منذ بدء تفشي وباء كورونا في الولايات المتحدة، شكّلت المعلومات المضللة واحدة من أكبر العقبات أمام جهود مكافحته، إذ أكدت أن الفيروس غير خطير وحضت الأميركيين على تجاهل التدابير الرامية إلى الحدّ من مخاطره.
وإذ تسعى السلطات العامة حاليا لوقف انتشار المرض من خلال حملة تلقيح وطنية مكثفة، يتواصل انتشار الأنباء المضللة، بل يتصاعد على ما يبدو مستبقا الجهود المبذولة.
تحوير الإحصاءات وعرضها على أنها أدلة على أن اللقاحات تقتل من يتلقونها بشكل منتظم
ويستغل بعض ناشري هذه الأنباء الخاطئة قاعدة بيانات رسمية عامة للحكومة الأميركية هي "نظام الإبلاغ بالمفاعيل الضارة للقاحات" (فايرس)، سعيا لتقويض ثقة الرأي العام في اللقاحات من خلال تحوير الإحصاءات وعرضها على أنها أدلة على أن اللقاحات تقتل من يتلقونها بشكل منتظم.
ومن أبرز الأمثلة الفاضحة على هذا التلاعب بالبيانات، استخدام هذا النظام في ولاية فرجينيا للإبلاغ بشكل خاطئ عن وفاة طفلة عمرها سنتين بعد أقل من أسبوع على تلقيها جرعة من لقاح فايزر/بايونتيك ضد فيروس كورونا.
وبالرغم من أن هذه المعلومات كانت مضللة، إلا أنها انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى أنهم نشروا تقريرًا يؤكد أن الفتاة توفيت خلال "تجارب للقاح على الأطفال".
غير أن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وهي الهيئة الفدرالية الأولى للصحة العامة، أفادت وكالة فرانس برس بأن ناشري هذا الخبر "زوروا تماما" المعلومات.
خبر مضلّل
وأوضحت الهيئة أن الطفلة تلقت اللقاح في 25 فبراير/شباط، أي قبل أكثر من شهر من بدء التجارب السريرية للقاح فايزر/بايونتيك على الأطفال بعمرها. وأضافت أنها نقلت إلى المستشفى حيث مكثت 17 يوما، في حين تفيد المعلومات المضللة بأنها توفيت بعد ستة أيام من تلقيها اللقاح.
وأعلنت السلطات الصحية في ولاية فرجينيا أنها "لم تعثر على أي دليل على وقوع هذا الحادث"، فيما ذكرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، التي تدير نظام الإبلاغ بالمفاعيل الضارة للقاحات وتدقق في الوفيات التي يبلغ عنها على أنها مرتبطة باللقاحات ضد فيروس كورونا، أنه تبيّن أن الخبر "مضلّل" و"بالتالي تم سحبه" من النظام.
لكن الفترة الممتدة ما بين نشر الخبر على النظام وسحبه منه كانت كافية لترك أثر لدى الرأي العام.
وثمة سيل من الأخبار الكاذبة الأخرى التي تنشر على الإنترنت فتساهم في تغذية التيار المناهض للقاحات.
فعرض البعض إحصاءات نظام "فايرس" بشكل خاطئ على فيسبوك وإنستغرام، باعتبارها أدلة على أن اللقاحات ضد كوفيد-19 تسببت بآلاف الوفيات، وهو ما نفته تحقيقات السلطات الصحية الأميركية.
كما تم التلاعب بالبيانات لدعم المزاعم بأن اللقاحات يمكن أن تتسبب بالإجهاض وأن الأمهات الملقحات اللواتي يرضعن أطفالهن يشكلن خطرا عليهم.
وأكدت أستاذة الإحصاءات البيولوجية في جامعة بنسيلفانيا سوزان إيلنبرغ أن نشر مثل هذه المزاعم "يساهم حتما في تردد الناس في تلقي اللقاح، ما يقود إلى معدلات تلقيح أضعف وبالنتيجة إصابة الناس بالمرض".
"تحيّز"
يتحتم على كل من يريد الاطلاع على بيانات النظام أن يؤكد قبل ذلك أنه قرأ وفهم كل التبعات القانونية المرتبطة به.
وتنص هذه التبعات على أنه "لا يمكن استخدام تقارير فايرس وحدها لتحديد ما إذا كان لقاح قد تسبب أو ساهم في مفعول ضارّ أو الإصابة بمرض".
وتضيف أن "التقارير يمكن أن تحتوي على معلومات غير كاملة، غير دقيقة، عرضيّة، أو لا يمكن التثبت منها. ومعظم التقارير التي ترفع إلى فايرس تقدم على أساس التطوّع، ما يعني أنها ربما تكون تنطوي على تحيّز".
وبالتالي، يُطرح السؤال عن جدوى استخدام مثل هذا النظام، فتقول إيلنبرغ "رأت الوكالة الأميركية للأدوية والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قبل بضع سنوات أنه إذا لم يتم نشر هذه البيانات، فهذا سيثير المزيد من المخاوف ونظريات المؤامرة حول سلامة اللقاحات".
وتابعت "بالرغم من احتمال حصول بعض التجاوزات، أعتقد أنه من الأفضل أن تكون هناك هذه الشفافية. ما يمكن أن يتخيّله الناس أسوأ حتما من الواقع".
ويمكن لأي كان طرح تقرير على نظام فايرس حول وفيات أو "مفاعيل ضارة" أخرى نتيجة تلقي لقاح، والهدف من ذلك السماح للباحثين وليس للجمهور العريض برصد أي منحى مقلق.
لكن مع طرح تقارير مزورة ونشرها، انكشفت ثغرات النظام.
وعدم اطلاع الجمهور بشكل واسع على طريقة عمل النظام وحدود جدواه، شكل ثغرة استغلها البعض لبث معلومات مضللة.
ويؤكد والتر أورنستين، الأستاذ والمدير المشارك لدى مركز "إيموري" للقاحات، على ضرورة "إطلاع الجمهور على ما هو نظام فايرس، وما لا يفعله، وكيف يمكن أن يكون مفيدا، وكيف يمكن استخدامه".
وتابع "المشكلة بالطبع هي أن الناس الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة ... لن يصدقوا ذلك".
(فرانس برس)