وسط ساحة بوتسدام، في العاصمة الألمانية برلين، نظّمت عائلات المعتقلين والمخفيين السوريين قسراً وقفة احتجاجية، إذ علقوا هواتف في محاولة لتوثيق حالة انتظارهم الدائمة للحصول على إجابات عن مصير أحبتهم. وتنتظر آلاف العائلات السورية والمصرية مكالمة هاتفية ليعرفوا إن كان أحبتهم بخير، أو أنهم ما زالوا أحياءً، أو ليخبرهم أحد ما أنهم توفوا، علّهم يرتاحون من حالة القلق والانتظار لمعرفة المصير الغامض لأحبائهم المختفين قسراً.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإنّ ضحايا الاختفاء القسري أشخاص اختفوا فعلياً بعيداً عن أحبائهم ومجتمعهم، ويختفون عندما يقبض عليهم مسؤولو الدولة (أو أي شخص يعمل بموافقة الدولة) من الشارع أو من منازلهم، ثم ينكرون ذلك الأمر، أو يرفضون الكشف عن مكان وجودهم. ففي بعض الأحيان، قد يقوم بعمليات الإخفاء عناصر مسلحة غير تابعة للدولة، مثل جماعات المعارضة المسلحة. والإخفاء يُعَدّ دائماً جريمة بموجب القانون الدولي.
ولا يُطلَق سراح هؤلاء الأشخاص مطلقاً، ويبقى مصيرهم مجهولاً. وغالباً ما يتعرض الضحايا للتعذيب، أو يقتل العديد منهم، أو يعيشون في خوف دائم من التعرض للقتل. ويعلمون أن عائلاتهم ليس لديها أي فكرة عن مكان وجودهم، ولا فرصة في أن يأتي أحد ما لمساعدتهم. وحتى إذا نجوا من الموت، وأطلق سراحهم في نهاية المطاف، تبقى الجراح البدنية والنفسية تعيش معهم.
وتنصّ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في المادة الأولى، على أنه "لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري". وتعتبر المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، ما يعني أنّها من الجرائم التي تشملها صلاحيات المحكمة القانونية".
وعلى غرار سورية والعديد من الدول، تستمرّ جرائم الإخفاء القسري في مصر. ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم عام 2014، وصل عدد المخفيين قسراً إلى 11.224 حالة من مختلف الأعمار، من بينها 3045 حالة إخفاء قسري في عام 2020 وحده، فضلاً عن قتل 59 مخفياً قسراً خارج نطاق القانون من قبل الدولة بعد ادعاء تبادل إطلاق نار وإعلان مقتلهم، على الرغم من توثیق اختفائهم السابق لهذا الإعلان، وذلك بحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مصرية مستقلة توفر الوعي الحقوقي والقانوني للمواطنين وترصد وتوثق الأحداث والانتهاكات التى يتعرض لها أي مواطن على أرض مصر، بما يضمن لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات، سواء بسواء دون تميز أو تحيز.
وبمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي صودف يوم الاثنين، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في بيان، من استخدام الاختفاء القسري كوسيلة للقمع والإرهاب وخنق المعارضة. وقال: "ما زال الاختفاء القسري، في حين أنه محظور تماماً بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في جميع الظروف، يستخدم في أرجاء العالم كوسيلة للقمع والإرهاب وخنق المعارضة". أضاف: "للمفارقة يتم استخدامه أحياناً بذريعة مكافحة الجريمة أو الإرهاب"، مشيراً إلى أن "المحامين والشهود والمعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان معرضون لخطر الاختفاء القسري على وجه الخصوص".
وأشار غوتيريس إلى أن الاختفاء القسري "يحرم العائلات والمجتمعات الحق في معرفة الحقيقة عن أحبائهم والمساءلة والعدالة والتعويضات"، مؤكداً ضرورة أن "تفي كل الدول بالتزاماتها بمنع الاختفاء القسري، والبحث عن الضحايا، والتحقيق مع الجناة ومقاضاتهم ومعاقبتهم". أضاف: "في هذا اليوم الدولي، أكرر دعوتي لجميع الدول إلى التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية كل الأشخاص من الاختفاء القسري والتعاون مع لجنة الأمم المتحدة والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري".
دخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ في عام 2010. وتهدف إلى منع الاختفاء القسري مع كشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب.
وعلى الرغم من النداءات الدولية والأممية على مدار السنوات الماضية بنهي الأنظمة عن هذه الجريمة، ودعوة الدول للتصديق على الاتفاقية الدولية، ما زال النظام المصري يواصل الإخفاء القسري بحق معارضيه، ولا يستثني الناشطين البارزين والمؤثرين في الرأي العام.
وتُواصل السلطات المصرية إخفاء مصير الآلاف على الرغم من صدور حكم قضائي في أغسطس/ آب عام 2020، يلزم وزارة الداخلية المصرية بالبحث والكشف عن مصير المختفين قسراً، وعدم الاكتفاء بنفي وجودهم في مقار الاحتجاز والسجون، وهو حكم قضائي يُعَدّ الأول من نوعه. ونص الحكم على أنه "ينبغي للمسؤولين في وزارة الداخلية الامتثال لحكم القضاء الإداري، وأن تقوم بدورها المحدد دستورياً وقانونياً وتأديته على الوجه اﻷكمل. ومن أهم تلك الواجبات، العلم بمكان وجود أي مواطن وإقامته ما دام حياً، وأن تقوم بما تملكه من أجهزة بالبحث والتحري عن مكان أي مواطن يختفي، وأن تحدد مكانه أو تبين مصيره. ولا يجوز لها الاكتفاء بذكر أنّ المواطن غير موجود بالسجون، وإلا اختل اﻷمن والنظام في المجتمع وسادت الفوضى والاضطرابات وأضحى التزام وزارة الداخلية وواجبها في المحافظة على أرواح المواطنين ليس إلا تسجيلاً في سطور ومداداً على ورق من دون أدنى فائدة ترجى منه".