مستشفيات غزة والشمال... نصف مليون فلسطيني يبحثون عن العلاج

05 سبتمبر 2024
يعمل المستشفى الأهلي المعمداني بأضعاف طاقته الفعلية (داود أبو الكاس/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استهداف المستشفيات وتدمير البنية التحتية الصحية:** استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات والمراكز الصحية في غزة بشكل ممنهج، مما أدى إلى تدمير غالبية المستشفيات ومنع وصول الأدوية والوقود، مما أخرج العديد منها عن الخدمة.

- **تحديات الطواقم الطبية ونقص الموارد:** تعاني الطواقم الطبية من صعوبات كبيرة نتيجة النزوح القسري والضغط على المستشفيات المتبقية، مع منع حركة الطواقم وسيارات الإسعاف، ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات والأجهزة الطبية.

- **جهود إعادة التأهيل والمخاوف المستمرة:** رغم جهود إعادة تشغيل بعض المستشفيات، إلا أن العمليات العسكرية المستمرة تعيد تدمير ما تم ترميمه، مما يؤدي إلى انهيار شبه كامل للقطاع الصحي وانتشار الأمراض والأوبئة.

دمر الاحتلال الإسرائيلي غالبية المستشفيات والمراكز الصحية

نحو 17 مستشفى فقط ما زالت في الخدمة من أصل 36 في القطاع

يمنع الاحتلال حركة الطواقم وسيارات الإسعاف بين شمال القطاع ووسطه

يستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفيات غزة منذ الأيام الأولى لعدوانه المتواصل، وتتعدد أشكال الاستهداف من القصف والاقتحام، إلى اعتقال الطواقم الطبية، ومنع وصول الأدوية والوقود.

يجد الفلسطينيون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية في ظل تدمير غالبية المستشفيات والعيادات في محافظتي غزة والشمال، وتكرار عمليات القصف الإسرائيلي التي تطاول كل المنشآت المدنية، بما فيها المشافي ومراكز الرعاية الصحية. 
ومنذ بداية العدوان على قطاع غزة، دمر الاحتلال الإسرائيلي غالبية المستشفيات والمراكز الصحية، وعلى رأسها مجمع الشفاء الطبي الذي يعد أكبر مستشفيات القطاع، والذي سبّب اجتياحه خروجه عن الخدمة، قبل أن يعود قسم صغير منه إلى العمل عقب ترميمه خلال الأيام الماضية بجهود مؤسسات خيرية محلية. 
وعمد الاحتلال إلى اقتحام المستشفيات وحصارها وتدميرها، إذ دمر غالبية مباني مستشفى كمال عدوان، إضافة إلى مستشفى اليمن السعيد، والمستشفى الإندونيسي، وطاول القصف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في مدينة غزة، ومستشفى "أصدقاء المريض".
ولم يقتصر الأمر على تدمير المستشفيات أو قصفها، بل ذهب الاحتلال نحو تدمير مراكز الرعاية الأولية، سواء الحكومية أو تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ما قلص من أعداد مراكز تقديم العلاج، وباتت معاناة المرضى أكبر.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 17 مستشفى فقط ما زالت في الخدمة، وهي تقدم رعاية صحية جزئية للمرضى والجرحى في قطاع غزة، من أصل 36 مستشفى كانت تعمل قبل الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2013.
وسبّب العدوان نزوح عدد كبير من الطواقم الطبية من مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة نحو الوسط والجنوب، سواء عبر إجبارهم على ذلك من خلال اقتحام المشافي ودفعهم للذهاب جنوباً، أو طوعاً نتيجة المخاوف على عائلاتهم، ما يعزز الضغط على الطواقم الطبية الموجودة في تلك المناطق، والتي باتت أعدادها القليلة لا تقارن بحجم مراجعة المستشفيات.
علاوة على ذلك، يمنع الاحتلال الإسرائيلي حركة الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف بين محافظتي الشمال ومناطق وسط القطاع، ويقوم بإدخال كميات محدودة من السولار اللازم لتشغيل المولدات في المستشفيات رغم الحاجة الماسة له نتيجة انعدام الكهرباء في كل أنحاء القطاع. 
وتنعكس أزمة الطاقة بشكل كبير على واقع الخدمات الطبية المقدمة للمرضى والمصابين في ضوء الحرب المتواصلة للشهر الحادي عشر على التوالي، وفي ظل منع علاج الجرحى والمرضى خارج القطاع من خلال إغلاق المعابر. 
وقالت الأمم المتحدة في وقت سابق إن إسرائيل رفضت طلبات تزويد المستشفيات العاملة في شمالي قطاع غزة بالوقود خمس مرات خلال الأسبوعين الأخيرين، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إنّ بعض مستشفيات شمال غزة ظلت من دون إمدادات وقود جديدة لأكثر من 10 أيام. 
ويقول الفلسطيني أحمد أبو القمصان لـ "العربي الجديد"، إنه يجد صعوبة في الوصول إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) منذ أصيب بكسر مضاعف نتيجة إحدى الغارات الإسرائيلية. ويضيف أن "هناك نقصاً كبيراً في المعدات الطبية، وهو ما يتضح من تعامل الطواقم الطبية مع الحالات المرضية، لا سيما المستلزمات الطبية المتعلقة بحالات الكسور، كما أن هناك صعوبة في تنقل المرضى والمصابين في ظل تدمير الطرق، وعدم وجود وسائل نقل بين المناطق، ما ينعكس بالسلب على الحالات المرضية الصعبة". 
ويلفت أبو القمصان إلى أن "بعض الأدوية والمسكنات غير متوفرة في محافظتي غزة والشمال بسبب عدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بإدخالها منذ بداية الحرب، ما يدفع المرضى للتعامل مع الآلام بالبدائل الشعبية، لكنها لا تجدي نفعاً في العادة". 

عاد قسم الاستقبال في مستشفى الشفاء للعمل (داود أبو الكاس/الأناضول)
عاد قسم الاستقبال في مستشفى الشفاء للعمل (داود أبو الكاس/الأناضول)

وتجد الفلسطينية مها عبد الكريم صعوبة في التعامل مع مرض أبنائها، وأحدهم مصاب بالفشل الكلوي ويحتاج إلى عمليات غسيل متكررة، ما يتطلب التنقل لمسافات بعيدة. تقول لـ "العربي الجديد": "دمر جيش الاحتلال غالبية المستشفيات في مدينة غزة، ومع عدم استقرار الحالة الأمنية وتكرار عمليات النزوح يكون التنقل غاية في الصعوبة، ما ينعكس بالسلب على حالة ابني التي تفاقمت كثيراً من جراء عدم استقرار عمليات غسل الكلى التي يخضع لها، إضافة إلى عدم وجود أدوية ومستهلكات طبية، خاصة أدوية الأطفال في ظل الواقع الذي يعيشه القطاع بفعل الحرب". 
بدوره، يقول مدير المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في غزة، الطبيب فضل نعيم، لـ "العربي الجديد"، إن "الاحتلال الإسرائيلي دمر البنية التحتية بشكل واسع في شمالي القطاع ومدينة غزة، وطاول التدمير جميع المؤسسات الصحية، من مستشفيات وعيادات طبية. تدمير مجمع الشفاء الطبي الذي يخدم شريحة واسعة من المرضى والمصابين حول المستشفى الأهلي إلى مستشفى مركزي، وبات يقدم الخدمة لآلاف من المصابين والمرضى يومياً". 

ويشير نعيم إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي تعمد إخراج المستشفيات عن الخدمة عبر عمليات القصف الممنهج للأقسام، فضلاً عن قصف ألواح الطاقة الشمسية التي تمدها بالطاقة الكهربائية، ومنع إدخال السولار اللازم لتشغيل المولدات. مستشفى الأهلي المعمداني خرج عن الخدمة عدة مرات، وهو في كثير من الأحيان يخدم نحو نصف مليون نسمة، وهذا يفوق طاقته عدة مرات، وخلال فترة حصاره في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اعتُقل عدد من الطواقم الصحية العاملة فيه". 

كرر جيش الاحتلال استهداف المستشفى الإندونيسي (محمد أحمد/فرانس برس)
كرر جيش الاحتلال استهداف المستشفى الإندونيسي (محمد أحمد/فرانس برس)

ويضيف: "أزمة السولار والمحروقات عموماً تعتبر واحدة من أبرز المعوقات التي تواجه المراكز الصحية، إذ تضطر الطواقم في كثير من الأوقات لتقليص عدد الأقسام العاملة، وإيقاف بعض الأجهزة المخبرية أو أجهزة الأشعة وأجهزة التعقيم الخاصة بالملابس. يعمل في المستشفى المعمداني حالياً ما بين 400 إلى 500 من الطواقم الطبية، وغالبيتهم من المتطوعين، مع الإشارة إلى وجود نقص كبير في أطباء بعض التخصصات المطلوبة في ضوء الحرب، ونحتاج يومياً إلى ما بين 700 إلى 1000 لتر سولار، بينما لا يتوفر من تلك الكميات سوى نسبة بسيطة لا تكفي لتشغيل المستشفى عدة ساعات، ما يجعلنا نعمل في ظل توتر كبير كوننا معرضين للتوقف عن العمل في أي لحظة". 
وخلال الشهور الأخيرة، سعى عدد من الجهات المانحة إلى إعادة تشغيل بعض المستشفيات، ومن بينها مستشفى الخدمة العامة في مدينة غزة، غير أن العملية البرية التي نفذها الاحتلال في حي الرمال ومنطقة تل الهوى أعادت تدمير ما رممته هذه الجهات. 
وقبل أيام، أعادت وزارة الصحة الفلسطينية تشغيل مستشفى غزة الأوروبي الواقع في شرق مدينة خانيونس بعد توقف لأكثر من شهرين بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية، وسط مخاوف من توقفه مجدداً عن العمل في ظل استمرار الحرب. 

وأعيد قبل أيام تشغيل قسم الاستقبال والطوارئ في مجمع الشفاء الطبي، والذي دمره جيش الاحتلال في مارس/آذار الماضي، وقالت وزارة الصحة إن القسم تم إعادة العمل فيه من خلال إعادة تأهيل ما دمره الاحتلال. 
يقول مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة في غزة، موسى عابد، لـ "العربي الجديد": "قام جيش الاحتلال بتدمير ثلثي المراكز الصحية الموجودة في القطاع خلال الحرب الحالية، وثلث العيادات والمراكز الطبية المتبقية تحاول الجهات الصحية في غزة إعادة تأهيلها كي تكون قادرة على تقديم الخدمة للمرضى والجرحى في ظل انتشار العديد من الأمراض والأوبئة في القطاع". 
ويلفت عابد إلى أنه "من أصل 10 مراكز صحية في محافظة خانيونس، لا تعمل سوى ثلاثة مراكز فقط، في حين تستقبل المراكز الصحية قرابة 20 ألف حالة مرضية يومياً. القطاع الصحي يحتاج إلى إعادة بناء متكاملة، خصوصاً المراكز الطبية التي تقدم خدمات الرعاية الأولية للمصابين بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري وغيرها. وجود هذا الضغط الهائل على المراكز الصحية التي تعمل في ظل انهيار المنظومة الصحية وتكدّس النازحين يمكنه أن يفاقم انتشار الأمراض، وقد شهد قطاع غزة أمراضاً لم تكن منتشرة مثل التهاب الكبد الوبائي وشلل الأطفال والعديد من الأمراض الجلدية".