أصدر وزير التربية في حكومة النظام السوري، محمد عامر مارديني، منذ تعيينه في 8 أغسطس/آب الماضي، قرارات عدة تخص الواقع التعليمي والإداري في مديريات التربية، لكنها لم تطبق إلا بشكل جزئي، وضمن شروط مديريات التربية والمجمعات التربوية، إضافة إلى دورها في تسويق حال الفساد الإداري والرشوة الذي بات رائجاً في جميع مؤسسات النظام السوري.
وعممت وزارة التربية في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني، تأكيداً على قرار سابق يحدّد مدة تكليف مدير المدرسة ومعاونه بأربع سنوات، وإذا اقتضت الضرورة يمدّد لهما دورة واحدة، ويحق للمعاون استلام الإدارة بعد مدة الأربع سنوات المسموحة، أو الثماني سنوات الاستثنائية إذا اقتضت الضرورة، وبالشروط نفسها.
وتساءل العديد من المدرسين السوريين عبر مواقع التواصل، عن هوية من يحدد هذه الضرورة، معتبرين أنها وسيلة للتدخل من قبل فروع حزب البعث، أو الفروع الأمنية، إضافة إلى فتح المجال أمام ممارسات الوساطة والرشوة. تقول مدرِّسة من بلدة يلدا الواقعة في ريف دمشق، طلبت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد": "على مدار 5 سنوات، تواصل مديرة المدرسة حرمان الطلاب من الأنشطة الرياضية والفنية، وتتحكم بمصير الكادر التعليمي مستمدة قوتها من علاقاتها الأمنية، وهي تضرب بقرارات الوزير عرض الحائط، وترد على من يعترض قائلة: روح اشتكي علي بمديرية التربية. هذا الحال ينطبق على معظم مدارس ريف دمشق، فالمدراء ومعاونيهم يتسلحون بالعلاقات الأمنية والحزبية في مواجهة أي قرار صادر عن الوزارة".
وقبل أيام، عممت وزارة التربية قراراً يقضي بإعادة الوكلاء المثبتين المكلفين بأعمال إدارية إلى الصفوف، واستثنى القرار أصحاب الأمراض المستعصية، وذوي "الشهداء العسكريين"، وشمل القرار مئات من المعلمين، وهو يسهم في دعم الكادر التعليمي في المدارس على حساب التفرغ الإداري. وامتلأت مواقع الإعلام المحلية بعشرات من الشكاوى والمناشدات لوزير التربية، بتطبيق هذا القرار على الجميع من دون استثناء، مشيرة إلى أساليب يستخدمها مدراء المدارس وقيادات مديريات التربية للالتفاف على القرار، ومنح الفرصة لكل إداري يمتلك وساطة أمنية أو حزبية، أو القادرين على دفع الرشاوى للحفاظ على عملهم الإداري، مهما كانت سنوات الخدمة في التعليم الصفي، في حين يعاد إلى الصفوف من تجاوزت خدمتهم الثلاثين عاما ولا يستطيعون تدبير تقرير طبي أو وساطة أو دفع رشاوى.
ونشرت وسائل إعلام محلية عشرات الرسائل التي تورد أسماء المخالفين، وتظهر حجم الفساد المستشري في مجمعات ريف دمشق التعليمية. يقول المدرس أيمن نوفل لـ"العربي الجديد": "تصدر منذ سنوات، قرارات عن وزارة التربية ذات مفاعيل تساهم في إفساد النظام التعليمي والقائمين عليه، وفي بعض المرات تراجعت الوزارة عن قرارات بعدما اصطدمت بالرفض الأمني أو الحزبي، وأصبح واضحاً لدى معظم العاملين في القطاع التعليمي أن لكل قرار وزاري استثناءات تخدم شريحة من المنتفعين، والمقربين من حكومة النظام".
ويتذكر نوفل قرار وزير التربية السابق، دارم طباع، بتزويد المدارس ومراكز الامتحانات بنظام الرقابة المباشرة عبر الكاميرات، وكذلك قرار منع المدرسين من الدروس الخاصة إلا من خلال معاهد نظامية مع تحديد قيمة الدرس الخاص. ويضيف: "لا أعتقد أن الوزير الحالي قادر على تطبيق أي من القرارات التي يصدرها في ظل وجود قوى فاعلة تدير القطاع بالطريقة التي تخدم سياسات السلطة، من دون أية مسؤولية تجاه الطلاب والمعلمين".
وتحدث الوزير مارديني في أحد اللقاءات حول فكرة إنشاء صندوق معونة للمعلمين في كل مديرية تعليم بالمحافظات، يكون ريعه من عائدات الدروس الخاصة. وترى المدرسة هنا الناصر، أن هذا الصندوق سيكون وسيلة الجهات الأمنية لملاحقة المدرسين، وتحديد قيمة ساعات الدروس الخاصة، وبالتالي مقاسمتهم فيها، وهو بالمحصلة باب جديد للفساد. تضيف الناصر: "كان من الأجدى أن تسعى الوزارة لتمكين الجهاز التعليمي، ومنح المدرسين فرصة لإيقاف الانهيار في العملية التعليمية والتربوية على حد سواء".
ونشرت وسائل إعلام محلية في محافظة السويداء، تفاصيل واقعة توقف الكادر التدريسي في بلدة داما الواقعة في الريف الشمالي الغربي، عن التدريس، وإيقاف الدوام في المدرسة لعدم قدرة المدرسين على دفع كلفة الذهاب إلى المدرسة، والتي باتت تعادل ضعف رواتبهم الشهرية، في حين تراجعت وزارة التربية عن اتفاق مبرم لمنحهم بدل النقل.