مصر: تلاميذ في مدارس حكومية يموتون من الاكتظاظ

18 أكتوبر 2021
تلاميذ متكدّسون في أحد الفصول (محمد حسام/ الأناضول)
+ الخط -

 

ليس أمراً طبيعياً ولا منطقياً أن يلقى أطفال حتفهم في مدارسهم بسبب اكتظاظ أو شجار حول الجلوس. لكنّ هذا ما حصل بالفعل في مصر، حيث المدارس الحكومية تعاني من كثرة التلاميذ وضيق الأماكن والإمكانيات المخصصة لهم.

توفي تلميذان مصريان يتابعان تعليمهما في المدارس الحكومية، منذ بدء العام الدراسي الجديد في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نتيجة الاكتظاظ الشديد والشجارات بين التلاميذ على الجلوس في الصفوف الأمامية في الفصول الدراسية. هذا الواقع الأليم يُسجّل في المدارس الحكومية التي تعاني من أوضاع رديئة بسبب إفقار المنظومة التعليمية في البلاد، على الرغم من الالتزامات الدستورية والمواثيق والمعاهدات الدولية. وقد وصلت الكثافة في بعض المدارس الحكومية إلى 120 تلميذاً في الفصل الواحد في مراحل التعليم الأولى، ولا تقلّ عن 90 تلميذاً في الفصل الواحد في التعليم الابتدائي، وفقاً لتصريحات عدد من المحافظين في الوجهَين البحري والقبلي، من بينهم محافظ القليوبية على سبيل المثال.

وتفيد بيانات صادرة عن وزارة التربية والتعليم المصرية حول متوسط كثافة التلاميذ في الفصول الدراسية بمحافظات الجمهورية، بأنّ متوسط كثافة الفصل الواحد في محافظة القاهرة بلغ 33 تلميذاً في فصول ما قبل الابتدائي، و46.32 في الابتدائي، و33.71 في التعليم المجتمعي، و42.78 في الإعدادي، و37.78 في الثانوي العام، و31.09 في الثانوي الصناعي، و49.30 في الثانوي التجاري، و37.38 في الثانوي الفندقي. وفي محافظة الجيزة التي تُعَدّ أكثر المحافظات كثافة وفقاً لإحصاءات الأعوام السابقة، فيبلغ متوسط كثافة الفصل الواحد فيها 30.96 تلميذاً في فصول ما قبل الابتدائي، و61.57 في الابتدائي، و27.02 في التعليم المجتمعي، و57.10 في الإعدادي، و47.82 في الثانوي العام، و42.22 في الثانوي الصناعي، و41.04 في الثانوي الزراعي، و76.52 في الثانوي التجاري، وصفر في الثانوي الفندقي. وفي محافظة الإسكندرية، يبلغ متوسط كثافة الفصل الواحد 44.12 تلميذا في فصول ما قبل الابتدائي، و52.08 في الابتدائي، و23.80 في التعليم المجتمعي، و47.09 في الإعدادي، و40.40 في الثانوي العام، و31.73 في الثانوي الصناعي، و70.23 في فصول الثانوي الزراعي، و62.71 في الثانوي التجاري، و32.97 في الثانوي الفندقي.

وتنخفض أولويات الإنفاق العام على التعليم في مصر، على الرغم من أنّه يعود بالنفع على المجتمع ككلّ. فنسبة كبيرة من المتعلمين في المجتمع لا تصبّ فقط في المصلحة الشخصية لهؤلاء المتعلمين، إنّما تفيد الجميع من خلال الزيادة التي تُسجَّل في الناتج القومي الإجمالي وتحسّن الصحة وانخفاض معدّل زيادة السكان ومعدّلات الفقر وتعزيز عدالة توزيع الدخل وانخفاض الجريمة وتعزيز الديمقراطية وضمان الحريات المدنية.

وقد خصّصت موازنة 2021 - 2022 أولويتها للديون والعاصمة الجديدة وكبار العاملين في الدولة، مقابل تخصيص أقلّ من نصف الحدّ الدستوري للصحة والتعليم في مصر. بالتالي، يحتفظ التعليم بترتيبه الثالث في أولويات الإنفاق. وعلى الرغم من زيادة مخصصاته بنحو 15 مليار جنيه مصري (نحو 955 مليون دولار أميركي) فإنّها لم تصل إلى نصف الحدّ الأدنى الذي نصّ عليه دستور البلاد. وفي حين تؤكد الحكومة التزامها بالحدّ الدستوري للإنفاق على الصحة والتعليم، فإنّ البيانات الواردة في الموازنة العامة توضح أنّ هذا الإنفاق لا يتجاوز 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الموازنة الجديدة، وهي نصف النسبة التي حدّدها الدستور والبالغة ثلاثة في المائة من الناتج كحدّ أدنى.

الصورة
تلاميذ واكتظاظ في مدارس مصر 2 (محمد حسام/ الأناضول)
الجميع يرغب في الجلوس بالصفوف الأمامية (محمد حسام/ الأناضول)

تجدر الإشارة إلى أنّه بصدور الدستور المصري في عام 2014، صارت الحكومة ملزمة بزيادة نسبة الإنفاق على التعليم والصحة لتصل إلى نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في خلال ثلاث سنوات، ويصير هذا استحقاقاً دستورياً لا بدّ من تنفيذه، وبموجبه يحصل التعليم الجامعي وما قبل الجامعي على ستة في المائة من الناتج المحلي، والصحة على ثلاثة في المائة. لكنّ ما حدث في خلال تلك الفترة هو بخلاف ذلك، فقد اتّخذت تلك المخصصات منحنى نزولياً. ولم ترقَ كذلك نسبة الإنفاق على التعليم المدرسي والجامعي إلى نصف ما هو مقرّر في الدستور كحدّ أدنى، إذ بلغت نحو 2.42 في المائة من الناتج المحلي، في حين أنّ النسبة المقررة دستورياً هي ستة في المائة كحدّ أدنى (أربعة في المائة للتعليم المدرسي واثنَين؜ في المائة للتعليم الجامعي).

وعلى الرغم من الزيادة المطردة سنوياً في مخصصات التعليم التي بلغت 172.6 مليار جنيه (نحو 11 مليار دولار) في الموازنة الجديدة، فإنّها لا ترقى إلى مستوى الزيادة المطردة في الناتج المحلي الإجمالي، والذي يصل، وفقاً لخطة التنمية الاقتصادية المعروضة على البرلمان في إبريل/نيسان الماضي، إلى نحو 7.1 تريليونات جنيه (نحو 450 مليار دولار). واتّخذت نسبة الإنفاق على التعليم منحنى نزولياً مع بداية تطبيق الدستور الجديد، ثمّ بدأت ترتفع بشكل طفيف، لكنّها لم تصل إلى نصف النسبة التي حدّدها الدستور، والتي كان لا بدّ من تطبيقها بداية في موازنة العام المالي 2016 - 2017.

وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد رفعت دعوى قضائية تطالب بإلزام السلطات برفع قيمة الإنفاق على التعليم الحكومي ما قبل الجامعي إلى نسبة أربعة في المائة من الناتج القومي، لكنّ النظر في الدعوى مؤجّل. وذكرت الدعوى أنّ القوانين الخاصة بالموازنة العامة الصادرة في عام 2016 والمستمرّة حتى الآن، تضمّنت نسبة إنفاق مخصصة للتعليم أقلّ من أربعة في المائة من الناتج القومي، مؤكدة أنّ هذا الأمر يشكّل في مضمونه قراراً إدارياً بالامتناع عن تخصيص النسبة المُشار إليها للإنفاق على التعليم، على النحو الذي يصيب الطلاب بأضرار تتمثّل في قلة جودة التعليم المقدّم من قبل الدولة. ولفتت الدعوى إلى أنّ الحكومة خصّصت في خلال العام الماضي ما نسبته 3.05 في المائة من الناتج المحلي للإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي والجامعي، ثمّ انخفضت النسبة في العام المالي الحالي إلى 2.6 في المائة من الناتج المحلي، بواقع 106.6 مليارات جنيه (نحو ستة مليارات و800 مليون دولار)، بالتالي يتّضح أنّ ما خصّصته الحكومة لقطاع التعليم بكلّ أنواعه (قبل الجامعي والجامعي) أقلّ من نصف النسبة التي حدّدها الدستور، وهي ستة في المائة.

المساهمون