مدونة الأسرة المغربية... تحديث بمقاربة ديمقراطية وتشاركية وعلمية

03 أكتوبر 2023
يجب أن تكون المدونة الجديدة قانوناً متناسقاً يضمن المساواة (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

تدخل مراجعة مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية) في المغرب مرحلة حاسمة في الأيام القادمة بعد إسناد مهمة الإشراف العملي على إعداد الإصلاحات لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، في مهمة تواجه امتحان التوفيق بين الخصوصيات المحلية والمرجعيات العالمية. وفيما عقدت اللجنة جلساتها الأولى، كان لافتاً تحديد العاهل المغربي الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حدود المراجعة بـ "إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها قضائياً نحو عشرين سنة، وتعديل المقتضيات التي تجاوزت فعلاً تطور المجتمع والقوانين الوطنية".
وشدد العاهل المغربي على أن "الاجتهاد البنّاء هو السبيل لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية، وفي حين تظل المرجعيات والمرتكزات بلا تغيير، وتتعلق بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام النابعة من الدين الإسلامي، والقيم المنبثقة من الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب". وكان صدور مدونة الأسرة شكل حدثاً بارزاً عام 2004 على ضوء حملة الضغط في سبيل النهوض بأوضاع الأسر وتحقيق توازنها، وحماية حقوق المرأة والطفل، والمساواة بين المرأة والرجل، وإعادة الاعتبار إلى مؤسسة الزواج ومسؤولية طرفيها.

انفتاح على المجتمع المدني والمتخصصين

وفي خضم النقاش الدائر حول المدونة، اقترحت جمعيات نسائية وحقوقية تعديلات في مواضيع بينها الميراث، والوصية، والإرث بالتعصيب، والكد والسعاية، وميراث الأجانب، وزواج القاصرات، وزواج المغربيات المسلمات بغير المسلمين، وحضانة الأطفال بعد الطلاق، وحق الزيارة، والتعويض عن المسكن، والنيابة الشرعية، والطلاق للضرر، وفترة ما قبل الطلاق، والنسب، والنفقة، والمتعة. وتقول الكاتبة الوطنية لمنظمة "النساء الاتحاديات"، حنان رحاب، لـ"العربي الجديد": "ننتظر منذ خطاب العرش عام 2002 ترجمة التوجيهات، ووضع خريطة طريق لتعديلات تتجاوز الاختلالات في مدونة الأسرة. ونرى اليوم أن جلالة الملك حسم الجدل حول آلية التعديل عبر جعله يمر من خلال قناتي الوزارة والبرلمان، وينفتح على المجتمع المدني والمتخصصين والمؤسسات المعنية بالملف". تضيف: "سيُساهم الانطلاق من الخبرات القانونية والقضائية لوزارة العدل ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في كسب الوقت، وتفادي الصياغات والأخطاء عند بناء الأرضية القانونية والتشريعية الملائمة. لذا نحن أمام مقاربة بثلاثة مداخل هي الديمقراطية والتشاركية والعلمية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وترى رحاب أنه "حين أقرّت مدونة الأسرة قبل نحو 20 سنة كانت تمثل ثورة ثقافية واجتماعية، وعقداً اجتماعياً جديداً يقوم على الحداثة والديمقراطية، أما النقاش الذي أطلقه الملك قبل سنة حول تطوير المدونة فعنوان آخر في مسيرة تحديثها كي تستجيب للتحوّلات في المجتمع، وبعضها لصالح حقوق النساء اللواتي تتنامى مشاركتهن في كل مجالات الشأن العام". تتابع: "تعتبر منظمة النساء الاتحاديات التابعة لحزب اشتراكي يساري حداثي أن المدونة الحالية تحتاج الى مراجعة شاملة لأنها تجاوزت وقتها. والبلاد قادرة على الخروج بنص جديد يستجيب لأفق المساواة الشاملة والإنصاف عبر آليات الحوار والإنصات والتوافق، فالجميع يؤمن أن الحداثة والحقيقة والفضيلة ذات وجوه وتعابير مختلفة، وأن المجتمع في قالب واحد".

تقترح جمعيات نسائية وحقوقية تعديلات على مدونة الأسرة (فاضل سنّا/ فرانس برس)
تقترح جمعيات نسائية وحقوقية تعديلات على مدونة الأسرة (فاضل سنّا/ فرانس برس)

الكرامة الإنسانية للنساء 

بدورها، ترى رئيسة "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، سميرة موحيا، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "المراجعة يجب أن تبنى على قاعدة المساواة في الحقوق، وتتلاءم مع الدستور والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، كما يجب أن تأخذ في الاعتبار مرتكزات أساسية بينها التحوّلات التي طرأت على بنية المجتمع المغربي، وواقع مواكبة النساء النشاطات الاقتصادية، وتحملهن مسؤولية تسيير أسر وإعانتها، وتنمية مواردها". تضيف: "يشبه ذلك وضع القوامة التقليدي الذي لا يزال موجوداً في مدونة الأسرة، ويتعارض مع مبدأي المساواة والمناصفة اللذين اعتمدهما دستور عام 2011. ومن الضروري ملاءمة التشريعات الوطنية مع منظومة حقوق الإنسان، والأخذ في الاعتبار مقتضيات الدستور خاصة في ما يتعلق بارتقاء الاتفاقات الدولية على التشريعات الوطنية، وما ينص عليه الفصل 19 على صعيد المساواة التامة بين الرجال والنساء في كل المجالات، وتفعيل الحقوق والواجبات والمواطنة". وتشدد أيضاً على ضرورة "انطلاق مراجعة المدونة من واقع معاناة النساء المغربيات، وليس الفقه التراثي القديم وقواعده الذكورية التي كان لها مبررات في السابق"، وتلفت إلى حاجة البلاد إلى مدونة أسرة تتضمن صياغة قانونية واضحة تحترم كرامة النساء وتضمن انسجام البيوت، وتحذف كل الصيغ والمواد المبنية على الدونية والتمييز بسبب الجنس أو الدين، وتلك التي تمس بالكرامة الإنسانية للنساء". وتطالب موحيا بأن "تكون المدونة الجديدة قانوناً متناسقاً ومنسجماً يضمن الاستقرار الأسري والمساواة بين الجنسين في الحقوق والرعاية والمسؤوليات، ويراعي المصلحة الأفضل للأطفال، ويأخذ في الاعتبار أيضاً أن حقوق النساء لا تتعارض مع تناسق واستقرار الأسرة كما يروج لذلك التيار المحافظ".

الخبرات القانونية والقضائية محور مناقشات مدونة الأسرة (أرثور فيداك/ Getty)
الخبرات القانونية والقضائية محور مناقشات مدونة الأسرة (أرثور فيداك/ Getty)

وترى أن المراجعة يجب أن تتضمن حذف الفصل 400 من المدونة الذي يربط القوانين بالمذهب المالكي، تمهيداً لجعلها تستند إلى الاتفاقات الدولية وفلسفة الدستور المغربي، وأيضاً اعتماد مبدأ المصلحة الفضلى في ما يتعلق بالأطفال، وإعادة تعريف الزواج، وكذلك إلغاء زواج القاصر. كما يجب حذف المادة 16 من مدونة الأسرة التي تنص على أن يكون عقد الزواج الوسيلة الوحيدة لإثبات الزواج، وجعل النفقة من مسؤولية الزوجين معاً، وليس الزوج وحده، بحسب دخلهما واتفاقهما، واعتبار أعمال الرعاية التي تؤديها النساء اللواتي لا يشتغلن خارج البيت مساهمة في النفقة. 
أيضاً تدعو موحيا إلى الاهتمام بالمصلحة الفضلى للطفل في الحضانة، وإمكان اتفاق الأبوين بعد الطلاق على الحضانة المشتركة، واعتماد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الاحتفاظ بالحضانة ولو بعد الزواج، وكذلك بجعل الولاية القانونية على الأبناء واجباً مشتركاً بين الزوجين خلال قيام العلاقة الزوجية، واعتبارها في حالة الطلاق حقاً للحاضن. كما تطالب بمراجعة منظومة المواريث بتحقيق العدل والمساواة بين الجنسين، واحترام مبدأ إرادة الشخص (الوصية)، وإلغاء مبدأ التعصيب.

أمانة صعبة ومعقدة

من جهته، يعتقد الرئيس العام لـ"أكاديمية التفكير الاستراتيجي درعة تافيلالت" صبري الحو، بأن مراجعة المدونة فرصة لا ينبغي تفويتها لتحقيق مصالح فئات مجتمعية عدة تنتظر الإنصاف والعدالة، وملاءمة النصوص مع سرعة تطور المجتمع وتطلعات جزء منه لعيش واقع الحداثة في ما يتعلق بالحقوق الفردية والجماعية". ويقول لـ"العربي الجديد": "يحتاج موضوع المرأة إلى جرأة خاصة على صعيد إجراءات ولايتها على الأولاد القاصرين، كي تصبح في نفس المركز مع الأب، إذ لم يعد مقبولاً سماع معاناة الأمهات في هذا الموضوع، كما لم يعد مسموحاً استمرار ابتزاز الأزواج لزوجاتهم أو لمطلقاتهم في حق الولاية". ويشدد على ضرورة سن مواد ونصوص واضحة توفر حماية للأطفال في النسب، بغض النظر عن وضعي الأبوين في الزواج، أو الإقرار أو حتى قيام خطوبة وغيرها، وأن تكون الخبرة العلمية العبرة في النزاع. وأيضاً توفير أولوية لحماية الأطفال أثناء الطلاق عبر بحث المصلحة الأفضل لهم بحسب الاتفاق الدول الخاصة بحقوق الطفل. ويرى الحو أن مدونة الأسرة يجب أن تركز على حقوق المهاجرين، وتستحضر همومهم لجلب فوائد لهم، ودفع مشاكلهم والأضرار التي تلحق بهم في مسائل الزواج والطلاق والوكالة والإرث، عبر مراعاة أوضاعهم في الآجال المحددة للإجراءات أو الطعون، وإعطاء صلاحيات كبيرة لأعمال المراكز القنصلية، وقوة الإثبات وانتداب قضاة بنفس الصلاحيات أو جلسات تنقلية الى القنصليات للبت في قضاياهم". وبحسب الحو، تحتاج المدونة إلى جرأة وشجاعة وكفاءة، لا سيما أن مراجعتها أمر مهم وأمانة صعبة وجسيمة ومعقدة تحتاج إلى احتواء إرادات كل المغاربة، وأن تكون لكل منهم. يضيف: "يجب أن تبدأ المدونة في تنظيم ما توافق عليه المغاربة وتطبعوا عليه من أمور، وعدم إكراههم على التقيّد بأمور تبدو غريبة ومستوردة قد تغيّر معدنهم الأصيل".

المساهمون