مدارس لبنان... فوضى بين التعليم الحضوري والأونلاين

07 يونيو 2021
في طريقهما إلى المدرسة (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

 

مع إعادة فتح البلاد، عاد بعض التلاميذ اللبنانيين إلى مدارسهم فيما استمرّ التعليم عن بعد في مدارس أخرى، الأمر الذي وصفه معنيون بالفوضى. ويخشى هؤلاء أن تنسحب هذه الفوضى على العام الدراسي المقبل.

فوضى عارمة شهدها العام الدراسي الحالي في لبنان في ظل تفشي فيروس كورونا الجديد وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة اللبنانية، أدّت إلى حدوث مشاكل بين التربويين والجهات الرسمية، تتعلق بقرار العودة إلى التعليم الحضوري.

يقول مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم العالي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غالبية المدارس فتحت أبوابها لتلاميذها للتعليم الحضوري، وقد أعطيت للمؤسسات التربوية حرية الاختيار في ما إذا كانت تفضل استكمال التدريس عن بُعد بدلاً من التعليم الحضوري". يضيف أن بعض الأهل رفضوا إرسال أولادهم إلى المدارس، كما انتقد بعض المعلمين القرار لأسباب عدّة ليست كلّها صحية ومرتبطة بفيروس كورونا، بل أيضاً بسبب صعوبة التنقل في ظلّ الشح الكبير في مادة الوقود والتقنين المعتمد من قبل المحطات عند تعبئة الوقود للسيارات والإقفال الذي يلجأ اليه بعضها خصوصاً في القرى". كما يشير إلى "الوقفات الاحتجاجية التي نفذتها رابطة التعليم الأساسي والثانوي والمهني في ظلّ تآكل رواتب الأساتذة والعاملين في القطاع، وتدهور قيمتها وسط المسار التصاعدي الذي يسلكه سعر صرف الدولار في السوق السوداء". يتابع أنّ "الامتحانات بغالبيتها ستكون حضورية وخصوصاً الرسمية، ووزارة التربية اتخذت قرارات عدّة أخذت فيها بعين الاعتبار كل الوقائع والتطورات والأحداث والإضرابات العامة، ولا سيما على صعيد تقليص منهج الروضة وتحديد المحتوى والأهداف التعلّمية والكفايات الأساسية للعام الدراسي 2020 – 2021".

الصورة
عودة إلى المدارس في لبنان (جوزيف عيد/ فرانس برس)
(جوزيف عيد/ فرانس برس)

من جهته، يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار، لـ "العربي الجديد"، إن "الواقع التربوي اليوم يواجه ضياعاً وبلبلة. وللأسف، على الرغم من أهمية التعليم كأساس لبناء الوطن، إلّا أنّه لم يعطَ الأولوية على الإطلاق. من هنا، نداؤنا إلى المعنيين الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الكبيرة التي تطاول التلاميذ منذ سنتين تقريباً وتفاديها خلال العام الدراسي المقبل، ما يحتم عقد لقاءات علمية وتربوية متواصلة للتحضير جيداً للسنة المقبلة في حال سمحت الأزمات المتراكمة (الوقود، الدولار، الوضع الأمني) باستعادة النشاط التربوي وتعويض التلاميذ ما فاتهم".

ويشير عازار إلى أن "الوضع التربوي غير مريح، وهناك أهال لا يرسلون أولادهم إلى المدرسة للتعلم حضورياً. هنا، يرى أن الدولة اللبنانية تتحمل مسؤولية عدم إعطاء توجيهات واضحة بخصوص التعليم عن بُعد، علماً أن بعض المدارس دربت معلميها وتلاميذها على التعليم عن بعد، وقد باتت محترفة في هذا المجال، في وقت لم تلتزم مدارس أخرى بالأنظمة والقوانين ولم تتعامل مع التعليم عن بعد بجدية، معتبرة أن الأمر عاصفة وستمرّ".

يضيف عازار: "بعض المدارس فضلت الاستمرار بالتدريس عن بُعد باعتبار أن العام الدراسي شارف على الانتهاء، ولن تحقق العودة خلال الشهر الأخير أي تغيير جذري، علماً أننا طالبنا بتأخير مرحلة العودة سابقاً إلى حين تلقيح الهيئة التعليمية والإداريين والأهل، وتبديد مخاوفهم بشأن انتقال العدوى بالفيروس، على الرغم من أن عدداً كبيراً من المدارس التزم البروتوكول الصحي والتباعد الاجتماعي وإجراءات التعقيم والتدابير الوقائية اللازمة". في هذا الإطار، يقول عازار: "تركنا الحرية كاملةً للمدارس في قرارها العودة إلى التدريس الحضوري أو الإبقاء على التعليم عن بُعد والتوافق بهذا الشأن بين الإدارة والأساتذة والأهل، على الرغم من إدراكنا مدى أهمية عودة التلامذة بعد انقطاع طويل يؤثر سلباً على وضعهم النفسي والعلاقات الإنسانية والشخصية التي يفترض تنميتها عند الحضور إلى المدارس".

يتابع عازار أنه استناداً إلى توجيهات وزارة التربية والتعليم العالي، هناك تدابير يفترض العمل بها تتعلق بالتلاميذ الذين يعانون من أوضاع تحول دون حضورهم من خلال متابعة ما إذا كانوا يحصلون على الموارد التعليمية اللازمة، في مقابل الإشراف على وضع إدارة المدرسة أو الثانوية خطة دعم للتلامذة الذين تعذر عليهم متابعة التعلم عن بُعد، وهذه تكاليف إضافية على التعليم، عدا عن مسائل بيروقراطية لا جدوى منها، كان يمكن الاستعاضة عنها بقرارات أخرى". ويشدد عازار على أننا "كاتحاد مؤسسات تربوية، نرفض تمديد العام الدراسي الذي بدأ يختتم تدريجياً حتى 24 أو 25 من شهر يونيو/ حزيران الجاري، أو منح إفادات نجاح للتلاميذ، ونتمسك بإجراء الامتحانات، علماً أن هناك بعض الأصوات بدأت تعلو للتمديد لكننا لن نسير به".

الصورة
عودة إلى المدارس في لبنان (جوزيف عيد/ فرانس برس)
(جوزيف عيد/ فرانس برس)

من جهتها، تقول رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل، لـ "العربي الجديد"، إن "المدارس لها حرية الاختيار بالعودة إلى التدريس الحضوري، وخصوصاً في حال لم تنهِ منهاجها بعد، أو الاستمرار في التعليم عن بُعد". تضيف أن وزارة التربية والتعليم العالي سمحت للتلاميذ الذين يتعذر عليهم متابعة دراستهم حضورياً لأسباب صحية وخاصة متابعة التعليم عن بُعد، شرط أن يتقدّم ذووهم من إدارة المدرسة المعنية بطلب تبرير أوضاعهم ليصار إلى الموافقة عليها من قبل المدير العام لوزارة التربية والتعليم العالي فادي يرق بموجب لوائح تقدمها المدرسة المعنية".

في هذه الحالة، تقول الطويل إن "المدرسة تصبح ملزمة بتأمين التعليم عن بُعد للحالات المذكورة، علماً أنّ الخوف تبدد بعض الشيء لدى الكادر التربوي والأهالي والتلاميذ مع بدء حملات التلقيح التي شملت أولاً المسنين، بالإضافة إلى القطاعين التربوي والصحي". وتلفت إلى أنه بحسب وزارة التربية والتعليم العالي، فإن نسبة الحضور في المدارس الرسمية كانت كبيرة، مع عودة التعليم الحضوري، لكن الأهم اليوم هو التحضير السريع والجدي للعام الدراسي المقبل لا التأخر في الإجراءات والقرارات كما حصل خلال العام الجاري. وفي النهاية، كل آمالنا معقودة على تحسن الأوضاع في البلاد على أمل أن تتحسّن لتعويض ما فاتنا". على الصعيد نفسه، ترى الطويل أن "ما حصل في القطاع التربوي بسبب فيروس كورونا خرق برامج غير مستحدثة منذ سبعينيات القرن الماضي، وهذه مناسبة لتعيد وزارة التربية والتعليم العالي حساباتها وإجراء تغييرات تتلاءم مع تطور العصر".

في المقابل، تحذر من "رفع المدارس للأقساط في حال استمرت أزمة الدولار، الأمر الذي سيتسبب بكارثة قد يهدد استمراريتها في ظل التدهور الحاصل اجتماعياً ومعيشياً وانعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين. في كل الأحوال، للأسف الصورة ضبابية للعام المقبل". كذلك، تتحدث الطويل عن "ضغوط كثيرة تعرض لها الأهل من قبل بعض المدارس بسبب عدم دفع الأقساط، وقد حرمت بعض المدارس الأطفال من التعليم أونلاين. هنا، من المهم توجيه نصيحة إلى الأهالي بألا يسجلوا أولادهم قبل معرفة قيمة القسط كاملاً، باعتبار أن المدارس تلجأ إلى رفعه في الجزء الثاني من العام الدراسي". تتابع الطويل: "نحن كاتحاد اجتمعنا وتوافقنا على أن الشفافية المالية أضحت حاجة ملحة أكثر من أي وقتٍ مضى لاستمرار قطاع التربية والتعليم، ولا سيما الخاص، وبالتالي يجب إشهار الحسابات القطعية للمدارس الخاصة لأن الأقساط مبالغ بها وتستوجب التخفيض، وقد فاقت نسبة المبالغة الخمسين في المائة في بعض الأحيان".

المساهمون