من بين أبرز أمنيات التونسيين في العام الجديد أن يتحسّن الوضع المادي، وأن يحظى المرضى بصحة جيدة، ونجاح الأبناء في الدراسة، فضلاً عن تحقق أحلام الهجرة إلى الخارج.
تقول عائشة الخطيب (54 سنة)، لـ"العربي الجديد"، إن "نجاح ابنيها التوأم في تحصيل شهادة الهندسة باختصاص البرمجيات أكبر أمنياتها لعام 2023، وهو ما انتظرت تحقيقه أكثر من 23 عاماً. أنجبت توأمي بعد رحلة علاج طويلة، ورعيتهما طوال مسيرتهما الدراسية بأمل أن يتحقق حلم حصول أحدهما أو كليهما على شهادة الهندسة التي حرمت منها بسبب موت والدي حين كنت في كلية الهندسة، ما حتم قطع دراستي والالتحاق مبكراً بسوق العمل. واليوم أشرف على تحقيق هذا الحلم بعد أكثر من ثلاثة عقود على مغادرتي الكلية".
في المقابل، لم يعد حلم استكمال الدراسة الجامعية مهماً بالنسبة إلى الطالب عبد القادر الطاهري، والذي يدرس اللغة الإنكليزية في كلية العلوم الإنسانية، إذ بات الشاب يحلم بأن يحظى طلب الهجرة الذي قدمه إلى السفارة الكندية بالقبول، معتبراً أن الهجرة ستكون ولادة جديدة له. يقول الطاهري لـ"العربي الجديد": "أستطيع استكمال دراستي والحصول على شهادة في أي تخصص جامعي في دولة أخرى، والهجرة إلى كندا مفتاح الأمل للعديد من أبناء جيلي الذين يرون أن أبواب التوظيف توصد أمامهم في بلدهم بسبب الأزمة الاقتصادية".
وفيما يحلم عبد القادر بقطع آلاف الكيلومترات لتحقيق حلمه، تتمنى رجاء عيساوي (38 سنة) ألا تضطر خلال العام القادم إلى قطع المسافة التي تفصل بين بيتها ومستشفى "شارل ديغول" في العاصمة، والذي تتردد عليه ثلاث مرات أسبوعيا لإجراء حصص تصفية دم ضمن علاجها من إصابتها بقصور كلوي. تقول لـ"العربي الجديد": "لا شيء يضاهي العودة إلى الحياة بجسم سليم، وأقصى أمنياتي ألا أستمع مجدداً إلى صوت آلات تصفية الدم، وأجري عملية لزرع كلية بعد أن أجريت كل الفحوص والتحاليل اللازمة لزرع الكلية التي سأحصل عليها من شقيقي الذي وافق على التبرع كي يضع حداً لمعاناتي على مدار 7 سنوات".
وتنتقد رجاء بشدة وضع الجهاز الصحي في تونس مؤكدة أن "الحالة الرديئة للمستشفيات تزيد معاناة المرضى، علماً أن التراجع مستمر من سنة إلى أخرى". كما تبدي أيضاً قلقها من تأثير نقص الأدوية في السوق على حياة ملايين من المرضى الذين ينتابهم الهلع الشديد بمجرد التفكير في انقطاع الدواء الذي يبقيهم على قيد الحياة أو يخفف أوجاعهم.
في المناطق الريفية تختلف أمنيات المواطنين للعام الجديد عن المناطق الحضرية. تنحصر الأمنيات لدى المزارع فاروق بن نصيب (48 سنة) في هطول المطر الذي "يحسّن نفسية المزارعين المحبطين من واقعهم المعيشي الصعب".
وتقول ريم سوودي (42 سنة) لـ"العربي الجديد": "من أعز الأمنيات على قلبي بحلول العام الجديد أن تنقشع غيمة الإفلاس عن سماء بلادنا، فاستمرار الأزمة يرهب الجميع، ويجهض كل أحلامنا الشخصية". وتسأل: "كيف يمكن لمواطنين يكابدون الواقع المعيشي الصعب أن يواصلوا أحلامهم؟ الأمل هو المحرك الأساسي للشعوب من أجل الذهاب نحو تحقيق أمنياتها الخاصة والعامة، لكن بصيص الأمل في بلدنا بعيد".
وقضى التونسيون عقداً من الزمن في انتظار تحسن أوضاعهم وتحقيق أمنياتهم، بعدما تأثر الوضع العام خلال السنوات العشر الأخيرة بالتوترات والحسابات السياسية، والاستخفاف الكامل بالمؤشرات التي كان يفترض أن تنبه الجميع إلى تدهور الأوضاع.
وتعلّق الباحثة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، بأن "جنوح التونسيين نحو أحلامهم الفردية البسيطة والتخلي عن حلم الخلاص الجماعي نتيجتان طبيعيتان لعقد من الخيبات، فالإحباط المتواصل يفزر نزوعاً نحو الفردية والانكفاء على الذات، ما يفسّر تنامي حلم الهجرة. أمنيات التونسيين مشوبة بالحيرة والقلق من ضبابية الآفاق السياسية والاقتصادية في البلاد، ولا يمكن أن تقفز فوق حواجز الواقع الصعب".
وخلال السنوات الماضية علّقت السلطات خيباتها تارة على من سبقتها في الحكم، وحاولت تارة أخرى إيهام المواطنين بأن إصلاح الاقتصاد يمكن أن ينتظر الانتهاء من البناء الديمقراطي، لكن الانتقال الديمقراطي الموعود لم يكتمل.