مسابح الشمال السوري...بيئة صحية تخرق الحرمان

26 يوليو 2021
السباحة مع الأصدقاء متعة كبيرة (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يستطيع سكان محافظة إدلب الهرب من لهيب حرّ الصيف في مناطقهم إلى شواطئ البحر المعزولين عنها منذ سنوات، فيما لا تضم مناطقهم سدوداً أو بحيرات يمكن أن يقصدوها للاستجمام والترويح عن النفس، ما يجعل المسابح الملاذ الوحيد لهم من أجل إطفاء الحرّ، ونيل قسط من الراحة والهروب قليلاً من متاعب الحياة وضغوطها، وتعويض عدم وجود متنفس طبيعي يحرم أهالي المنطقة الإقامة في بيئة صحية وسط كثافة سكانية كبيرة.
تتنوع أشكال المسابح وأماكنها وخدماتها في محافظة إدلب. وتتيح لكل فئات السكان الوصول إليها بحسب الإمكانات المتوافرة. بعضها مخصص لعائلات تنشد خصوصية ملائمة من مسكن وملاعب ومتنزهات توفر متعة استجمام أكبر لأفرادها، وأخرى ذات طابع شبابي بكلفة منخفضة تستقطب مجموعات الأصدقاء.

يقول معتز، صاحب مسبح الزين غرب بلدة معرة مصرين في ريف إدلب لـ "العربي الجديد": "باتت المسابح المتنفس الوحيد لأهالي المنطقة بسبب عدم قدرتهم على الذهاب إلى شواطئ البحر، علماً أنه يمكن أن يقصدوا مناطق بعيدة، لكنهم يحتاجون إلى وسيلة نقل تزيد التكاليف عليهم. في المقابل، يمكن أن يتوجه أي شخص إلى أقرب مسبح في منطقته، وبعضها ذات مساحات كبيرة، علماً أن البعض يقصد مسابح موجودة في مزارع من أجل الحفاظ على خصوصية العائلة، باعتبارها مغلقة، على نسق الشاليهات الخاصة، ويمكن النوم في بعضها أيضاً". وعن التجهيزات الحديثة التي تتضمنها هذه المسابح، يوضح معتز أن "بعضها يتمتع بتجهيزات ممتازة، بينها خدمة الإنترنت وأماكن للنوم ومطابخ، وكل مستلزمات الراحة والترفيه، فيما تنقصها ألعاب مائية مخصصة للأطفال، ومنشآت رياضية متنوعة، ما يحتم رفع قيمة الاشتراكات اليومية والشهرية التي تعتبر متدنية".

تجهيزات متنوعة لمتعة الجميع (العربي الجديد)
تجهيزات متنوعة لمتعة الجميع (العربي الجديد)

المتعة الأكبر مع الأصدقاء
اعتاد الشاب عامر مصطفى من سكان إدلب أن يقصد المسبح برفقة أصدقائه في فصل الصيف، من أجل الترفيه وتخفيف وطأة درجات الحرارة المرتفعة. يتحدث لـ "العربي الجديد"، قائلاً: "حتى قبل الثورة، انتشرت المسابح بكثرة في إدلب لتعويض عدم وجود سدود مائية وبحيرات طبيعية. ويمكن استئجار مساحات في مسابح عائلية بمبالغ تراوح بين 50 دولاراً ومائة دولار، فيما يقصد الشباب مسابح شعبية ذات كلفة قليلة". وعن أهمية الذهاب إلى المسبح، يقول مصطفى: "الحرّ لا يطاق في الصيف، ولا يمكن إطفاؤه إلا بالماء، لذلك أتوجه مع أصدقائي إلى المسبح من فترة ما بعد الظهيرة حتى حلول الليل. وبعد التعب من السباحة، نتناول المشروبات الباردة. وبالنسبة إليّ، تشكل رفقة الأصدقاء المتعة الأكبر في الذهاب إلى المسبح". في المقابل، يشير عباس سليمان المهجّر من ريف حمص الشمالي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن الذهاب إلى المسبح يمنحه نوعاً من الراحة النفسية، ويعطيه فسحة للهروب من ضغوط الحياة والعمل، خصوصاً مع مرافقة الأصدقاء والأقارب. ويقول: "قبل الثورة، كنت أتمتع بالرحلات مع الأصدقاء إلى البحر، حيث نمضي أوقاتاً جيدة. لكننا محرومون ذلك منذ أكثر من عشر سنوات".

مهارات واستجمام لسكان إدلب (العربي الجديد)
مهارات واستجمام لسكان إدلب (العربي الجديد)

الريف المنعش
يلفت سليمان إلى أن منطقة عين الزرقا في دركوش بريف إدلب توفر أيضاً نوعاً من الراحة، في ظل تدفق مياه نهر العاصي فيها وانتشار الأشجار. يضيف: "السباحة في المياه الجارية الباردة صيفاً تمنحنا شعوراً بالانتعاش، وتخرجنا من ضغوط الحياة اليومية". وتضم منطقة دركوش في ريف إدلب أكثر من 400 مزرعة تقصدها العائلات في فترة الصيف. وتنتشر فيها مسابح توجد على النهر أو بعيداً عنه، ويقصدها يومياً بين 400 و500 شاب، علماً أن غالبية المزارع تحتوي على مسابح، بعضها للعائلات وأخرى مخصصة للشباب. وتُعتبر مسابح دركوش مقصداً لجميع سكان المنطقة الغربية من ريف إدلب. وزاد عددها بعد عام 2011، وتكمن أهميتها في كونها موقعاً سياحياً ومتنفساً وحيداً للأهالي من الحرّ الشديد.
ويعترف مجلس الأمم المتحدة للبيئة، بحسب بيان أصدره في مارس/ آذار الماضي، بحق تمتع الإنسان ببيئة صحية، الذي يُحرم منه الآلاف في شمال سورية، وبينهم سكان المخيّمات.

ويورد بيان المجلس: "يواجه العالم أزمة بيئية ثلاثية تتمثل في تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث، في وقت تعتمد حقوق الأجيال الحالية والتالية على توفير بيئة صحية تدعم الجهود الرامية إلى عدم ترك أي شخص يتخلّف عن هذا الحق، وضمان الانتقال العادل إلى عالم بيئي صحي، ينصف الجميع اجتماعياً، ويكرّس حقوقهم".

المساهمون