مستشفيات لبنان تعيش فاجعة جديدة

18 سبتمبر 2024
داخل أحد مستشفيات لبنان (محمد سلمان)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استنفار طبي واسع النطاق**: شهدت مستشفيات لبنان حالة طوارئ بعد التفجيرات التي استهدفت حزب الله، مما أدى إلى استقبال 2800 جريح، بينهم 300 حالة حرجة، وإجراء 460 عملية جراحية.
- **تنسيق فعال بين الجهات الطبية والإسعافية**: أطلقت وزارة الصحة غرفة عمليات لتنظيم توزيع المصابين، وتدخلت فرق الدفاع المدني والصليب الأحمر بنحو 178 سيارة إسعاف.
- **استجابة مجتمعية واسعة**: تحرك المجتمع اللبناني لدعم المصابين، وأطلقت نداءات للتبرع بالدم، وأعلنت مستشفيات في شمال لبنان جهوزيتها لاستقبال المصابين.

كانت مستشفيات لبنان أمس في حالة طوارئ، وإن كانت ليست الأولى من نوعها. واستقبلت آلاف الجرحى في وقت تضافرت جهود المسعفين والأطباء.

غصّت مستشفيات العاصمة اللبنانية بيروت وضاحيتها الجنوبية، وصولاً إلى مستشفيات محافظتَي الجنوب والبقاع، أمس، بآلاف الجرحى والحالات الحرجة من جراء الاختراق الإسرائيلي والتفجيرات المتنقلة والمتزامنة التي طاولت أجهزة الاتصال (بيجر) العائدة لعناصر حزب الله اللبناني. 
وعلى وقع صرخات الاستغاثة والنداءات الإنسانية للتدخل العاجل والتبرع بالدم ومضاعفة الكوادر الطبية والتمريضية، ازدحمت أقسام الطوارئ وممرات المستشفيات ومرافقها وغرفها بأعداد ضخمة من الضحايا والمصابين، الذين تنوعت إصاباتهم بين طفيفة وبليغة. مأساة إنسانية جديدة أعادت إلى ذاكرة اللبنانيين المشاهد المروّعة لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020، وشاء القدر أن يختبر المواطنون فاجعة أخرى شكلت صدمة جماعية. 
وكشف وزير الصحة العامة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور فراس الأبيض، أن "عدد الشهداء ارتفع إلى 12 شهيداً حتى بعد ظهر اليوم، بينهم طفلان وعدد من العاملين في القطاع الصحي". ولفت إلى أنه "خلال نصف ساعة فقط، وصل إلى المستشفيات كافة ما بين 2750 و2800 مصاب، بينهم نحو 300 حالة حرجة. وأجريت 460 عملية جراحية للمصابين، غالبيتها في العيون، وكذلك الأطراف وخصوصاً اليد". وأعلن أن "عدد الجرحى في بيروت والضاحية الجنوبية بلغ 1850، فيما وصل في الجنوب إلى 750، وفي البقاع 150". وقال: "على عكس انفجار المرفأ، فإن ثلثَي المصابين احتاجوا إلى دخول المستشفى". وأشار الأبيض إلى أن "لبنان تلقى المساعدات الطبية من العراق وإيران والأردن، ونُقِل مصابون من البقاع إلى سورية وآخرون إلى إيران".
يقول رئيس وحدة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني اللبناني، وليد حشاش، لـ "العربي الجديد"، إنه "بمجرد وقوع الحادث الأليم، تدخلت فرق الدفاع المدني على الفور بنحو 45 سيارة إسعاف وفريق المشاة المتخصص في الإسعافات الأولية، والذي توجه نحو الضاحية الجنوبية لبيروت (مكان وقوع التفجيرات)". ويقول: "باشرت فرقنا بنقل المصابين إلى المستشفيات، إلا أن العدد كان مهولاً، وهناك من نقل من قبل مواطنين بواسطة دراجات نارية وغيرها من وسائل النقل إلى المستشفيات الأقرب مثل مستشفى بهمن والرسول الأعظم والساحل في الضاحية الجنوبية، ما تسبب بضغط كبير على هذه المستشفيات، لدرجة لم تعد أقسام الطوارئ تتسع للمزيد، ولم تعد هناك قدرة للكشف على الجرحى، إذ سُجّل دخول نحو 70 إصابة إلى مستشفى واحد خلال الدقائق السبع الأولى. أمر دفعنا للعمل في اتجاهين: الأول معالجة الحالات غير المستعصية عبر الإسعافات الأولية الميدانية ثم نقلها إلى مستشفى آخر، والثاني سحب الحالات الطفيفة من المستشفيات الثلاثة المذكورة للحد من تراكم الأعداد".
ويلفت حشاش إلى أن "غرفة العمليات التي أطلقتها وزارة الصحة منذ بداية الاشتباكات على الحدود اللبنانية الجنوبية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نفذت خططها واستعداداتها وجهوزيتها بشكل فاعل، لناحية التنسيق المنظم بين الوزارة ومختلف الجهات الطبية والتمريضية والهيئات والجمعيات الإسعافية، وتوزيع المصابين بشكل يتناسب مع القدرة الاستيعابية لكل مستشفى، عوض الضغط على مستشفيات محددة. وأفادتنا غرفة العمليات بتحديثات حول المستشفيات التي امتلأت وتلك التي لا تزال قادرة على الاستيعاب. ووزّعنا المصابين بين مستشفيات الضاحية الجنوبية ومستشفيات العاصمة، من مستشفى الجامعة الأميركية، ومستشفى القديس جاورجيوس الجامعي (الروم)، ومستشفى الجامعة اللبنانية الأميركية (رزق)، وأوتيل ديو، وجبل لبنان، ومركز كليمنصو الطبي، والجعيتاوي المتخصصة في الحروق، وغيرها من مستشفيات بيروت التي امتلأت بالكامل. أما الذين أصيبوا في جنوبي البلاد، فقد نُقلوا إلى مستشفيات النبطية وصور، فيما عولج المصابون في البقاع في مستشفيات المحافظة". 

يضيف أنها "أول عملية تنسيق فاعلة وباستجابة سريعة ومنظمة في ظل عدد الإصابات الضخمة. كنا قد اتخذنا الاستعدادات اللازمة للاستجابة لأي حرب أو كارثة مرتقبة". وأعلن رئيس وحدة الخدمة والعمليات أن "فرق الدفاع المدني لبّت نداء كل مستشفى يطلب الدعم، ونقلت المصابين الذين هم بحاجة لعمليات جراحية معقدة إلى المستشفيات القادرة على إجراء تلك العمليات. كما أننا التزمنا بالبقاء إلى جانب المستشفيات، تحسّباً لأي حالة خطرة تستدعي نقلها إلى مستشفى آخر، وتلبية التعميم الذي يدعونا إلى التبرع بالدم لإغاثة الجرحى". ويرى أن "الحدث كان أكبر بكثير من الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، فهي ضربة غير متوقعة تتطلب طواقم طبية وتمريضية كبيرة، وقد تنوعت الإصابات بحيث كانت في الأذنين والوجه والخاصرة واليدين".

استنفار طبي  

وجهّز الصليب الأحمر اللبناني 133 سيارة إسعاف مع طواقمها، تدخلت في المناطق اللبنانية التي شهدتها التفجيرات، إلى جانب 170 سيارة احتياطية للتدخل حين تستدعي الحاجة. وعملت عناصر الصليب الأحمر على نقل المصابين إلى المستشفيات المجاورة، ونقل بعضهم من مستشفى إلى آخر. كما أن مراكز نقل الدم كانت مستنفرة على امتداد الأراضي اللبنانية، لسحب الدم وتوزيع الوحدات على المستشفيات.

أحد المصابين جراء تفجير البيجر (محمد سلمان)
أحد المصابين جراء تفجير البيجر (محمد سلمان)

يكشف المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي، الدكتور جهاد سعادة، أن "أكثرية الإصابات التي وصلت إلى المستشفى كانت في الوجه، وتحديداً في العيون، وفي أصابع اليد. كما أن الحالات خطيرة بغالبيتها، لناحية تضرر شبكة العين واحتمال فقدان البصر". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "نواكب اليوم الحالات عن كثب، ونفحص كل مريض ونقيّم حجم الضرر وطريقة العلاج، علماً أن بعض الجرحى خضع اليوم لعمليات جراحية عاجلة. وبلغ عدد الحالات التي استقبلناها 17، من بينها ثماني حالات إصاباتها خطيرة لناحية فقدان النظر وخسارة أصابع اليد لحظة التفجير، لكن لا خطر على حياتها. وقد أعلنّا جهوزية المستشفى لاستقبال المزيد من الحالات".
من جهته، يؤكد المدير الطبي في مستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، الدكتور وائل الجاروش، لـ "العربي الجديد"، أن "أكثرية الإصابات هي في أصابع اليدين والعيون، وغالبيتها بليغة. استقبلنا 35 حالة وضعها مستقر. لكننا سجلنا أكثر من 20 إصابة باليدين والعيون وخمس حالات عولجت في قسم الطوارئ وغادرت إلى منازلها، كون الإصابة طفيفة. وهناك أربعة جرحى نقلوا إلى مستشفى العيون في بيروت بسبب خطر الإصابة على نظرهم. معظمهم تضررت لديهم عين واحدة أو اثنتان بنسبة كبيرة، ويحتمل أن يخسروا نظرهم. كما أن قرابة عشرة جرحى أجريت لهم عمليات جراحية لاستئصال شظية من البطن أو منطقة الحوض، إلى جانب عمليات ترميم الكسور في عظام الفخذين".
وكان عدد كبير من المستشفيات تحفّظ عن تقديم أي معلومات بشأن عدد الحالات التي استقبلها ونوع الإصابات ومدى خطورتها.

سيارات الإسعاف كانت حاضرة لنقل الجرحى (محمد سلمان)
سيارات الإسعاف كانت حاضرة لنقل الجرحى (محمد سلمان)

عمليات جراحية

من جهته، يوضح نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان، الدكتور سليمان هارون، لـ "العربي الجديد"، أن "المستشفيات تمكنت من استيعاب المصابين. وعندما كان المستشفى يصل إلى الطاقة الاستيعابية القصوى، تم توجيه المصابين نحو مستشفيات أخرى. وعندما امتلأت مستشفيات الجنوب، أرسل الجرحى إلى مدينة صيدا (جنوب العاصمة) ثم إلى بيروت. وعندما امتلأت مستشفيات بيروت، نُقل الجرحى إلى المستشفيات الواقعة شمال العاصمة". 
ويشيد هارون بـ "خطة الطوارئ التي وُضعت برعاية وزارة الصحة العامة في لبنان منذ بدء الاشتباكات، والتي عززت التنسيق بين المستشفيات والهيئات الإسعافية والإغاثية، وأتاحت للمستشفيات اتخاذ الاستعدادات كافة. كما أننا شهدنا حضور الطواقم الطبية والتمريضية وأطباء الطوارئ فور إطلاق النداء للمستشفيات، علماً أن الخطة تلحظ عدداً معيّناً من الأطباء والممرضين والتقنيين والإداريين في كل مستشفى".
ويكشف النقيب أنه "لا يمكن تحديد عدد الإصابات البليغة والطفيفة. لكن عدداً كبيراً لا يُستهان به من الإصابات بحاجة لعمليات جراحية، ونواصل العمل لضمان تأمين العلاج لكل مصاب، وسيتم نقل الجريح إلى مستشفى آخر في حال عدم قدرة المستشفى الموجود فيه على معالجته، أو أن علاجه يستدعي تقنيات معينة غير موجودة، وسنخفف الضغط كذلك عن بعض المستشفيات".

قضايا وناس
التحديثات الحية

بتر أطراف 

ويقسّم هارون المصابين بالتفجيرات إلى نوعين؛ جرحى تتم معالجتهم في أقسام الطوارئ، وإصابات تتطلب دخول المستشفى. يضيف: "هناك إصابات طفيفة تحتاج فقط لضمادات وإصابات تتطلب جراحات خفيفة، وكسور في العظام وإصابات في الجهاز الهضمي وفي الرأس والعين والأذن واليد، وهناك من قُطعت أصابعه وغيرها من الإصابات البليغة، بحسب مكان وضع جهاز الاتصال".
وحرّك الاعتداء الأليم المجتمع اللبناني بمختلف أطيافه وانتماءاته السياسية، وسارعت فعاليات حزبية وجهات نقابية وطبية واجتماعية ومحلية إلى إطلاق النداءات لمساندة المصابين والتبرع بالدم، مطالبة بـ "وحدة الموقف تجاه العدوان الإسرائيلي الغادر". وناشدت النقابات، لا سيما نقابات الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة، أعضاءها تلبية نداء الإنسانية وإغاثة المصابين، ودعت الأطباء بمختلف تخصصاتهم، وخصوصاً أطباء الجراحة العامة وجراحة العظام والمفاصل والقلب والشرايين وأطباء الترميم، للتوجّه إلى مراكز عملهم أو أقرب مستشفى لمعالجة المصابين والجرحى. كما أعلنت مستشفيات عديدة في شمال لبنان والمناطق التي نجت من التفجيرات الأخيرة، جهوزيتها التامة لاستقبال المصابين. وتوجهت فرق من جمعية "الإسعاف اللبنانية" (جمعية غير حكومية في شمال لبنان)، تضمّ طواقم وآليات إسعاف للمشاركة بإسعاف الجرحى ونقلهم إلى مستشفيات خارج نطاق العاصمة لتخفيف الضغط عليها.

كان هناك تضافر للجهود (محمد سلمان)
كان هناك تضافر للجهود (محمد سلمان)
المساهمون