تمثل مشاريع الاستثمار في الجامعات والكليات الأهلية واحداً من أبرز التوجهات في العراق خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في العاصمة بغداد، وإلى جانب الشكاوى المتعلقة بمناهج التعليم، وقبول معدلات دراسية منخفضة مقارنة بالجامعات الحكومية، فإن اختيار تلك الجامعات المواقع الجغرافية لمقارّها بات إحدى المشاكل التي تسبب أزمات مرورية للسكان، وتهدد حياة الطلاب.
قبل أسبوع، سُجلت وفاة الطالبة في السنة النهائية سارة حسين (23 سنة) خلال عبورها الطريق السريع جنوبيّ بغداد، إلى الجهة المقابلة لكليتها، إذ دهستها سيارة يتجاوز صاحبها حدود السرعة المسموحة.
أثار الحادث الرعب في نفوس زملاء سارة، وفتح ملف الحوادث المتكررة، إذ لم يكن الحادث الأول، ولن يكون الأخير في ظل تهالك الشوارع الرئيسية، وعدم وجود أماكن مخصصة لعبور المارة، وسبقه تسجيل حادث دهس خلّف كسوراً لطالب آخر في ذات الكلية التي لم تُنشئ جسراً علوياً ليجتاز الطلاب عبره الشارع، كذلك لم تتخذ دائرة المرور الإجراءات اللازمة لعبور الطلاب الطريق السريع الذي لا يسمح للمارة باجتيازه، إذ إن الكلية أُنشئت بشكل مخالف لمخططات المدينة.
وتخسر الجامعات والكليات في العاصمة بغداد وبقية المحافظات عشرات الطلبة سنوياً نتيجة حوادث مرورية تتكرر خلال العام الدراسي.
وبحسب إحصائية لوزارة التخطيط العراقية، فقد سُجِّل أكثر من 11 ألف حادث مروري خلال عام 2022، توزعت بين انقلاب وتصادم، وكان أغلبها على الطرق السريعة، وبسبب السرعة الزائدة، وسببت وفاة نحو 3 آلاف شخص.
ويؤكد الضابط في مديرية مرور الكرخ بالعاصمة بغداد، مروان حسين، أن الجامعات الأهلية أضافت عبئاً جديداً إلى عمل المرور بسبب مواقعها التي تؤثر بانسيابية الحركة المرورية في أثناء دخول الطلبة وخروجهم إلى كلياتهم. ويشير خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن "رجال المرور يقفون أحياناً عاجزين عن تنظيم حركة المرور، خصوصاً أمام الكليات التي تقع على الطرق السريعة. هناك جامعات شُيدت أخيراً على الطريق السريع لمطار المثنى في وسط بغداد، وعلى الطريق السريع لمطار بغداد الدولي، وعلى طريق الدورة، وهو المخرج الجنوبي للعاصمة، وكلها سببت تفاقم الاختناقات المرورية في بغداد".
وتابع حسين: "كان من المفترض أن تشيد هذه الجامعات خارج العاصمة من أجل تخفيف الزحام، كذلك فإن أغلب الكليات لا تضع جسوراً للمشاة تنقل الطلبة من جانب الطريق إلى الجانب الآخر، الأمر الذي يسبب وقوع حوادث مرورية متكررة".
ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه، أن "هناك عشوائية كبيرة في منح الفرصة الاستثمارية على مستوى الجامعات الأهلية، وحتى مشاريع المجتمعات السكنية والمولات والمجمعات التجارية". ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الهيئة الوطنية للاستثمار لا تملك خريطة واضحة لمنح الفرص الاستثمارية، ما يترتب عليه ارتباك كبير في شكل المدينة، وفي تخطيطها العمراني، إضافة إلى الضغط على البنية التحتية في تلك المناطق، التي غالباً ما تكون متدهورة، ولم تخضع لأي عملية تطوير منذ سنوات".
ويتابع عبد ربه أن "إتاحة إنشاء الجامعات الأهلية على الطرق السريعة خطأ كبير، ويتطلب من الحكومة إعادة النظر بما يتماشى مع حاجة المواطنين، وينبغي نقلها إلى خارج حدود العاصمة لتخفف الأعباء الحاصلة بسببها".
بدوره، يدعو الباحث في الشأن العراقي، أمير الكعبي، إلى ضرورة تحرير الهيئة الوطنية للاستثمار من الضغوط السياسية حتى يمكنها تأدية مهامها بشكل صحيح، وحتى لا تخضع الفرص الاستثمارية للمزايدات السياسية. ويشير الكعبي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "تأثير واضح للأحزاب السياسية في عملية الحصول على الفرص الاستثمارية عبر ممارستها الضغوط على الهيئة كي تمنح الجهات أو الشخصيات المحسوبة عليها فرصاً استثمارية في أي مكان كان".
ويوضح أن "رفع الحرج عن الهيئة سيفتح الباب أمام القطاع الخاص للمنافسة، والحصول على فرص استثمارية بعد تقديم دراسة جدوى للمشاريع، فضلاً عن تقديم تصاميم تتماشى مع طبيعة المنطقة، ومع التوسع السكاني الذي تشهده البلاد".