بدلاً من أن يكون مستشفى العريش العام الأكبر في محافظة شمال سيناء شرقي مصر، مركزاً صحياً يخدم عشرات آلاف المواطنين من سكان المحافظة، تحول إلى مكبّ للنفايات، ما يهدد بكارثة صحية في حال عدم تدخل الجهات الصحية العليا لمراقبة الوضع في المستشفى وتحسين الوضع الإداري والصحي فيه.
في باحة المستشفى الخارجية عشرات أكياس النفايات العادية وتلك الطبية، وذلك إلى جوار المباني التي يرقد فيها عشرات المرضى، وسط إهمال من قبل إدارة المستشفى على الرغم من مناشدة أهالي المرضى والزوار المستشفى خلال الأيام القليلة الماضية إيجاد حل للأزمة، مع الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتجمع فيها النفايات داخل المستشفى وفي محيطها، في تجاهل واضح لصحة المرضى.
يقول والد أحد المرضى الموجود في المستشفى لـ "العربي الجديد": "منذ أيام، لم تُزل النفايات من داخل المستشفى وباحتها الخارجية إلى المكان المخصص لها، والسبب هو إهمال مسؤولي المستشفى، وذلك على الرغم من مطالبة الأهل بضرورة التحرك في ظل تحول المستشفى إلى مكان يشكل خطراً على الصحة". ويشير إلى أن الروائح الناتجة عن النفايات وصلت إلى داخل أروقة المستشفى، عدا عن انتشار الحشرات والقوارض". يضيف: "يبدو أن حياتنا رخيصة جداً لدى المسؤولين. ألا يكفي ضعف الخدمات داخل المستشفى لتلاحقنا النفايات في باحاته؟".
ويشير إلى أن أكياس النفايات تزداد مع مرور الوقت بسبب نقل كل النفايات الناتجة عن المستشفى إلى باحتها الخارجية، على الرغم من إبلاغ المسؤولين بضرورة تدارك الموقف. ويوضح أن بعض النفايات الطبية الناتجة عن غرف العمليات وضعت في أكياس تم رميها في الباحة الخارجية من دون مراعاة بروتوكول النفايات الصحية الخطرة التي يستلزم التعامل معها بحسب إجراءات خاصة تحول دون انتقال أي عدوى أو أمراض بين المرضى ومرافقيهم والزوار". ويطالب مسؤولي وزارة الصحة والسكان بضرورة التحرك فوراً لإنهاء المهزلة التي تشهدها المستشفى أخيراً.
من جهته، يقول محافظ شمال سيناء الدكتور محمد عبد الفضيل شوشة، إن الوحدات الصحية هي أول خدمة طبية تقدم للمواطنين في شمال سيناء. لذلك، هناك اهتمام كبير بها، مشيراً إلى تطوير 4 مستشفيات مركزية في مراكز شمال سيناء المختلفة، بالإضافة إلى مستشفى العريش العام الذي يعد من أكبر المستشفيات التي شهدت أعمال تطوير على ثلاث مراحل: انتهت المرحلة الأولى منها بكلفة 380 مليون جنيه (نحو 19 مليون دولار) وتم البدء في المرحلة الثانية.
يشار إلى أن محافظة شمال سيناء تعاني من إهمال طبي مزمن على الرغم من حالة الطوارئ التي كانت تعيشها، إثر العمليات العسكرية للجيش المصري لملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" منذ عام 2013. إلا أن القيادة العسكرية في سيناء غير مهتمة بتطوير القطاع الصحي في المحافظة في ظل وجود مستشفى العريش العسكري ذي القدرات العالية والقادر على استقبال الحالات الخطرة وإجراء العمليات الجراحية، ليبقى المواطنون من دون رعاية صحية مناسبة أو اهتمام صحي في ظل ضعف القطاع الصحي في المحافظة، لا سيما مستشفى العريش العام الذي يخدم العدد الأكبر من المرضى.
وخلال تفشي فيروس كورونا الجديد، كشفت "العربي الجديد" عن وصول الإهمال الطبي إلى أقصى درجاته، بعد توثيق إلقاء نفايات مستشفى العريش العام المخصص لعزل مصابي كورونا في المحافظة بأكملها والشوارع العامة، من دون أيّ اكتراث لخطورة ذلك على صحة المحافظة بأكملها، في وقت غاب الاهتمام بشكاوى المواطنين من سكان المنطقة.
وتعقيباً على ما سبق، يقول مسؤول إداري في مستشفى العريش العام رفض الكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد" إن مشكلة النظافة لا تقتصر على المستشفى فقط، بل هي حالة عامة في مدينة العريش في ظل غياب خطة حكومية للتعامل مع النفايات في المدينة، الأمر الذي يؤدي إلى تكدسها في الشوارع، وقد تحولت بعض المناطق السكنية إلى مكبّ للنفايات، ما حال دون التصرف بالنفايات الناتجة عن المستشفى. ويحمّل جميع المؤسسات الحكومية في سيناء المسؤولية في ظل المطالبات المتكررة بإيجاد حل لتصريف النفايات في الأماكن المخصصة لها، لخطورة بقائها على الصحة.
يضيف أن مشهد النفايات في باحة المستشفى الخارحية "مخز للغاية" ولا يمكن لأي مسؤول حكومي التعقيب عليها أو تبريرها كونها تعكس تقصيراً عاماً في العمل الحكومي في المحافظة، وليس في عمل إدارة المستشفى فحسب. ويشير إلى أنه بعد وصول الصور إلى وسائل إعلامية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ستبحث إدارة المستشفى وبالتعاون مع مديرية الصحة في المحافظة عن حل دائم لهذه النفايات، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة في جمع النفايات وترحيلها إلى خارج حدود المدينة، في ظل رفض من قبل أهالي الشيخ زويد لتشغيل محرقة النفايات الطبية في مستشفى الشيخ زويد نظراً إلى الأضرار الصحية الناجمة عن ذلك.
يشار إلى أن سكان مدينة العريش يشكون من ضعف الإمكانيات الصحية المتوفرة في مستشفى العريش العام، وضعف الكادر الطبي العامل فيها، على الرغم من قدوم أطباء من مستشفيات جامعية عدة إليها أسبوعياً، ليضاف ذلك إلى الإهمال الذي تعاني منه محافظة شمال سيناء بأكملها على الصعد: التعليمي والصحي والبيئي والاقتصادي. ما سبق جعل سكان المحافظة يعيشون ظروفاً إنسانية واقتصادية سيئة للغاية، في ظل الواقع الأمني الاستثنائي الذي عاشته المحافظة على مدار تسع سنوات مضت.
ويفوق عدد سكان مدينة العريش حاجز الـ 200 ألف نسمة، يضاف إليهم عشرات آلاف سكان مدينتي رفح والشيخ زويد، الذين يستفيدون من الخدمات الحكومية في العريش، بما في ذلك الخدمات الصحية المقدمة في مستشفى العريش العام. بالتالي، تطاول المعاناة أكثر من ربع مليون مواطن مصري في شمال سيناء، إلا أن ذلك لا يبدو كافياً لتحرك الجهات الحكومية لتدارك الأزمة وإيجاد حلول جذرية وتحسين الوضع الصحي في مستشفيات ومراكز الصحة في شمال سيناء، التي لا تزال تعاني من آثار العمليات العسكرية للجيش المصري، وهجمات "داعش".