مصير مفقودي ليبيا ما زال مجهولاً

26 أكتوبر 2020
البحث متواصل (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

شكّل، أخيراً، الكشف عن هوية مفقود من مجهولي المصير في حروب ليبيا، للمرة الأولى، بارقة أمل لدى عدد من الأسر، لا سيما في العاصمة طرابلس وجوارها، في التعرف إلى مصير أبنائها بعد ثلاثة أشهر من انتهاء الحرب

منذ نهاية يوليو/ تموز الماضي، لم تعلن الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين الحكومية، في ليبيا، عن إحصاءات جديدة للجثث المنتشلة من المقابر الجماعية المنتشرة جنوبي طرابلس وفي ترهونة، أكثر المناطق تأثراً بالمواجهات المسلحة طوال نحو عام انتهى في يونيو/ حزيران الماضي، بعدما أعلنت في 23 يوليو/ تموز أنّ عدد الجثث التي عثر عليها بلغ 206.
في هذا الإطار، أقام أهالي ترهونة، 95 كم جنوب شرق طرابلس، مؤخراً، جنازة لعبد الله الجلاصي، أحد مواطني المدينة الذي اختطفته قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من أمام بيته في إبريل/ نيسان الماضي. وكان المجلس البلدي لترهونة قد أعلن العثور على جثته في مقبرة جماعية جنوبي المدينة. وذكر المجلس، في بيان على صفحته الرسمية، أنّ التعرف إلى جثمان الجلاصي كان بحضور أحد ذويه من خلال تعرفه إلى ملابسه وبعض المقتنيات الشخصية إلى جانب الرفات، مشيراً إلى التعرف إلى جثث أخرى في المنطقة تعود إلى مقاتلين من قوات حفتر.

وتأمل أسرة الصادق العباني، التي فقدت ثلاثة من أبنائها، ب دورها، في العثور على جثثهم. وما زال رب الأسرة يتابع الجهات المختصة الحكومية التي تواصل تشريح وتحليل الجثث التي انتشلت من عدد كبير من المقابر الجماعية.
في هذا الإطار، يتحدث عمر الشديد، المسؤول في إدارة البحث عن الرفات بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، عن عدد من الصعوبات التي تواجه فريقه، منها الإمكانات المتدنية بالرغم من الحماس الكبير للعمل، المرتبط بالدوافع الإنسانية لدى أعضاء فريقه. ويشير الشديد في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى عوامل تتصل بصعوبة الأرض والبحث فيها وطرق التعامل معها أثناء انتشال الجثث التي تحلل أغلبها، لافتاً إلى أنّ انتشار رقعة المقابر على مساحات واسعة جعل فرق هيئة البحث والتعرف على المفقودين تعتمد، بالدرجة الأولى، على البلاغات التي تصل من أهالي المناطق التي شهدت الحرب.
عبر صفحتها الرسمية، أشارت الهيئة إلى العثور على عدد من المقابر الجديدة انتشلت منها جثث أكثرها في شكل أشلاء. ويلفت الشديد إلى أنّ اختلاف شكل الدفن العشوائي كان إحدى تلك الصعوبات التي تواجه فرق الهيئة. ويتابع: "بعض الجثث عثر عليها في آبار مياه، وأخرى في أكياس بلاستيكية ملقاة بالعراء، بالإضافة إلى عشرات الجثث التي دفنت في مقابر داخل مقار حكومية، آخرها مقبرة بمبنى الأمن في ترهونة. ويتحدث الشديد عن انتشار واسع للمقابر الجماعية في مشروع الربط في ترهونة وفي منطقة الدوائر الزراعية بطريق المطار جنوبي طرابلس، ما يجعل الحصر النهائي لعدد الجثث غير ممكن في الوقت الحالي، وفق قوله.
في موازاة ذلك تسعى الهيئة إلى إكمال جهودها في التعرف إلى المفقودين بمساعدة أسرهم، فقد شكلت "إدارة قيد أهالي المفقودين" التي بدأت أعمالها باستقبال أهالي المفقودين لأخذ عينات الحمض النووي (دي إن إيه) لمطابقتها مع عينات الجثث التي عثر عليها وما زالت داخل ثلاجات الموتى موزعة على المراكز الصحية في طرابلس ومدن أخرى. 
ومنذ منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وجّهت الهيئة لجان الإدارة لزيارة مدينة ترهونة والمناطق الأخرى التي يكثر فيها المفقودون لزيارة أسرهم وسحب العينات منهم بهدف "تسريع إظهار نتائج التحاليل" وفق الهادي طرينة، العامل في إدارة قيد الأهالي. ويقول طرينة، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إنّ لجان إدارته زارت مدناً أخرى مثل مصراته أيضاً في الفترات الماضية وما زالت تستهدف زيارة العديد من المدن التي يشتبه في مشاركة أبنائها في القتال أو التي أبلغت عن فقدان أبنائها من جراء حوادث الخطف التي شهدتها المنطقة خلال أشهر الحرب. وبالرغم من الصعوبات التي يتحدث عنها طرينة بشأن ضرورة حضور الجهات القضائية وجهاز الطبّ الشرعي ومكتب النائب العام لاتصال القضية ببعض بقضايا جنائية أخرى وأخرى تتعلق بجهود تجريها منظمات على صلة بمحكمة الجنايات الدولية، كونها صعوبات أخرت التوصل إلى مرحلة الإعلان عن أصحاب الجثث التي عثر عليها، فإنّ عبد الله الربيعي، من مدينة ترهونة، يعبر عن استيائه من عدم تجاوب الجهات الحكومية. ويقول الربيعي لـ"العربي الجديد" إنّه فقد أخاه منذ إبريل/ نيسان الماضي، وبعد بلاغه عن فقدانه أكد للجان انتشال الجثث وصوله إلى معلومات تتعلق بوجود جثة أخيه في مقبرة انتهى العمل منها منذ شهرين، من دون أن يتلقى النتيجة حتى الآن. وككثير من الأسر التي فقدت أبناءها، يبدو الربيعي متأكداً من مقتل أخيه، لكن في المقابل، يأمل العباني في أن تكون معلومات توصل إليها بجهده الشخصي صحيحة، إذ يشير إلى أنّ أحد أبنائه الثلاثة ما زال أسيراً لدى قوات حفتر. ويتابع العباني جهود لجان أهلية ليبية مشتركة توصلت، مؤخراً، لاتفاقات بشأن تبادل الأسرى، معبراً عن أمله في أن يكون أحد أبنائه حياً في سجون قوات حفتر.

وبين الأمل والألم، طالب أهالي ترهونة، أثناء تشييع جنازة الجلاصي، المجتمع الدولي بضرورة "ملاحقة القتلة والمجرمين"، مشيرين إلى أنّ أفراد المليشيات بالمدينة فروا إلى شرق البلاد رفقة قوات حفتر أثناء انسحابها من مواقعها هناك. كذلك، طالبوا حكومة الوفاق ومكتب النائب العام بمواصلة جهودهما في التعرف إلى المفقودين بين الجثث التي عثر عليها في المقابر الجماعية بالمدينة، وسرعة الإعلان عنها.

المساهمون