بدا واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية تعمّد الاحتلال الإسرائيلي قصف المزارعين الفلسطينيين في قطاع غزة، خلال العدوان المتواصل على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ تتعمّد طائرات ومدفعية الاحتلال قتل المزارعين خلال محاولاتهم الوصول إلى مزارعهم في مناطق القطاع كافة.
لا يترك الاحتلال شيئاً في غزة بلا قصف، إذ تعرضت للقصف المساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والمقابر والمراكز الخدمية والحكومية، ومراكز إيواء النازحين، والأبراج السكنية، ومخيمات اللاجئين، فجميع المناطق كانت مسرحاً لمجازر لم تتوقف بعد.
يقول المزارع ياسين معمر لـ"العربي الجديد" إن عدداً من المزارعين العاملين معه شرقي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، تعرضوا لقصف إسرائيلي بشكل مباشر، رغم أنهم كانوا يعملون داخل أراضيهم، وفي وضح النهار، وكان من ضمنهم فتية صغار يعملون على جني المحاصيل الخاصة بهم، ما أدى إلى استشهاد اثنين منهم، وإصابة ستة آخرين بجروح متفاوتة.
يضيف معمر: "أنا مضطر إلى الذهاب إلى مزرعتي رغم تواصل القصف الإسرائيلي على مناطق قطاع غزة كافة، وهذا لأكثر من سبب، أهمها رغبتي في إيصال المزروعات إلى أسواق مدينتي رفح وخانيونس اللتين يبحث فيهما المواطنون عما يسد رمقهم في ظل الاحتياج الكبير للمواد الغذائية والخضراوات نتيجة الحصار الإسرائيلي، والوضع تفاقم بسبب الأعداد الكبيرة التي نزحت من شمال القطاع إلى جنوبه، وكذلك عدم مقدرة عشرات المزارعين على الوصول إلى أراضيهم في ظل استمرار القصف، والمخاطرة الكبيرة التي تترافق مع أي محاولة للوصول إلى المزارع".
لم يستطع نضال أبو جراد الوصول إلى مزرعة الدواجن الخاصة به شرقي مدينة رفح، نتيجة القصف المدفعي والجوي الذي لم يتوقف منذ بداية العدوان، ما أدى إلى نفوق كثير من الدواجن من قلة المياه والطعام، ويقول لـ"العربي الجديد": "ما كان لدي من طعام وشراب للدواجن نفد، ولم أستطع جلب المزيد في ظل إغلاق المعابر نتيجة الحصار والحرب، وكنت أحاول توفير أي شيء، لكن لاحقاً لم أتمكن من الوصول إلى مزرعتي، ما أدى إلى نفوق عدد كبير من الدواجن".
وفي تفاصيل الاستهداف الإسرائيلي للمزارعين الفلسطينيين، قالت مصادر طبية لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 25 مزارعاً استشهدوا في الغارات والقصف المدفعي على المناطق الشرقية لقطاع غزة خلال الأيام الماضية، مؤكدين تعمّد الاحتلال استهدافهم أثناء بحثهم عن لقمة عيشهم، ومحاولتهم إنقاذ مزروعاتهم من القصف الذي يطاول كل المناطق.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الاحتلال قصف في أحد الاستهدافات 10 مواطنين شرقي مدينة خانيونس، أثناء سعيهم للوصول إلى مزارع الدواجن الخاصة بهم، بهدف نقل الدواجن إلى السوق المحلي لبيعه، رغم بعد مكان القصف عن المنطقة الحدودية الفاصلة بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
يقول محمد الشاعر، وهو أحد أعضاء جمعية زراعية بجنوب قطاع غزة، لـ"العربي الجديد": "ما يقوم به المزارعون من محاولات للوصول إلى أراضيهم الزراعية رغم خطر الاستهداف الإسرائيلي يعدّ عملاً فدائياً في أتون العدوان الإسرائيلي على غزة، فالعوائل الفلسطينية في حاجة ماسة إلى أقل القليل من الخضراوات لتسد جوع أطفالها، في ظل الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها القطاع بسبب القصف المتواصل، وحرمان المواطنين من أبسط مقومات الحياة".
وأضاف الشاعر أن "المزارعين الشهداء هم أبطال حملوا أرواحهم على أكفهم لتوصيل ما جادت به أراضيهم إلى الأسواق لدعم صمود المواطنين في قطاع غزة، وخصوصاً في مناطق الجنوب، حيث باتت أعداد السكان ضعف ما كانت عليه قبل الحرب، في ظل إجبار الاحتلال الإسرائيلي المواطنين على ترك منازلهم في شمال القطاع والاتجاه جنوباً، وكذلك دفع المواطنين في المناطق الشرقية إلى وسط المدن، ما أدى إلى حالة طلب كبيرة على المواد الغذائية والخضراوات اللازمة لكل منزل، وكذلك لمراكز الإيواء التي تعج بالنازحين، في حين أن المعروض من الأغذية والخضراوات لا يوازي حجم الطلب".
وأدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى استشهاد نحو 10 آلاف فلسطيني، وإصابة أكثر من 22 ألفاً آخرين، جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، ويعيش سكان القطاع ظروفاً حياتية صعبة لعدم توافر أدنى مقومات الحياة من كهرباء ومياه وطعام وأدوية، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض، وقلة المساعدات الواردة عبر معبر رفح.