مسجد مريم... مشروع ملتقى الأديان في تتارستان الروسية

03 مايو 2022
تحتضن تتارستان أكبر عدد من المسلمين (أليكسي نازيروف/ الأناضول)
+ الخط -

تتجه جمهورية تتارستان الروسية ذات الغالبية المسلمة إلى بدء أعمال بناء مسجد جامع يتسع لـ 10 آلاف مصلٍّ على الأقل الخريف المقبل، وذلك بعد وضع الحجر الأساس في 20 مايو/ أيار الجاري. وسبق أن أطلقت مسابقة معمارية دولية لاختيار النموذج الهندسي لمشروع المسجد. ورغم عدم إعلان اسمه رسمياً، إلا أن وسائل إعلام محلية كشفت أنه سيطلق عليه اسم "مريم" تخليداً لاسم السيدة العذراء، ولإحداث توازن مع كنيسة أيقونة السيدة العذراء في قازان عاصمة تتارستان، وترسيخ موقع الجمهورية كملتقى للأديان. لكنّ ذلك لم يمنع خلوّ استعدادات بناء المسجد الذي سيكون الأكبر في روسيا من جدل مجتمعي حول موقع إنشائه، قبل حسم الأمر عبر اختيار موقع حديقة قيرلاي على ضفة نهر كازانكا. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يشير الباحث في الشؤون الدينية، رئيس سليمانوف، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "اختيار اسم مريم للمسجد الجامع يرتبط بسعي السلطات المحلية لإنشائه في إطار فكرة التكافؤ مع كاتدرائية أيقونة السيدة العذراء. أما تغيير موقع بنائه، فيعكس سخط سكان محليين ومدافعين عن البيئة من الموقع الأصلي للبناء. يتابع: "للتشديد على رمزية المسجد الأكبر في تتارستان وروسيا الذي يجري إنشاؤه بفكرة تحقيق التكافؤ مع كاتدرائية أيقونة السيدة العذراء في قازان، تداولت وسائل إعلام موالية للسلطة في تداول إطلاق اسم مريم عليه، وهو المثيل العربي لاسم ماريا أم السيد المسيح في الإنجيل، أو النبي عيسى الذي يكنّ المسلمون احتراماً له. كذلك لا تخفى رغبة سلطات تتارستان في نيل دعم القيادة الدينية الأرثوذكسية في قازان التي لم تدعم مشروع بناء المسجد ولم تعارضه حتى الآن".  
وحول دوافع اختيار موقع الجامع، يقول: "حسمت سلطات تتارستان في نهاية المطاف الجدل في شأن الموقع، واختارت أرض حديقة قيرلاي الترفيهية للبناء، رغم أن سلطات الجمهورية اختارت في الأساس موقع ضفة نهر كازانكا للبناء مقابل موقع كرملين قازان وقصر قازان للزواج". ويعلق على الأسباب التي أدت إلى تغيير موقع بناء الجامع، قائلاً: "أثار الموقع الأصلي موجة من السخط من قبل السكان المحليين والمعنيين بحماية البيئة الذين قدموا أدلة على التداعيات البيئية السلبية لإنشاء مسجد كبير على هذه الأرض تحديداً، في ظل ضيق المساحة والقرب من الأحياء السكنية، ومخاطر الانهيار الحتمي لمنظومة النقل والتداعيات البيئية على نهر كازانكا".  

الصورة
تعود جذور الإسلام في تتارستان إلى القرن التاسع (Getty)
تعود جذور الإسلام في تتارستان إلى القرن التاسع (Getty)

وكان الموقع المحدد للبناء قد أثار نقاشاً وانقساماً واسعين في الفضاء الإلكتروني بتتارستان. وجمعت عريضة دعمت بناء المسجد على ضفة كازانكا مقابل كرملين قازان أكثر من 4 آلاف توقيع، بينما حظيت عريضة أخرى عارضت الموقع المحدد ذاته 4300 توقيع، ما عكس تبايناً عميقاً بين سكان تتارستان في شأن القضية. لكنّ سليمانوف يشير إلى أن الموقع الجديد الذي اختير لبناء المسجد يثير تساؤلات عدة أيضاً، لكونه يقع وسط المدينة وعلى نهر كازانكا ومقابل الكرملين وفي جوار أحياء سكنية أيضاً، ولا يتمتع بأي ميزات سوى قربه من محطة مترو الأنفاق. ويعلّق: "رغم أنّ المسؤولين في تتارستان تراجعوا عن الموقع الأصلي لبناء المسجد، يبدو أن بناءه وسط المدينة له أهمية مبدئية بالنسبة إليهم". ومطلع إبريل/ نيسان الماضي، انطلقت أعمال تفكيك الألعاب في حديقة قيرلاي، وسط انتشار عربات البناء والعمال والمعدات الثقيلة، ووعدت السلطات المحلية بإنشاء حديقة ترفيهية بديلة في موقع آخر.  

وإلى جانب جمهوريات شمال القوقاز وجمهورية بشكيريا والعاصمة موسكو، تعد تتارستان من بين الكيانات الإدارية الروسية التي تحتضن أكبر عدد من المسلمين، إذ يشكل التتار نحو 53 في المائة من سكانها البالغ عددهم 3.9 ملايين. وتعود جذور الإسلام في تتارستان إلى تأسيس أول دولة في المنطقة، وهي مملكة بولقار الفولغا في القرن التاسع بعد الميلاد، وأصبحت الديانة الرسمية فيها عام 922 ميلادياً. وستحل هذه السنة ذكرى مرور 1100 عام على هذا الحدث التاريخي المفصلي، ما دفع السلطات المحلية إلى المضي قدماً في مشروع بناء أكبر مسجد في روسيا في هذه المناسبة. وفي عام 1236، أصبحت المملكة جزءاً من الإمبراطورية المغولية بقيادة مؤسسها جنكيز خان، ثم أدى تفككها إلى تأسيس مملكة قازان في عام 1438. وأعقب ذلك سيطرة أول قياصرة عموم روسيا، أمير موسكو إيفان الرابع الملقب بـ"الرهيب" على قازان عام 1552، وضمّها إلى الدولة الروسية التي شهدت توسعاً جغرافياً كبيراً في أثناء سنوات حكمه.

المساهمون