مستشفى الموت... الفساد والإهمال يقتلان العراقيين

25 ابريل 2021
داخل مستشفى إبن الخطيب في بغداد (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

لم تنم غالبية العراقيين ليلة أمس. أولئك الذين ظنوا أن أحباءهم المصابين بفيروس كورونا ومرضى آخرين بأمان في مستشفى ابن الخطيب شرقي العاصمة بغداد، أخطأوا التقدير، بعدما حوّلهم حريق اندلع نتيجة الإهمال والفساد من مرضى إلى موتى. وحتى مساء اليوم تأكد سقوط نحو 90 قتيلاً بينهم مرضى وأطباء وموظفون صحيون، وإصابة أكثر من 110 آخرين. كما قرّر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إيقاف وزير الصحة حسن التميمي ومحافظ بغداد محمد جابر عطا ومدير صحة الرصافة عبد الغني الساعدي عن العمل، وإحالتهم الى التحقيق على إثر الحريق.
التقارير الصادرة عن مديرية الدفاع المدني، التي كان دورها خجولاً بالمقارنة مع الأهالي الذين هرعوا إلى المستشفى لإنقاذ النزلاء والمرضى بعدما طوقت النيران الدور الثاني من المستشفى، بما فيه قسم العناية المركزة حيث يرقد مرضى كورونا، أفادت بأن الحريق سببه انفجار أسطوانة أكسجين في ردهة خاصة بمصابي كورونا في الدور الثاني، أدى إلى انفجار أسطوانات أخرى لتنتقل النيران بسرعة كبيرة إلى بقية أقسام المستشفى. وحاصرت النيران قسم العناية المركزة ووحدة الطبابة والصيدلية خلال وقت قياسي.
وكان لافتاً خلو المستشفى من نظام مكافحة الحرائق وأجهزة الإنذار المبكر ومخارج الطوارئ، ليحاصر المرضى ومرافقوهم داخل الممرات والغرف المغلقة. على الطريق الدولي السريع جنوبي بغداد، المتجه إلى مدينة النجف، اصطفت 11 سيارة تحمل على سقفها توابيت لضحايا قضوا في حريق المستشفى، لنقلهم إلى مقبرة وادي السلام حيث مثواهم الأخير. شقيق علي حياوي (46 عاماً) الذي يرقد في أحد تلك التوابيت، وهو متزوج منذ عامين ولديه طفلة. يقول علي لـ"العربي الجديد" إن شقيقه كان يعمل في قسم العناية المركزة، وقد توفي مع طبيبتين وعدد من الممرضين. يضيف: "نعدّ محظوظين لاستخراج الجثمان سليماً، فهناك جثث لضحايا احترقت واختفت ملامحها بالكامل". أما خميس الفتلاوي (65 عاماً)، فما زال يبحث عن ابنه محمد (40 عاماً). يقول لـ "العربي الجديد" إن ابنه أدخل العناية المركزة بسبب معاناته من صعوبة في التنفس، وما زال يحاول معرفة مصيره. يتابع: "نجا ابني من حرب عام 2003 ومن تفجير سيارة مفخخة في عام 2006. وفي حال موته، فهذا يعني أن الحكومة هي من قتلته ولا أحد غيرها"، متهماً وزارتي الداخلية والصحة بانعدام الشعور الإنساني والكذب وعدم الاكتراث لذوي الضحايا. 

ويقول أحمد عباس الذي فقد والديه في الحريق لـ "العربي الجديد" إنّه لن يسامح أحداً. "قتلوهم... قتلوهم بفسادهم وكذبهم. الأحزاب الدينية تسرق وتقتل أيضاً. جميعهم فاسدون". وتسبب الحريق بوفاة عائلات بأكملها، إذ كان من بين الضحايا رجل وزوجته واثنان من أبنائهما كانوا قد أصيبوا جميعاً بفيروس كورونا وأدخلوا إلى قسم العناية المركزة قبل ساعات فقط من اندلاع الحريق. إلى ذلك، يقول مسؤول في مديرية الدفاع المدني في بغداد، رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إنه سبق أن وُجهت ملاحظات إلى المستشفى حول نظام الحماية من الحرائق فيه، وطُلبَ من وزارة الصحة إدخال تحديثات عليه لكونه من أقدم مستشفيات بغداد، لاسيما في ما خص مخارج الطوارئ ونظام إطفاء الحرائق ونظام الإنذار المبكر. واللافت، بحسب ما يشرح، أنّ "الحريق اندلع في أقسام من المبنى من دون أن يشعر به آخرون كانوا في أقسام أخرى، الأمر لذي لم يسمح لهم بالفرار باكراً". ويحمّل مسؤولية الفاجعة إلى وزارة الصحة أولاً، بسبب سوء تخزين وتعبئة أسطوانات الأكسجين وفحص صمّامات الأمان ومقاييس الضغط، بالإضافة إلى بناء المستشفى نفسه ووضعه العام، معتبراً أن الجريمة تندرج في إطار الفساد المالي الذي ينخر الوزارة منذ سنوات. 
من جهته، يقول عمر طالب الطائي، وهو شاهد عيان وأحد الذين شاركوا في عملية إخلاء النزلاء، إن "قسماً من المرضى توفوا اختناقاً وليس احتراقاً". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "جيران المستشفى هم من أخرج غالبية المرضى، ولولاهم لكانت الحصيلة كارثية. كسرنا الأبواب والنوافذ وتسلقنا السطوح لإخراج الناس. وقضى كبار السن الذين لم تساعدهم أعمارهم على الركض أو القفز، وخصوصاً النساء". 

يبكي الضحايا (مرتضى السوداني/ الأناضول)

يشير الطائي إلى أن من بين الضحايا أطباء وموظفين صحيين، بالإضافة إلى المرضى الراقدين في المستشفى، لافتاً إلى أن "الجريمة مكتملة الأركان عنوانها الإهمال أو الفساد أو التسيّب من الحكومة". ويتحدث عن وفاة أحد المسعفين المتطوعين اختناقاً خلال محاولته إخراج مريض، فحاصرتهما النار معاً ولفظا معاً أنفاسهما الأخيرة. ويفترض أن تصدر السلطات العراقية، يوم غد الاثنين، بياناً يتضمن نتائج التحقيق بالحادثة بحسب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي أعلن الحداد العام في البلاد لثلاثة أيام، وقال إن الحادثة "تمسّ الأمن العراقي ولن تمر بسهولة". 
ومع إقالة الحكومة عدداً من المسؤولين في وزارة الصحة، يعقد البرلمان جلسة بعد ظهر الاثنين لبحث الحادثة، وسط تسريبات عن بدء حراك برلماني لجمع تواقيع من أجل استجواب وزير الصحة حسن التميمي، الذي يواجه اتهامات سابقة بالفشل في إدارة أزمة جائحة كورونا والتأخر في التعاقد مع الشركات المصنعة للقاحات. وأصدر مسؤولون عراقيون بيانات تعزية في الفاجعة، أبرزهم الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي وقادة القوى والكتل السياسية. وقد أثارت هذه البيانات حفيظة الشارع العراقي الغاضب الذي يحملهم مسؤولية الفساد والإهمال الذي ينخر بالمؤسسات الصحية. 

وهدّدت نقابة الأطباء بالإضراب رداً على الحريق الذي أودى أيضاً بحياة عدد من الأطباء والعاملين الصحيين. وقالت في بيانها: "إذ نتألم كثيراً لما حصل من استشهاد عدد من المواطنين من بينهم زملاء لنا كانوا بمستوى عال من التضحية والالتزام، تذكرنا حوادث أخرى في مؤسساتنا سببها خلل في المستويات الحكومية كافة والتي لم تراقب متطلبات السلامة المهنية في مؤسسات قد غادرها زمن الصلاحية ولن يقطنها إلا المرضى المحتاجون ولن يعمل بها إلا الأطباء المتطوعون أو من يفرض عليهم الواجب". وطالب البيان الحكومة "بتأمين متطلبات السلامة الكاملة في المستشفيات العراقية وإلا فلن نقبل مستقبلاً العمل في ظروف مشابهة وخطر كهذا مهدد للمساكين بما فيهم الأطباء". من جهتها، طالبت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، بإقالة حسن التميمي وزير الصحة المدعوم من التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، ووصفت الحادثة بـ "الجريمة".

يودع فقيده (علي نجفي/ فرانس برس)
يودع فقيده (علي نجفي/ فرانس برس)

وانتقدت، في بيان، إجراءات السلامة والأمان في مؤسسات وزارة الصحة والبيئة "باعتبارها المعنية والمرتبطة مباشرة بحياة الإنسان، خصوصاً في الظروف الصعبة الاستثنائية التي نعيشها". تجدر الإشارة إلى أن مستشفى ابن الخطيب يقع شرقي بغداد في منطقة تعرف باسم ناحية جسر ديالى. بدأ بناؤه عام 1959، وافتتح عام 1962. في ذلك الوقت، اختير موقعه ليكون عند أطراف بغداد وفي منطقة زراعية مفتوحة، إلا أن التمدد السكاني جعل المستشفى اليوم وسط أحياء سكنية مكتظة. وانتقلت إدارة المستشفى من الجيش العراقي إلى وزارة الصحة، إلا أنه لم يشهد أي تطوير أو تأهيل منذ نحو 18 عاماً. 

المساهمون