مساجد الجزائر... تنافس على الأصوات الشجية في تراويح رمضان
- اللجان الدينية ومديريات الشؤون الدينية تبدأ بالتخطيط لاختيار المقرئين قبل رمضان بأسابيع، من خلال مشاهدة تسجيلاتهم أو متابعتهم عبر مواقع التواصل، وإجراء اختبارات للتأكد من التزامهم بالقراءة الصحيحة.
- قصص ملهمة لمقرئين مثل "سديس الجزائر" وعبد العزيز سحيم تعكس الدور الكبير للمقرئين في تعزيز الروحانيات والخشوع في صلاة التراويح، وتشير إلى الدعم الكبير من المجتمع ورجال الأعمال لتكريم وتشجيع المقرئين.
تتهافت مساجد الجزائر خلال شهر رمضان على المقرئين من أصحاب الصوت الجميل، وتتنافس هيئات إدارة المساجد واللجان الدينية على الاتفاق مع أفضل المقرئين لإمامة المصلين، خصوصاً في صلاة التراويح، ما يعني استقطاب أكبر عدد من المصلين.
وحين يتطوع غالبية المقرئين لأداء تلك المهمة الدينية، يُكافأ بعضهم في نهاية الشهر الفضيل من لجان المساجد والمصلين، أو يُتكفل بتنقلاتهم ومصروفاتهم من بعض الموسرين على أن ذلك نوع من دعم المساجد، أو تشجيع المقرئين.
وتطورت ظاهرة الاهتمام باستقطاب المقرئين في مساجد الجزائر بصورة لافتة خلال السنوات الأخيرة، وأصبح المصلون يختارون المساجد التي يؤدون فيها صلاة التراويح بسبب المقرئ، ويقبلون على ذوي الأصوات والتلاوة العطرة، خاصة ممن صنعوا شهرة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار القراء عبد العزيز سحيم، وياسين الجزائري، ومحمد نمير الملقب بـ"سديس الجزائر"، نسبة إلى إمام الحرم المكي وخطيبه، عبد الرحمن السديس، إضافة إلى الشيخ وليد مهساس، وآخرين ممن أصبحوا سبب تنقل المصلين إلى مسافات بعيدة للاستمتاع بقراءتهم الشجية التي تزيد من الخشوع في الصلاة، وتسهم في تدبر آيات الذكر الحكيم.
ويتم اختيار المقرئين والاتفاق معهم قبل أسابيع من حلول شهر رمضان، ويجري ذلك عبر اقتراح الأسماء على اللجان الدينية بعد أن تتم مشاهدة تسجيلات خاصة بهم، أو متابعتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحين يتم الاختيار، يجري الاتفاق معهم على إمامة المصلين، وبعد الحصول على الموافقة من القارئ، يتم وضع ملف خاص لدى مديرية الشؤون الدينية لإجراء اختبار من طرف لجنة مختصة قبل الإجازة.
ويؤكد رئيس المجلس العلمي لمديرية الشؤون الدينية والأوقاف في محافظة تيبازة، بن عام محمد، لـ"العربي الجديد"، أن "اللجان الدينية وبعض المحسنين يقدمون ملفات إدارية للمقرئين المقترحين لإمامة المصلين، ويتم تحديد أيام خاصة لإجراء اختبار، والوقوف على مدى الالتزام بقراءة (ورش)، وكل هذا يتم بعد الموافقة المبدئية للإمام المعتمد، ليتم في النهاية منح رخصة أو تكليف قانوني لإمامة صلاة التراويح في رمضان. عدد المترشحين لإمامة المصلين في التراويح يزداد بين سنة وأخرى، خاصة مع تخرج العشرات سنوياً من مختلف المعاهد والمدارس القرآنية، والتي تلعب دوراً كبيراً في اكتشاف هذه المواهب".
في منطقة بو إسماعيل (50 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائر)، يبرز الإقبال على المسجد العتيق، حيث يوجد المقرئ محمد نمير المعروف بصوته الرنان الشجي، والذي يستقطب آلاف المصلين من مختلف المناطق المجاورة، خاصة بعد أن ذاع صيته عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ما اضطر القائمون على المسجد إلى تنظيم المصلين في الخارج نظراً إلى الأعداد الكبيرة التي تتوافد على المسجد يومياً.
يقول نمير لـ"العربي الجديد": "تأثرت منذ الصغر بقراءات الشيخ عبد الرحمن السديس، وكنت أحاول تقليده، إلى أن وصلت إلى تقليده بتطابق تام، ولم أكن أتوقع هذه الشهرة، فقد كان بعض المصلين يصورونني أثناء تأدية صلاة التراويح، لأفاجأ بالعروض تهطل علي من مختلف المساجد، لكني رفضت التنقل بعيداً عن عائلتي وأهل منطقتي الذين احتضنوني في بداياتي".
أصبح الجزائريون يختارون المساجد التي يؤدون فيها صلاة التراويح وفق اسم المقرئ
ومن محافظة المسيلة، كان للقارئ عبد العزيز سحيم بصمته هذا العام، حين أمَّ المصلين في جامع الجزائر الكبير، وهو أكبر مسجد في قارة أفريقيا، والذي تم افتتاحه قبيل شهر رمضان من طرف الرئيس الجزائري.
وقد دار نقاش كبير على مواقع التواصل حول هوية المقرئ الذي سيؤم المصلين خلال الشهر الفضيل في المسجد الكبير، وقوبل اختيار سحيم بإعجاب وارتياح كثيرين، وترجم ذلك في التدافع الكبير لالتقاط الصور معه بعد انتهاء صلاة التراويح، كما أنه أصبح مطلوباً من المصلين عبر المحافظات المجاورة لمنطقة المسيلة، بعد الشهرة التي حظي بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول سحيم إن "محبة الجزائريين، وإمامتهم مسؤولية كبيرة، وأحاول في كل مرة أن أكون عند مستوى تطلعاتهم من خلال تنويع القراءات، والتحكم الجيد في مخارج الحروف، وإمتاع المصلين بأسلوب يليق بمقام كتاب الله".
ويفضل بعض المقرئين التنقل في رمضان، والصلاة في أكثر من مسجد، على غرار المقرئ ياسين الجزائري، والذي يعرف بتنقله عبر العديد من المساجد المعروفة، مفضلاً تلبية أكبر عدد من الطلبات التي تصل إليه من تلك المساجد، وفي كل مرة تعج المساجد التي يحل بها بالمصلين، وبعضهم يتبعونه إلى المساجد التي يصلي فيها.
ومع بروز هذه الظاهرة الإيجابية، برز عدد من المقرئين الشباب الذين يقلّدون كبار المقرئين المعروفين في العالم الإسلامي، على غرار القراء المصريين، وأئمة المسجد الحرام، ويظهر التقليد على مستوى نبرة الصوت، وطريقة القراءة، وطرق التحكم في مخارج الحروف، ليظهر التطابق في الأداء خلال مسابقات حفظ القرآن، وخلال صلاة التراويح، الأمر الذي يجذب المصلين.
وإضافة إلى لجان المساجد، يبرز في هذا السياق دور رجال المال والأعيان في المدن والبلدات، من أجل استقطاب المقرئين، إذ يتولون التكفل بهم من حيث التنقل والحظوة، إضافة إلى تقديمهم إكراميات ومكافآت لهم تختلف بحسب طبيعة كل منطقة، فيتبرع رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات التجارية بأموالهم لتكريم المقرئين وحفظة القرآن، في تقليد سنوي محمود، كما يعمد بعض حكام الولايات والمسؤولين إلى توفير رحلة عمرة للمقرئ، تعبيراً عن الاحترام والتقدير له ولكتاب الله، ما يبرز الارتباط الكبير للجزائريين بالمساجد، وبقراءة القرآن وحفاظه.