يستقطب حي "مشيرب قلب الدوحة" آلافاً من الجماهير الكروية التي تتدفق على الحيّ المتاخم لـ"سوق واقف" التراثي، للاستمتاع بالأجواء المونديالية يومياً، فضلاً عن فعاليات مختلفة لمواكبة البطولة التي تنظمها قطر.
تحوّل حي "مشيرب" إلى محطة انطلاق لمسيرات مشجعي المنتخبات الفائزة في المواجهات الكروية اليومية، والتي تجوب شوارعه وصولاً إلى "سوق واقف"، ويشاركهم السكان والزوار التصفيق والهتاف.
تزامنت زيارة "العربي الجديد" للحي مع فوز المنتخب المغربي على نظيره البلجيكي بهدفين نظيفين، حيث اكتست الشوارع بألوان علم المغرب، وبمشجعي "أسود الأطلس".
يسير عبد المجيد بصحبة طفلته وأصدقائه في شارع "سكة الوادي" وهم يلتحفون علم المغرب. سألناه عن رأيه في الأجواء، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه جاء من الرباط إلى الدوحة مع انطلاقة المونديال، وعبر عن استمتاعه بما شاهده في مختلف المواقع السياحية والترفيهية. "قطر فتحت أبوابها لاستقبال الجميع بغض النظر عن جنسياتهم أو أجناسهم، وستتعب الدولة التي ستنظم البطولة العالمية بعدها، لأن الترتيبات والخدمات لا يسهل وجودها في أي دولة أخرى، فالمواصلات مجانية، والإنترنت مجاني، والإجراءات في المطار لا تستغرق دقائق".
يقول الفرنسي من أصول تونسية، عمر جارتيلا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الفرحة تعلو وجوه جميع الناس الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم إلى الدوحة لمتابعة بطولة كأس العالم لكرة القدم. كان هناك كثير من الأفكار المغلوطة الرائجة في الغرب عن المنطقة العربية، لكن ما وجدناه على أرض الواقع يخالف كل ذلك، وهذه النظرة السلبية ستتغير بعد تنظيم المونديال في قطر، وأتمنى أن يحترم ضيوف البلاد تقاليد السكان، وأن يتعرفوا على قطر المليئة بالمحبة والأمان".
ويحتضن "مشيرب قلب الدوحة" مجموعة من الفعاليات الفنية والثقافية والرياضية والترفيهية بهدف منح الجماهير من مختلف الجنسيات والثقافات تجربة غنية وممتعة. تضم "قرية العنابي" المقامة أمام "بيت الشركة"، ملعبا مصغرا، وألعابا إلكترونية، إلى جانب معرض يرصد مسيرة المنتخب القطري، وأبرز إنجازاته، كما تعرض فيها ثلاثة كؤوس توج بها "الأدعم"، وهي كأس أسيا 2019، وكأسا الخليج الحادية عشرة والسابعة عشرة، إضافة إلى قمصان "العنابي" في مراحل مختلفة، وبعضها خاص بلاعبين حاليين.
وفي بيت "بن جلمود"، يقام معرض "فريدا كاهلو - سيرة غامرة"، والذي يضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي توثق مراحل معروفة وأخرى خفية في مسيرة الفنانة المكسيكية التي اشتهرت برسم البورتريهات واللوحات الذاتية والأعمال المستوحاة من الطبيعة، مستخدمة نمط الفن الشعبي لاستكشاف أسئلة الهوية، والطبقية، والعرق في المجتمع المكسيكي، ويركز المعرض على الحياة الصعبة التي عاشتها فريدا كاهلو (1907- 1954)، وكيف حولت معاناتها إلى أعمال عامرة بالطاقة.
ويوثق جناح "كونميبول- شجرة الأحلام" تاريخ وإنجازات كرة القدم في أميركا الجنوبية، ويضم ثلاثة أقسام، هي: معرض اللاعبين، وتجربة اللاعبين، وقسم يستعرض أهم بطولات القارَّة، في حين يبرز الجناح شجرة الأحلام المُستوحاة من جذور كرة القدم في القارة اللاتينية، من ملعب الماراكانا الشهير، وصولاً إلى ملاعب الأحياء الشعبية، إذ توفر الشجرة الحياة للجبال المحيطة، وتربط ماضي كرة القدم بحاضرها ومُستقبلها.
ويعرض الجناح مجسمات وصورا ومعلومات لأبرز اللاعبين في أميركا الجنوبية، ومنهم مارادونا وبيليه اللذان يعتبران من أبرز أيقونات كرة القدم العالمية على مرِّ العصور، ويقبل كثيرون من زوار الحي على التقاط الصور التذكارية مع مجسمي النجمين.
وخصصت منطقة "براحة مشيرب" لمشاهدة مباريات البطولة، كما تضمّ المنطقة معرض "فالنتينو إلى الأبد"، والذي يكرّم مؤسّس دار الأزياء الإيطالية الشهيرة، فالنتينو غرافياني، وهو المعرض الأوّل من نوعه في الشرق الأوسط.
ومن بين الفعاليات المصاحبة "مهرجان السكة العالمي"، و"كويست" للرياضات الإلكترونية، و"مواتر ويرهاوس" للسيارات، و"إنتاج" المختصّ بتاريخ صناعة السينما في قطر.
ورحبت مديرة العلاقات العامة في شركة مشيرب، مريم الجاسم، بزوار "قلب الدوحة" كمدينة ذكية ومستدامة، وأضافت أنه "مع تركيز العالم على قطر، تهدف الفعاليات إلى إظهار روح الضيافة، والمرح، والتفاعل الإيجابي، كما تساهم في التعريف بجوهر ثقافة وتراث قطر".
ويتيح التنوع الذي يوفره حي "مشيرب قلب الدوحة"، عوامل متعددة لمد جسور العلاقات بين الثقافات والمجتمعات، ويضم الحي ما يقارب 100 بناية، من بينها الثقافي والتجاري والسكني، إلى جانب المناطق الترفيهية، كما يضم خط "ترام" كهربائي خاصا.
وتحتفي "متاحف مشيرب" الأربعة بتاريخ قطر من خلال أربعة بيوت تراثية أعيد ترميمها، وتحويلها إلى متاحف ذات مستوى عالمي؛ وهي"بيت بن جلمود" الخاص بتاريخ الرقّ في المنطقة، و"بيت محمد بن جاسم" الذي يسرد قصة منطقة مشيرب، وتاريخها ونشاطها وأهميتها، و"بيت الشركة" الذي يوثّق حقبة اكتشاف النفط في قطر، ومساهمة القطريّين الأوائل في النهضة التنموية، و"بيت الرضواني" الذي يشكّل نموذجاً للبيت القطري القديم، ويعرض للأجيال الجديدة أساليب الحياة التي سادت لفترة طويلة في البلاد.
وبدأت أعمال تشييد وتطوير "مشيرب قلب الدوحة" في عام 2010، وأنجزت المرحلة الأخيرة في 2021، ويشتمل الحي على 800 وحدة سكنية، و193 ألف متر مربع من المساحات التجارية التي تضم 300 متجر تجزئة، إضافة إلى 4 فنادق، و4 متاحف، و3 مساجد، ومدرسة، وأكثر من 10 آلاف متر مربع لمواقف السيارات.
ويعد "مشيرب" أول حي ذكي ومستدام مكتمل البناء في قطر، وحصلت كل مبانيه على شهادات الريادة في تصميمات الطاقة، ومراعاة البيئة من الفئتين الذهبية أو البلاتينية، تقديراً لاتباع المشروع المعايير العالمية الخاصة بالبنايات الخضراء الصديقة للبيئة، إلى جانب اعتماده لغة معماريّة متعددة العناصر والركائز، تستشرف المستقبل من جهة، وتستمدّ إلهامها من الماضي من جهة أخرى.