إلى جانب مشاكل توفير مستلزمات الدراسة من قرطاسية وغيرها، والكلفة رغم أنها ضئيلة نسبياً، يواجه أهالي الشمال السوري أزمة المدارس القليلة التي تستقبل غالبيتها التلاميذ في دوامين صباحي ومسائي.
يتجدد العام الدراسي في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة شمالي وشمال غربي سورية، وينطلق اليوم السبت، بصعوبات مختلفة عن العام السابق، يحملها الأهالي والطلاب في منطقة تكتظ بالسكان، وتقلّ فيها المدارس.
ولا تقتصر المشاكل على الأهالي والطلاب، إذ تمتد إلى المدرسين، وبينهم طه الإبراهيم الذي يعمل في مؤسسة تعليمية خاصة، ويقول لـ"العربي الجديد": "مع بداية كلّ عام دراسي يعاني المعلمون من مشاكل، بينها تأمينهم فرص عمل بأجور، باعتبار أن عدداً كبيراً منهم يقدمون خدمات التعليم تطوعاً لمحاولة تعزيز مستقبل التلاميذ. وهم يأملون بألّا يتخاذل أولياء الأمور عن النظر في أحوالهم السيئة غالباً".
يتابع: "في شأن العام الدراسي الجديد، نرجو أن ترتقي أحوال المعلمين، وبالتالي المستويات العلمية والفكرية والثقافية للتلاميذ التي ترتبط بشكل وثيق بالسلامة النفسية والمعنوية لهؤلاء المعلمين. والحقيقة، أن قسماً من المجتمع بدأ يشعر بالمعاناة الصامتة للمعلمين، ما يشكل بداية الالتفات لواقع المعلم ودعمه. من هنا أرى واقعاً أفضل للمعلمين هذا العام، وأستبعد أن يزداد واقع التعليم سوءاً، رغم أنه يواجه تحديات وصعوبات تعكس ضعف الإدارة والتوجيه، وقلة الدعم المادي للمدارس".
ويشدد على أن المعلم المتطوع "لن يعطي كلّ ما عنده في مهنته، في وقت ينشغل تفكيره بترتيبات ومستلزمات حياته المادية، وهذا حق له. والحل الوحيد للارتقاء بمستوى التعليم يتمثل في اهتمام المسؤولين والمجتمع بأحواله، علماً أن المجتمع بات يعي جيداً قيمة العلم، بدليل الإقبال الكثيف على المدارس رغم ضعف الإمكانات، ما يشكل رد فعل على المعاناة ورفض المذاق المرّ للتخلف والجهل. وأعتقد أنّ الشعب سيعي مصلحته، وينال العلم موقعه الرفيع في مجتمع واعٍ وصادق، ويعكس إشعاعات نوره، تجسيداً لحكمة من ذاق مرارة الجهل أدرك أن العلم نور، التي طالما رددناها من دون أن نشعر بمعناها وندركه".
ورغم الظروف الصعبة التي يعيشونها في المخيمات التي تنتشر في عموم مناطق شمال غربي سورية، يحرص أهالي الشمال السوري على حصول أبنائهم على تعليم، ما يجعلهم يعيشون ضغوطات وتحديات كبيرة لدفع ثمن مستلزمات التعليم مع بداية العام الدراسي، ودفع رسوم التسجيل، خصوصاً العائلات التي تضم أكثر من تلميذين يجب أن يرتادوا المدرسة خلال العام الدراسي المقبل.
فقر الأهالي لا يمكنهم من توفير مستلزمات التعليم في الشمال السوري
يحاول محمد العلي، النازح من ريف إدلب، تأمين مستلزمات أبنائه للعام الدراسي الجديد، ويقول لـ"العربي الجديد": "لدي ثلاثة أطفال في المرحلة الدراسية الأولى. ومع قدوم العام الدراسي أحاول توفير بعض المال لتأمين احتياجاتهم من كتب ودفاتر وقرطاسية ومصاريف أخرى. في كل موسم دراسي تكثر الأعباء على الأهالي في محاولتهم تأمين مستلزمات الأطفال، لا سيما الأقساط الشهرية التي تدفع للمدارس الخاصة وتكاليف المواصلات التي تزداد في كل موسم بسبب غلاء الوقود. وأكثر المصاعب التي تواجه الأهالي هي نقل أبنائهم من مدرسة إلى أخرى بسبب النزوح أو تغيير مكان الإقامة، ما يزعج الأطفال غير القادرين على التأقلم مع المدارس الجديدة بسبب تغيّر الأجواء العامة في كل مرة ينتقلون فيها إلى مدارس جديدة، علماً أن مناهج المدارس قد تختلف أيضاً، وتلحظ حذف دروس".
ويوافق العلي على أن التعليم عن بعد يخفف أعباء مصاريف التعليم عن التلاميذ، "لكنه لا يكفي الطفل الذي يحتاج في المرحلة التعليمية الأولى إلى ثلاث وسائل تدريس، حسية وسمعية وحركية لا يمكن توفيرها كلها عن طريق التعليم عن بعد".
وبين أزمات العام الدراسي الجديد، قلة المدارس في المخيمات. يفيد تقرير أصدرته "وحدة تنسيق الدعم" غير الحكومية وغير الربحية التي تأسست عام 2013 بهدف تنسيق الجهود بين المانحين والجهات التنفيذية والشركاء المحليين، في إبريل/ نيسان الماضي، بأن "1213 مخيماً تخلو من مدارس، ما يجبر عدداً كبيراً من التلاميذ الذين يمكثون في المخيمات على قطع مسافات للوصول إلى مدارس قريبة منها، وسط ظروف جوية سيئة، خاصة خلال فصل الشتاء البارد".
يؤكد أحمد الإسماعيل، النازح المقيم في تجمع مخيمات أطمة لـ"العربي الجديد": "تعتبر الرسوم أولى المشاكل التي يواجهها أهالي الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد. والمبلغ الحالي المطلوب من كل طالب هو 100 ليرة تركية (6 دولارات) الذي يعتبر مبلغاً قليلاً وبسيطاً بالنسبة إلى البعض، لكن هناك أشخاصاً معدمين لا يملكون حتى 10 ليرات (54 سنتاً)، ومن لديه عدة أولاد، كيف يؤمّن هذا المبلغ لكل واحد منهم، في وقت لا يملك الكثير من الناس ثمن ربطة خبز؟ والواقع أن عدد الطلاب كبير مقارنة بالمدارس القليلة، لذا يجب أن يجد المسؤولون أراضي لبناء مدارس تستوعب أعدادهم الكبيرة. ويضاف إلى ذلك، التناقض في القرارات الصادرة عن مسؤولي التربية والجهات الداعمة، ولو توفر التنسيق لما شهدنا هذه المشاكل".
ويشير إلى أنّ "التعليم عن بعد لا يحل هذه المشاكل أو أزمة المصاريف، فهو يزيد الأعباء على الأهل، باعتبار أن التلميذ يحتاج إلى هاتف، أي مال يزيد الطين بلة. وأنا أرجو أن يكون التعليم مجانياً ومن دون دفع رسوم، فلا مداخيل لدى الناس".
وتقول رنا توتنجي النازحة من مدينة حلب لـ"العربي الجديد" إن "قطاع التعليم شمالي سورية يواجه صعوبات كثيرة، في مقدمتها عدم استيعاب المدارس الموجودة العدد الكبير من الأطفال النازحين في بقعة جغرافية صغيرة. كما لا اهتمام بإنشاء وافتتاح مدارس جديدة. وهناك صعوبة في توفير القرطاسية ومصاريف التلاميذ بسبب الوضع المعيشي للأهالي. ويزداد الوضع سوءاً كل عام في ظل البطالة وغياب المداخيل والمصاريف اليومية، وبعض سكان المخيمات يعلّمون أبناءهم في المساجد، فيقتصر تعليمهم على القراءة والكتابة والرياضيات البدائية". لكنّ توتنجي تعتبر أنّ "التعليم عن بعد هو أحد الحلول المتوفرة لأزمة التعليم شمال سورية، كونه يخفف قليلاً من أعباء متابعة الأهالي المستوى التعليمي للأطفال".
ويزداد عدد الأطفال خارج المدرسة مع تقدم مراحل الدراسة، ونسب الأطفال خارج مدارس الإناث تكون دائماً أعلى من تلك في مدارس الذكور.
وتكشف دراسات أن نسب التسرب ضمن المخيمات تكون أعلى من تلك التي في المدن والبلدات، وانخفاض عدد المدارس الثانوية في المخيمات.
بدورها، تتحدث فاطمة التي تقيم مع عائلتها في مخيم للنازحين بمنطقة دير حسان لـ"العربي الجديد" عن مشكلة قصد أبنائها مدرسة بعيدة نسبيا عن المخيم، وتوضح أن أطفالها الثلاثة يقطعون مسافة تتجاوز 1.5 كيلومتر يومياً للوصول إلى المدرسة والعودة منها، "ما يشكل كارثة في فصل الشتاء. ونحن نرجو أن تتواجد مدرسة قريبة ضمن المخيم الذي نقيم فيه كي يذهب الأولاد إليها".
وفي 5 أغسطس/آب الماضي، سلّط إحصاء أصدره فريق "منسقو استجابة سورية" الضوء على واقع التعليم في منطقة الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة، وكشف أن 930 مخيماً لا تحتوي على مراكز تعليم، وعدم تلقي 193.843 طالباً التعليم في المنطقة، وتسرّب 36.848 طالباً من الدراسة في المخيمات" ما يعكس الواقع المأساوي للتعليم في المنطقة التي يعاني سكانها من الفقر، ويعيشون أزمات وتهديدات مختلفة.
وتتحدث تقارير أخرى أنّ بيئة المخيّمات ما زالت تحتاج إلى إيجاد مساحات صديقة للطفل بشكل أوسع، وتدريب المدرسين على طرق التدريس الحديثة، إضافة إلى تأمين لباس موحّد للأطفال، وإقامة نشاطات دورية تركّز على الأهالي وتوعيتهم حول مخاطر عزوف الأطفال عن التعليم، والتأثير السلبي للتسرّب على المستقبل.