لم يكن شهر رمضان الحالي شهراً عادياً بالنسبة إلى عبد المجيد اللهيبي الذي يملك مطعماً شعبياً متواضعاً في العاصمة العراقية، يقدم فيه اللحوم المشوية. فالحالة المعيشية لأغلب العائلات العراقية تدنّت منذ نحو عام نتيجة تداعيات أزمة كورونا وخفض الحكومة سعر صرف الدينار العراقي في مقابل الدولار، وقد أثّر كل ذلك على عمل الشاب الثلاثيني الذي يفتح مطعمه قبل أربع ساعات من أذان المغرب لتجهيز طلبات الإفطار.
يقع محل عبد المجيد في منطقة شعبية شمالي بغداد، سكانها بمعظمهم من المعوزين. وعلى الرغم من أنّ العمل في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة لا يغطي مصاريف شهر رمضان لهذا العام، فإنّ عبد المجيد يرى فيه شهر الخير والبركة. ولذلك أعلن لزبائنه أنّه سوف يقدّم خدمة الشواء مجاناً لمن لا يستطيع دفع ثمنها. فكثيرون يفضلون إعداد وجباتهم من اللحوم في المنزل وحملها إلى المطاعم من أجل الشواء في مقابل مبلغ يُدفَع لهذه الخدمة. فيقول: "صحيح أنّ المبيع ضعف، إلا أنّني أشعر بالسعادة بعد تلقيّ المديح والدعاء لي ولأهلي من قبل أهالي المنطقة". يُذكر أنّ عائلة عبد المجيد ليست أفضل حالاً من باقي عائلات المنطقة، وهو على الرغم من بلوغه الثلاثين فإنّه يرفض فكرة الزواج حتى يتمكّن من مساندة عائلته التي عانت بعد تعرّض والده إلى حادث مروري واضطراره إلى السفر لتلقي العلاج وإصابته بشلل في رجليه. ويشرح عبد المجيد أنّ "علاج والدي كلّفنا مالاً كثيراً، خصوصاً أنّ الحافلة التي كان يعمل عليها تعرّضت للاحتراق. بالتالي أُجبرت على أخذ دور والدي في إعالة العائلة".
بالعودة إلى ملحمته المتواضعة، يبدأ عبد المجيد يومه الرمضاني بالتنظيف وتحضير اللحمة للشواء، إذ يبدأ ضغط العمل قبل موعد الإفطار بنحو ساعة ونصف الساعة. ومن خلال خبرته في التعامل مع تلك الضغوط، يلبّي "طلبات الزبائن بمساعدة شبّان أقدّم لهم خدمة الشواء مجاناً في شهر رمضان".
ويسمح عبد المجيد للباعة الصغار بعرض بضائعهم أمام محله، رافضاً تقاضي أيّ بدل مالي كونهم جميعاً من العائلات الفقيرة في المنطقة. ويخبر أنّ "عددهم يزداد في خلال شهر رمضان، إذ تنفق العائلات أموالها في شهر الخير. بالتالي هي فرصة للمعوزين حتى يعملوا. لذا تدفع العائلات بصغارها إلى بيع سلع بسيطة كالعصائر المصنوعة في المنازل والسجائر والحلوى وهدايا رمضان وبعض الألعاب". ويشعر الشاب بالسعادة عندما يرى أنّه يساهم في توفير المردود المالي لهؤلاء الصغار، قائلاً "إنّه ربح شهر رمضان الكريم. أظنّ أنّني سوف أكسب أجراً عند الله بهذا العمل وهذا شيء عظيم".
ويفتقد عبد المجيد ما يصفه بأنّه "متعة الإفطار مع العائلة". فهو، عندما ينهي عمله، يكون أذان المغرب قد رُفع ومن الصعب اللحاق بوجبة الإفطار مع العائلة التي تسكن بعيداً عن محله بنحو عشرة كيلومترات. وهكذا يتناول الطعام مع أحد أصدقائه في محله.
ويصف عبد المجيد سكان المنطقة بالطيبين وبمحبّي فعل الخير. ويقول إنّ "العادة جرت في رمضان العراق على تبادل الطعام بين العائلات. ولأنّني أعمل في المحل منذ سنوات وزبائني يعلمون بتناولي الإفطار بعيداً عن العائلة، فإنّ واحداً منهم في كل يوم يجلب لي طعاماً ويتناوله برفقتي. حتى أنّ المحل يتحوّل في بعض الأيام إلى مكان لجمع من الأهالي الذين أتشارك وإياهم الإفطار". ويؤكد عبد المجيد أنّ "أيام العمل في شهر رمضان مختلفة عن باقي أيام السنة، فلا أقوم بجرد ما حصلت عليه بل أضع النقود في الخزانة وفي اليوم التالي أسدد منها ما يتوجّب عليّ". يضيف "عملي مبارك لأنّني أبتعد عن الغش، وأبيع الأهالي بأسعار منخفضة، كذلك أتنازل عن حقي للمحتاجين. أظنّ أنّ الله رزقني بما يكفي، وثمّة عائلات كثيرة لا تستطيع شراء وجبة الطعام، فأشعر بمسؤولية تجاهها". ويتابع "أنا مسلم وديني يحثني على مساعدة المعوزين، وشهر رمضان فرصة لأحثّ نفسي والآخرين على فعل الخير".
من جهة أخرى، يقول عبد المجيد إنّه يختتم يومه الرمضاني مع الأصدقاء والأقارب في مسجد قريتهم، مؤدّين الشعائر الدينية حتى موعد السحور في داخل المسجد. ولا يخفي أنّه يدعو أن "ينتهي فيروس كورونا ويتوقّف عن حصد الأرواح، خصوصاً أنّ عدد قاصدي المساجد قد انخفض بفعل الإجراءات الوقائية الخاصة بأزمة كورونا".