مرسيليا على حافة أزمة إنسانية مع تداعيات كوفيد-19

12 ديسمبر 2020
كلّ أسبوع توزّع الجمعية حوالي 85 طناً من المواد الغذائية (نيكولاس توكا/فرانس برس)
+ الخط -

في ساحة جوليان، في الحي النابض بالحياة والاحتفالات سابقاً في مرسيليا، هناك مطعم واحد مفتوح لتوزيع وجبات مجانية على الفقراء في ثاني مدن فرنسا التي تقترب من مواجهة أزمة إنسانية، كما تحذّر جمعيات. فمنذ فرض تدابير العزل الصحي للمرة الثانية في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، يلاحظ جيرار غرو، رئيس البنك الغذائي في بوش-دو-رون، "تزايداً كبيراً جداً للسكّان المحتاجين".

الأرقام هائلة: كلّ أسبوع توزّع الجمعية حوالي 85 طناً من المواد الغذائية. وما يدلّ على ذلك، وجود منظّمة العمل ضدّ الجوع غير الحكومية في مرسيليا منذ إبريل/نيسان خلال العزل الأول. وعلّق فرنسيس فيرنيد المسؤول في جمعية محلية "(العمل ضد الجوع) منظّمة كنت أراها في هايتي وليس في مرسيليا".

"جمهور جديد" 

جالساً على حافة في حي جوليان، حاملاً القهوة والوجبة التي حصل عليهما للتو من مطعم "نوغا" الذي يوزّع المساعدات، يقول يوسف مضوي إنّه كان يتدبّر أموره قبل الوباء عبر الحصول على أعمال بسيطة بأجر يومي غير مصرّح به. يقول هذا الجزائري، المقيم في فرنسا منذ 20 عاماً، "من الصعب جداً إيجاد عمل بأجر مستقرّ مصرّح به اليوم. ومنذ ثلاثة أشهر لم أعد أعمل على الإطلاق". من جهته، يقول فنان الشارع تسين أوغوستين إنّه كان يجمع 30 إلى 40 يورو يومياً في قبّعته مع عرض فقاعات الصابون، وفي الصيف أكثر من ذلك. لكن "الآن لم يبقَ لديّ شيء"، كما يروي هذا الألماني البالغ من العمر 50 عاماً والذي لم يعد قادراً على اصطحاب ابنه معه أيام السبت.

ويقول فرنسيس فيرنيد "لدينا جمهور جديد، عمّال فقراء موسميّون أو مؤقتون، أو هؤلاء الذين يملكون قدرة ادخار ضئيلة جداً. في السابق كانوا يتدبّرون أمورهم عبر الاقتصاد غير الرسمي، مثل رعاية الأطفال ومساعدة السوق وغسل الصحون في المطاعم". وأدّى إغلاق المطاعم، الذي تقرّر في مرسيليا في وقت أبكر من بقية أنحاء فرنسا، إلى تزايد هذه الظاهرة، لأنّه في هذه المدينة الساحلية ومدينة الهجرة، إحدى أفقر المدن وأكثرها انعداماً للمساواة في البلاد، "هناك تضامن قوي للغاية حيث إنّ كلّ تاجر يساعد ويقدّم شيئاً"، كما يقول باسكال بولغاريان، وهو يطبخ في مطعم "نوغا" الاجتماعي.

مع إغلاق المطاعم، قلّت المشروبات الساخنة ووجبات البطاطس المقلية والوجبات الموزّعة.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

 صعوبات للجمعيات

كما ألقت الأزمة الصحية بثقلها على أشخاص مثل إيزابيل أو فالرا.  إذ تقول، إيزابيل، المرأة البالغة من العمر 62 عاماً، وهي ضحية العنف، مفضّلة عدم كشف اسم عائلتها، إنّها غادرت منزل زوجها على أمل تحسين وضعها. وتضيف "لكن مع كوفيد-19 الآن، من الصعب العثور على عمل والمطالبة بالحقوق". وفي الاستوديو الخاص به، في حيّ نواي الشعبي، قرب المرفأ القديم، يهتم فالرا لوحده بابنه المصاب بإعاقة بعد أن بقيت زوجته عالقة في الجزائر. وقال: "لست قادراً على الاستمرار. لولا وجود الصغير، لكنت وجدت عملاً، كعامل زراعي أو أي شيء آخر". تشير الجمعيات أيضاً إلى الصعوبات الرئيسية التي يواجهها العديد من المتقاعدين أو الطلاب أو حتى السجناء السابقين، مثل دي. الذي يُضطر للنوم على أدراج متنزه لونشان، بعدما أُفرج عنه فجأة خلال العزل الأول.

بدأت الفرق الاجتماعية تشعر بالتعب، ويتساءل كثيرون عن الطريقة المستخدمة.

 موجة ثالثة؟ 

يقول لوران سيارابيلي، من منظمة كاريتاس الخيرية، إنّ "المساعدة الغذائية موضع تساؤلات، يجب أن نتصرّف بشكل مختلف. ليس بالضرورة أن نفعل المزيد دائماً، إنّما أن نفهم الفقر أولاً، وكيف يظهر، من أجل إيجاد رد".

تعود أحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء إلى عام 2017، وتشير إلى أنّ معدل الفقر في مرسيليا يبلغ 26%، وقد ارتفع بنسبة تصل إلى 53% في أحد الأحياء المحرومة. ويخشى كلّ المراقبين موجة ثالثة من الفقر في الأشهر المقبلة. في الأحياء الفقيرة في شمال المدينة، حوّلت جمعيات من المواطنين مطعم "ماكدونالدز" إلى منصّة تضامن. في الآونة الأخيرة، بات من الممكن رؤية أم عزباء فيها على سبيل المثال، أو مدير شركة مفلسة، قادمين من الأحياء الراقية. في نهاية الشهر، ينتظر البعض رزمة طعامهم اعتباراً من الفجر.

يشعر سليم كرابسي، من نقابة الأحياء الشعبية في مرسيليا، بالقلق ويخشى احتمال اندلاع أعمال عنف من جرّاء هذه الأزمة. ويقول: "لم أكن لأفكر أبداً أننا سنصل إلى هذا الوضع في فرنسا. في بعض الأحيان ينتابنا شعور بأننا في أحد البلدان الفقيرة".
(فرانس برس)

المساهمون