الأولى على مستوى العالم لناحية عدد المقاهي (نحو 7 آلاف مقهى) متفوقة على كل من طوكيو (اليابان) ولندن (بريطانيا). وبلغت القيمة السوقية للبن خلال العام نفسه 180 مليار يوان (نحو 26 مليار دولار). ازدهار لم يرق إلى طبقة من القوميين الصينيين الذين يعتبرون إقبال الأجيال الجديدة على احتساء القهوة تجاوزاً للقيم والتقاليد الصينية وخيانة للذوق العام ولمشروب الشعب المفضل (الشاي) الذي يعد رمزاً ثقافياً وهوية تراثية. أكثر من ذلك، يصف البعض هذا التحول بأنه نتاج حملات التغريب والغزو الثقافي للأجيال الشابة.

وكانت الصين قد واجهت صراعاً شرساً بين المجددين والمحافظين في أعقاب انتهاج البلاد سياسة الإصلاح والانفتاح في نهاية سبعينيات القرن الماضي. ففي الوقت الذي بدأت فيه الجمهورية الشعبية تفتح أبوابها التي أوصدت لعدة عقود بذريعة التحصن ضد القوى الرأسمالية، دعت نخب سياسية واجتماعية إلى التمسك بالتراث والتقاليد الصينية وخصوصاً بعد ملاحظة تأثر الأجيال الجديدة بالثقافات الأجنبية، مثل الإقبال على مطاعم الوجبات السريعة، وتقليد كل ما هو غربي.
وخلال العامين الماضيين، عاد هذا الصراع إلى الواجهة مع ازدهار صناعة القهوة، وانجذاب الشباب إلى المقاهي ذات النمط الجديد على حساب الحانات الصينية. وظهرت في تلك الفترة حملات إلكترونية تطالب بمقاطعة ستاربكس (شركة مقاه أميركية) وكوستا (أكبر سلسلة مقاه في المملكة المتحدة) بحجة أنهما من الأدوات الأميركية الساعية إلى غسل عقول الشباب وحرفهم عن القيم والمبادئ الاشتراكية. ومثل هذه الحملات تتصاعد عادة في ذروة توتر العلاقات بين بكين وواشنطن، لكنها سرعان ما تخبو وتختفي مع مرور الوقت في فضاء الإنترنت الشاسع في الصين.

الصورة
تتدرب على سكب الشاي وتناوله (هاو كونيينغ/ Getty)
تتدرب على سكب الشاي وتناوله (هاو كونيينغ/ Getty)

مذاق سحري
يقول دا فنغ، وهو شاب صيني يتردد يومياً على المقهى القريب من منزله في منطقة تشاويانغ بالعاصمة بكين، لـ "العربي الجديد": "لست طرفاً في الصراع الافتراضي بين عشاق القهوة وأنصار الشاي. إنها مسألة ذوق عام. أفضّل الذهاب إلى مقهى ستاربكس أو كوستا، نظراً للامتيازات التي توفرها مقارنة بنظيرتها الصينية، مثل انخفاض الكلفة، وعدم إلزام مرتاديها بأي شرط أو قيد، فضلاً عن توفر خدمات الإنترنت بالمجان، وإمكانية إتمام ما يتراكم من أعمال في تلك المقاهي". يضيف: "في ظل جائحة كورونا، تحولت الشركة التي أعمل فيها إلى نمط العمل المنزلي، واستمر الأمر حتى بعدما عادت الحياة إلى طبيعتها. لذلك، أقضي معظم وقت الظهيرة في المقهى حيث أنهي مهامي الوظيفية. وفي بعض الأحيان أعقد اجتماعات ولقاءات سريعة مع بعض العملاء من دون أن يكلفني ذلك شيئاً. فكوب القهوة الواحد لا يتجاوز سعره 25 يواناً (نحو 3.5 دولارات).
يتابع: "بعيداً عن الأجواء التي توفرها المقاهي الغربية، هناك أمر لا يمكن إغفاله وهو مذاق القهوة السحري. لذلك من الإجحاف اتهام عشاقها بالخروج عن التقاليد الصينية والموروثات القديمة لمجرد أنهم انجذبوا لشيء جديد لم يعهدوه من قبل". ويوضح أن القهوة ليست مشروباً غربياً ولا ينبغي أن تقترن بالعولمة ومفردات استعمارية، لافتاً إلى أن "بعض الروايات التاريخية تشير إلى أن موطنها الأصلي القارة السمراء ثم انتقلت إلى الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية".
في المقابل، يعتقد وانغ تشو، وهو عضو في منظمة الشبيبة الشيوعية بمدينة شينزن، بأن انتشار المقاهي في الصين جزء من حملة غربية تستهدف الشباب، سواء من خلال دفعهم إلى إهدار الوقت، أو سلخهم عن هويتهم الثقافية. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "من المؤسف أن كثيراً من الشباب باتوا نسخة مكررة من نظرائهم في الغرب لناحيتي المظهر والسلوك. ويعتقد هؤلاء أن معيار الرقي والتقدم يتمثل في مدى التماهي مع المجتمعات الغربية، وقد نسوا أن أجدادهم قاتلوا من أجل الحفاظ على هويتهم وإرثهم الثقافي والحضاري في وقت كانت البلاد مطمعاً للقوى الاستعمارية".

حرية شخصية
وحول انجذاب الصينيين لثقافة القهوة وما يمثله ذلك من انسلاخ عن الهوية الثقافية، تقول الباحثة الاجتماعية لورا تشين، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "مثل هذه السجالات تحدث دائماً، وقد حدثت في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما غزت الكوكاكولا الصين. في ذلك الوقت، علت أصوات تطالب بحظر استيرادها ومنع تصنيعها لأنها تمثل رمزاً رأسمالياً في مجتمع اشتراكي، والآن تعود هذه الأصوات لتعلو من جديد طعناً بعشاق القهوة ومرتادي المقاهي الغربية". وترى أن الأمر لا يعدو عن كونه حرية شخصية ولا علاقة له بمدى التمسك بالعادات والتقاليد. حتى أن بعض الصينيين لا يحتسون الشاي ويفضلون المشروبات الروحية. فهل ننعتهم بالمرتدين؟ وهل يصح أن نتهمهم بهدم القيم والتنكر لها؟".
يشار إلى أن الصين تعد ثاني أكبر سوق لسلسلة مقاهي ستاربكس بحصة سوقية تبلغ 16 في المائة، كما أنها شكلت 7 في المائة من إجمالي إيرادات الشركة في الربع الثاني من العام الحالي. وتخطط الشركة الأميركية لفتح ثلاثة آلاف متجر جديد في الصين بحلول عام 2025، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي لمتاجرها في القارة الصفراء إلى تسعة آلاف متجر، الأمر الذي سيمكن الصين من التفوق على الولايات المتحدة كأكبر سوق لستاربكس خلال السنوات الثلاث المقبلة.
 

المساهمون