بات وجود المرتزقة الأفارقة داخل مناطق "الجفرة" الليبية الثلاث، وهي هون، وودان، وسوكنة، أمراً مألوفاً لدى السكان، على الرغم من إنكار قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي تسيطر على المنطقة، وجود أي مرتزق أجنبي فيها.
يتجول المرتزقة الأفارقة الذين يقاتلون في صفوف حفتر داخل المدن الثلاث بحرّية، يتسوقون من المحال التجارية، ويشاركون في تفاصيل الحياة اليومية. يقول عبد الرحمن القروي، وهو من سكان مدينة هون، لـ"العربي الجديد"، إنه قرر مغادرة الجفرة للإقامة في طرابلس احتجاجاً على "الاحتلال"، كما يصفه، مضيفاً أن "هؤلاء المرتزقة استقووا بالسلاح علينا، وباتوا يشاركوننا في كل شيء".
وعلاوة على التضييق الذي يعيشه الأهالي من جراء التصرفات الاستفزازية لمقاتلي "الجنجويد"، ومسلحين ينتمون إلى حركات تمرد أخرى، يؤكد القروي أن "بعض التجار الكبار يستخدمونهم لحماية أملاكهم الخاصة، أو مخازن شركاتهم بالتنسيق مع قادة مليشيات حفتر الذين يسمحون للتجار بالتعامل مع المرتزقة شرط توفير رواتبهم بعد تراجع القدرات المالية لقيادة حفتر.
ومن مدينة سوكنة، يقول منير، والذي فضل عدم ذكر اسم عائلته لدواع أمنية: "لقد أفسدوا كل شيء رغم مجاهرة الأهالي برفض وجودهم".
وشهدت مناطق الجفرة تكراراحتجاجات الأهالي، ففي يوليو/ تموز 2020، نظم أهالي مدينة هون احتجاجات بعد مقتل شاب أمام بيته برصاص أحد المرتزقة أثناء دفاع الشاب عن سيارته ضد محاولة سطو في وضح النهار، وفي الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، احتج أهالي المدينة مجدداً ضد تكرار اعتداء المرتزقة على المدنيين، وأقدم المحتجون على اقتحام مقر عسكري يضم عدداً من المرتزقة، وطلبوا أثناء احتجاجهم طرد المقاتلين الأجانب من مدينتهم.
وسادت في مدينة سوكنة حالة من الاحتقان أخيراً، بعد مقتل شاب على يد مسلح من الجنجويد، وانضم الأهالي إلى مطالب سكان مدينة هون بشأن ضرورة مغادرة المرتزقة، وتناقلت وسائل إعلام محلية أنباء عن اتفاقات بين الأهالي وقادة مليشيات حفتر، تعهدت خلالها الأخيرة بمنع المرتزقة من ارتياد المقاهي والأسواق.
ويسرد منير صوراً من إفساد المرتزقة لحياة الناس في مناطق الجفرة، موضحاً أن "مليشيات حفتر نقلت أعداداً من المرتزقة إلى مزراع خاصة في سوكنة، ما جعلهم يمنعون أصحاب المزارع من التصرف فيها. أكثر أشجار هذه المزارع هي النخيل التي تشتهر المنطقة بها"، ونقل عن الملاك أن المسلحين يقاسمون أصحابها محصول نخيلهم لقاء عدم تخريبهم للمزارع. "أشعر بمرارة حين أقول إنه لم يعد بإمكاننا الجلوس في المقاهي بآمان في مدننا، وحتى الأسواق العامة تجدهم يتجولون فيها".
وتضم منطقة الجفرة قاعدة جوية تفيد تقارير متواترة بأن أعداداً من المرتزقة الروس يتمركزون فيها، كما توجد أعداد من الروس في مدينة سرت الخاضعة لحفتر، لكن منير يؤكد أن قادة مليشيات حفتر اعترفوا بعدوانية المرتزقة الأفارقة أكثر من غيرهم، وأنهم سعوا أكثر من مرة لضبطهم.
وقدرت الأمم المتحدة أعداد المرتزقة، باختلاف جنسياتهم وأماكن تمركزهم، بنحو 20 ألف مرتزق، في حين تداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات في مناسبات مختلفة، تظهر تجولهم بحرية في مناطق الجفرة الثلاث، من بينها فيديو يظهر عدداً من الجنجويد وهم يتجولون بالقرب من محل حلويات، وآخرين أمام مصنع للتمور في منتصف مارس/ آذار الماضي.
ويعلق منير: "هذه الفيديوهات المتداولة جزء يسير مما رصدته كاميرات الحراسة الخاصة بأصحاب المحال التجارية، لكن الوضع أكثر سوءاً من ذلك، فأصحاب المحال لا يمكنهم منع هؤلاء المسلحين من التبضع، وغالبيتهم لا يدفعون مقابل ما يأخذونه من بضائع، ولا يملك التجار اعتراضاً خشية البطش".
وأخيراً، نشرت عملية "بركان الغضب" صوراً قالت إنها لآثار تدمير المرتزقة لحواجز تصريف المياه بالقرب من الجفرة، ويؤكد الأهالي أن سلطات مدن الجفرة الثلاث لا يمكنها منع تلك التصرفات.
وينتظر أهالي الجفرة حراكاً دولياً ضاغطاً بشأن إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد أخيراً، أن البلاد "لم تشهد أي تراجع في أعداد المقاتلين الأجانب، أو أنشطتهم"، موضحاً خلال تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الدولي، في منتصف مايو/ أيار الماضي، أنه "رغم الالتزامات التي تعهدت بها عدة أطراف محلية ودولية بشأن وقف تدفق المرتزقة إلى ليبيا، إلا إن أعدادهم في ازدياد".