أنشأت المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري آلاف الوحدات السكنية مختلفة المساحة والتصميم، ونقلت إليها عشرات الآلاف من سكان المخيمات، لكن ما زالت الكثير من الأسئلة مطروحة حول الشروط الهندسية لبناء هذه الوحدات والتجمعات السكنية، وما إذا كان تنفيذها مطابقاً للمواصفات.
وفي حين اختبرت كارثة الزلزال الأخيرة كثيراً من هذه المساكن، والتي لم تتضرر بشكل كبير مقارنة بغيرها من المناطق السكنية، يظل الوضع الخدمي في تلك التجمعات السكنية محل انتقادات.
تقيم أميرة الإمام في تجمع "قرية السلام" الذي أنشأه وقف الديانة التركي قرب بلدة دير حسان، في شمال إدلب، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع في القرية جيد، وزارها فريق هندسي بعد الزلزال للتأكد من سلامة الوحدات السكنية. التشققات التي ظهرت بعد الزلزال ليست كبيرة، ولا تؤثر على الأبنية بحسب ما أخبرنا المهندس، والوضع الخدمي جيد، فالقرية مخصصة للأرامل، وكثير من المنظمات تؤمن الاحتياجات بشكل مجاني، كالماء والخبز وغاز الطهي، وتوزع المنظمات أيضاً سلة غذائية شهرياً. لا شيء يعوض المسكن الأصلي، لكن هذه التجمعات السكنية أفضل كثيراً من المخيمات".
استحق عبد الكريم أيوب الإقامة في تجمع مساكن الكمونة، شمالي إدلب، والذي أشرفت على تنفيذه هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد"، بسبب الوضع الكارثي للمخيم الذي كان يقطنه مع عائلته، خصوصاً بعد العواصف المطرية التي دفعت كثيرين للمطالبة بإيجاد بديل للمخيمات، وهو ما التقطته المنظمات الإغاثية والتنموية في الشمال السوري، لتقوم ببناء الكثير من الوحدات السكنية في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة.
ويقول أيوب المهجر من بلدة التح في ريف إدلب، لـ"العربي الجديد": "تنفيذ المساكن ليس مثالياً، فالأسقف متشققة، ولا تمنع دخول مياه الأمطار في الشتاء، والتشققات في الجدران كانت قائمة قبل الزلزال، وزادت بعده، والبنية التحتية سيئة، فالطرق ترابية، والكثير من الخدمات غائبة، وعلى رأسها المدارس، وأطفالنا يذهبون إلى مدارس المخيمات والتجمعات القريبة، كما أن المساعدات الغذائية لا تصلنا بشكل مستمر".
نزحت هدى قاسم عواد من مدينة الزبداني بريف دمشق، وتقيم في تجمع بنته منظمة جنوب أفريقية، كونها معتقلة سابقة، وأبدت في حديثها لـ"العربي الجديد" رضاها عن المسكن، مشيرة إلى أنها انتقلت إليه قبل أيام من الزلزال من منزل كانت تسكنه بالإيجار، وأن التجمع يضم مرافق خدمية كالمدارس.
ويقول مسؤول المناصرة في جمعية "عطاء" للإغاثة، سارية عقاد، لـ"العربي الجديد": "المنظمات التي تتولى مشاريع الإسكان البديلة تقوم بتنفيذ ثلاثة أنواع منها، الأول هو مساكن داخل المخيمات بجدران وأسقف بلاستيكية أو شوادر، وهي مطابقة للمواصفات المحددة من قبل الأمم المتحدة، والنوع الثاني هو المساكن التي تعد بمثابة مراكز إيواء جماعية، أما الثالث فيتمثل في شقق داخل أبنية من طابقين أو ثلاثة بحد أقصى".
يضيف: "النوع الأخير من المساكن تكون له مواصفات هندسية قياسية، وكثير من المنظمات التي لا تحصل على دعم دولي أو أممي قامت بالبناء اعتماداً على التبرعات الشخصية المباشرة للأفراد. سلمت منظمتنا العديد من هذه المساكن لمستحقيها، وجرى فحصها جميعاً بعد الزلزال، وتأكدنا أن جميع المساكن لم تتأثر بشكل كبير، وإن ظهرت بعض التشققات في جدران بعض المساكن، لكن الأساسات والأعمدة بحالة ممتازة، وجميعها صالحة للسكن".
وحول إمكانية نقل سكان المخيمات كافة إلى تجمعات سكنية يجري تنفيذها لاحقاً، يوضح عقاد أن "الأراضي موجودة، لكن يشترط الحصول عليها بطريقة قانونية، وإقامة مزيد من المساكن يتوقف على المتبرعين والداعمين وحملات المناصرة لهذه المشاريع، ولا ننكر أن المطالبات بزيادة تلك المشروعات تزايدت بعدما ترك الكثير من الناس منازلهم بسبب الزلزال، ويبقى نقل النازحين من المخيمات إلى مساكن في المتناول في حال توفرت الإرادة لذلك، فمتوسط التكلفة نحو 5 آلاف دولار للشقة أو المنزل متوسط المواصفات، مع بنية تحتية متكاملة تشمل الصرف الصحي، لكن التحدي الأكبر يبقى في توفير البنية التحتية الخدمية للتجمعات، كالمدارس والطرق والمرافق الصحية، فالكثير من المنظمات قامت بإنشاء التجمعات في مناطق بعيدة، وتركتها من دون خدمات. المنزل يوفر سكناً كريماً للعائلة النازحة، لكن الخدمات والمرافق أساسية للحياة".
ويشير إلى أن استحقاق هذه المساكن يتوقف أحياناً على شروط المتبرعين، فبعضهم يستهدف سكان مخيم بعينه، ويتبرع بالمال لبناء منازل لنقلهم جميعاً، أو يحدد مجموعات من المرضى أو أصحاب الإعاقة، وعلى سبيل المثال، لفتت طفلة نظر المتبرعين في أحد المخيمات، فقام متبرع بتولي نفقات نقل جميع سكان المخيم الذي تقيم فيه، أما في الأحوال العادية، فالأولوية لسكان المخيمات التي تعاني من أوضاع سيئة، ثم تتصدر الأولويات الأرامل والأيتام وأصحاب الإعاقة.
وأشرفت "هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية" على تنفيذ العديد من القرى السكنية في ريف إدلب، من بينها قرية الإحسان في بلدة الفوعة، وقرية يافا البرتقال في منطقة بابسقا، وتجمع الكمونة قرب سرمدا، وقرية حيفا الكرمل في منطقة جبل كللي. ويقول مسؤول الإعلام في الهيئة، محمد صفية، إن دورها يقتصر على الإشراف وتقديم الملاحظات للجهات الممولة والجهات المنفذة، بالإضافة إلى إعداد قوائم بالعائلات، وإتاحتها للجهات المعنية في المنطقة، ويجري نقل العائلات من الخيام إلى هذه المساكن، من خلال التشبيك مع الجهات الداعمة، مع الإشارة إلى أن هذه القرى شُيّدت بتبرعات الأهالي في الداخل الفلسطيني.
ويتابع: "لم تسجل أية حالة تضرر من الزلزال في القرى التابعة لنا، خاصة قرية حيفا الكرمل التي أثيرت حولها الكثير من الشائعات، وبالنسبة للخدمات، فهي تتفاوت من قرية إلى أخرى، فقرية حيفا الكرمل تحتاج إلى مدرسة، وفيها مسجد عبارة عن خيمة كبيرة، وقبل الزلزال أنشئت فيها نقطة طبية، لكنها لم تفعّل بعد، بسبب الانشغال بتبعات الزلزال، وتحتاج قرية الإحسان في الفوعة إلى مدرسة، رغم قربها من الأحياء السكنية، ومسألة توفير الخدمات للقرى معقدة بالنسبة للمانحين، فهم يقولون إن بإمكانهم تمويل بناء مدرسة، لكن لا قدرة لديهم على تأمين ميزانية تشغيلها، وعندها تقع مسؤولية تشغيل المرافق على السلطات المسيطرة في الشمال السوري".
وباتت المساكن التي تبنيها الهيئة تأوي الكثير من اللاجئين الفلسطينيين الذين غادروا مناطق سيطرة النظام، أو هجروا منها، لكن صفية يؤكد: "لا نفرق في هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية بين فلسطيني وسوري، فالكل يعيشون جرحاً واحداً، ونعمل قدر استطاعتنا على تأمين المساعدات لأهلنا في الشمال السوري، وبالنسبة للقرى السكنية التي أشرفنا على بنائها، فإنه يقيم فيها الفلسطيني والسوري جنباً إلى جنب، ويجري هذا بالتنسيق مع الجهات المعنية في المنطقة".
ويضيف أن "جهود المنظمات انصبت خلال السنوات الأخيرة على إنهاء حالة العيش في خيام بمناطق الشمال السوري، لكن الزلزال الذي ضرب المنطقة، والدمار الكبير الذي تسبب به، أعاد فكرة الخيمة بقوة إلى المشهد، بل أصبحت مطلباً مصيرياً لكثير من الناس الذين فقدوا منازلهم، أو الذين تعرضت منازلهم لتصدعات كبيرة. الحقيقة أن إنهاء حالة الخيمة يحتاج إلى إرادة دولية حقيقية، وخلال 11 سنة من عمر الصراع السوري، لم يتمكن المجتمع الدولي من إيجاد حل لهذه المسألة، ومع كارثة الزلزال أصبحت المشكلة أكبر من قدرات المنظمات، والحل يكمن في تدخل دولي لإعادة إعمار المناطق المنكوبة، وإيجاد حل سياسي عادل يتيح للمهجرين العودة إلى بلداتهم وقراهم التي هجروا منها، وتعويض من فقد ممتلكاته، بسبب قصف النظام وحلفائه".