تواجه مناطق جزائرية عدّة مشاكل جوهرية تتمثل بصعوبة إيجاد مدافن تستوعب المتوفين حديثاً بسبب عجز السلطات المعنية عن متابعة التغيّرات الديموغرافية مع التوسع العمراني الذي شهدته المدن والبلدات. وفي الأشهر الأخيرة، عاش سكان مدينة تيبازة في غرب الجزائر، وهي عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، حالة من الاحتقان والتذمر على خلفية امتلاء المقبرة الرئيسية فيها. فتعالت الأصوات التي طالبت السلطات بضرورة التحرك العاجل لاستدراك الوضع ورفع الغبن عن ذوي الموتى الذين عجزوا في مرات كثيرة عن توفير مدافن لأحبائهم. فعملت السلطات المحلية على توفير قطعة أرض في المخرج الشرقي للمدينة وجعلتها مقبرة جديدة، إلاّ أنّها لم تبدأ بعد بإنشاء سور يحيط بها.
في الإطار نفسه، ثمّة بلدات ومدن عدة في الجزائر تشهد على صعوبات في دفن موتاها. ففي حمر العين (غرب) لم تعد مقبرة سيدي عبد الرحمن قادرة على استيعاب مزيد من الموتى، علماً أنّ القرى القريبة تدفن فيها موتاها. وهو ما دفع المواطنين إلى مطالبة السلطات بضرورة إيجاد مساحة جديدة بدلاً من البحث عن أماكن في المقبرة القديمة. فأوفدت السلطات فرقاً تقنية مهمتها الحصول على الموافقة بتحويل مساحات تختارها كأرض مخصصة لاستقبال مشروع مقبرة جديدة، غير أنّ الأمر لم يكن بهذه السهولة نظراً إلى التعقيدات القانونية التي تجرمّ المساس بالأراضي الفلاحية وتغيير طبيعتها الأصلية. يُذكر أنّه في بلدات أخرى، في ضوء عجز السلطات عن توفير مساحات عقارية وتحويلها إلى مقابر تسع أعداداً متزايدة من الموتى، تبرّع عدد من المحسنين بأراضٍ بهدف تحويلها إلى مقابر تحفظ كرامة المتوفين وذويهم.
يقول علي بن مسعود، من قرية النخيل القريبة من العاصمة الجزائرية، إنّ عائلته لاقت صعوبة، العام الماضي، في دفن ثلاثة من أفراد العائلة بعد وفاتهم في حادث مروري. ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّه "إضافةً إلى الصدمة الكبيرة التي تعرّضت لها العائلة من جرّاء هذا المصاب، فقد تضاعفت المشاكل المتعلقة بالمقبرة القريبة من القرية". واجهت المجموعة المكلفة بالحفر صعوبة في العثور على مكان لدفن أخيه وزوجته وابنهما، خصوصاً أنّ عملية الدفن تزامنت مع جنازتَين في المقبرة نفسها.
مشاكل اكتظاظ المقابر ليست الوحيدة التي تؤرّق الجزائريين، فعدد منها يفتقر إلى أسوار تحيط بها، ما يجعلها عرضةً للانتهاكات والمسّ بحرمة الموتى، بالإضافة إلى عدم توظيف حراس مقابر فيها. وهو ما يتسبّب في تجاوزات من قبيل نقش القبور وغزو النباتات والأحراش إلى جانب رمي النفايات. وفي بعض الحالات، فإنّ الطرقات والمسالك المؤدية إلى المقابر تعرقل رحلة الجنازة في الوصول إلى المدفن نظراً إلى تردّي أوضاعها.
ويقول مجيد زايدة، وهو يسكن بالقرب من مقبرة في مدينة بورقيقة (غرب) إنّ "غياب الأسوار التي تحمي المقابر يفتح الباب أمام سلوكيات مشينة. على سبيل المثال، يزور أشخاص قبور ذويهم في عطلة الأسبوع خصوصاً، ويتركون كميات من النفايات وبقايا مأكولات في محيط المقبرة، ما يدفعني في كلّ مرة إلى التطوّع وتنظيفها رفقة بعض الأصدقاء. كذلك، فإنّ النباتات والأشجار التي غزت المقابر شوّهت منظرها". ويطالب مجيد السلطات بـ"التدخل العاجل من أجل تخصيص حارس وإعادة الاعتبار للسور المحيط، حفاظاً عليها من غزو الحيوانات ليلاً" لافتاً إلى أنّ "عدداً من الأئمة وممثلي المجتمع المدني نبّه في مناسبات كثيرة إلى هذه التجاوزات، وصارت محور نقاشات على مواقع التواصل، إلاّ أنّ حملات التنظيف والتوعية لم تنفع في إصلاح الوضع".
وبخلاف ما تعيشه مقابر عدّة، نجحت محافظات مختلفة سبق لها أن عاشت تجارب مريرة مماثلة، في تجاوز الأزمة عبر إنشاء مؤسسات مهمتها تسيير شؤون المقابر على غرار المحافظات الكبرى مثل الجزائر العاصمة، ووهران في غرب البلاد، وقسنطينة في الشرق، حيث تتكفل مؤسسة تسيير الجنائز والمقابر بتوفير مكان الدفن وتحضيره لاستقبال الميت. ويتمّ ذلك وفق إجراءات عملية تراعي المحافظة على العقار بطريقة منظمة ومضبوطة تحول دون التسبب بأيّ فوضى.
تجدر الإشارة إلى أنّ الكاتب الجزائري فوزي سعد الله، المهتم بالتاريخ الثقافي لمدينة الجزائر، نشر مؤخراً، مقالاً يستعيد فيه جوانب جمالية عن المقابر الجزائرية في الزمن الماضي. وكتب سعد الله أنّ المقابر الجزائرية "كانت حدائق في غاية الرقة والجمال والانسجام والكمال، وكانت جنّات فيها من دواعي الراحة والسكينة ما يداوي النفوس ويشفي المفجوع والميؤوس كانت هذه الجبّانات (تسمية عامية تستخدم في الجزائر وغيرها وتعني المقابر) فضاءات لزيارة الموتى وتذكر الأحبة والتأمل".