تجرى التحضيرات للعام الدراسي الجديد في مناطق محافظة إدلب شمال غربي سورية بهمّة عالية من قبل كوادر التعليم والمدرسين الذين يهتمون بوضع خطط وحلول لتقليص المشكلات وإزالة العقبات، وأهمها على صعيد التعامل مع كثافة السكان، وارتفاع عدد مدارس المخيمات التي تحتاج إلى اهتمام ودعم مماثل لتلك التي في المدن والبلدات. واجهت عملية التعليم عقبات كثيرة العام الماضي، في مقدمها تفشي فيروس كورونا الجديد الذي نقل التعليم الوجاهي إلى الإلكتروني، وتسبب في مشاكل كثيرة للطلاب والمدرسين معاً. كذلك تكرر قطع التمويل عن مدارس، ما أجبر بعض الكوادر على العمل في شكل تطوعي طوال العام الدراسي.
عدد المدارس المدعومة أكبر
في المنطقة المحررة من سيطرة النظام السوري في الريف الغربي لحلب، تتجهز مديرية التربية بقوة لانطلاق العام الدراسي الجديد. يقول مدير مكتبها الإعلامي ياسين جمعة لـ"العربي الجديد": "نستعد بهمّة عالية مع الشركاء في مجال التعليم ومؤسسات المجتمع المدني، في حين نتخوف بالدرجة الأولى من عقبات الوضع الأمني، خصوصاً في المدارس المحاذية لخطوط الجبهات، وكذلك من عدم توفر دعم لبعض المدارس للسنة الثانية على التوالي. ورداً على سؤال عن تأثير التمويل المباشر على المدارس والحلول المطروحة لهذا الأمر، يجيب جمعة: "نتوقع عاماً دراسياً أفضل بسبب تزايد عدد المدارس المدعومة، في حين نتطلع إلى تضامن مديرية التربية والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني لتوفير حلول مواجهة نقص التمويل وضعفه، وبالتالي دعم المعلمين وعملية التدريس".
وأثر تفشي فيروس كورونا بوضوح على التعليم، لكن التعامل مع الجائحة سيختلف في العام الدراسي الجديد، بحسب ما يعلن جمعة قائلاً: "تقلص تأثير الفيروس بسبب الوعي المتزايد لدى كوادر التعليم والطلاب، واتخاذ كل التدابير الوقائية وتجهيز خطط بديلة. ونتوقع أن يكون تأثير العدد الكبير للطلاب على المدارس نسبياً استناداً إلى الدعم الذي تقدمه الجهة المموّلة للمشروع التعليمي ونوعيته. وسيبقى الدوام منقسماً إلى مرحلتين صباحية ومسائية في المدارس التي تضم عدداً كبيراً من الطلاب، ومرحلة واحدة للمدارس الأقل استيعاباً للطلاب. ونسعى إلى بناء مدارس نموذجية جديدة في المخيمات، ودمج أخرى أنشئت سابقاً فيها".
جهود محلية - قطرية
في محافظة إدلب، اعتبر العام الدراسي السابق أحد الأسوأ فيها بعدما دمرت العمليات العسكرية أكثر من نصف مدارسها أو ألحقت أضراراً جسيمة بها، ما أثرّ على تعليم أكثر من 300 ألف تلميذ، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، علماً أن هؤلاء تأثروا أيضاً بتفشي فيروس كورونا، في ظل حرمانهم من مقومات الحياة، ومنها الكهرباء، وصعوبة توفير إنترنت لهم من أجل جعلهم يتابعون الدروس الإلكترونية.
أما في العام الدراسي الجديد فتجرى التحضيرات على نحو أفضل كما يوضح أحد أعضاء المجمع التربوي في مدينة أريحا، محمد الناجي، لـ"العربي الجديد". ويقول: "جهّزت مدارس جديدة لتلبية احتياجات تعليم معينة ضمن الإمكانات المتاحة، ووضع نموذج موحّد للسجلات المدرسية والطباعة، ورفعت ملفات احتياجات المدارس من الكتب إلى منظمة قطر الخيرية التي تتولى سنوياً تزويد المدارس بهذه المستلزمات". يضيف: "جرى تكثيف الاجتماعات في مديرية التربية والتعليم بإدلب مع المنظمات الداعمة والشريكة والفعاليات المجتمعية كي تتظافر الجهود وتتوحّد الرؤى بالنسبة إلى إدارة عملية التعليم، ووضعت خطة عمل للعام الدراسي المقبل من خلال دائرتي التعليم الثانوي والأساسي. وجرى أيضاً النظر في طلبات نقل كوادر تعليم وتحديد الشواغر والمباشرة في ملئها بحسب المتوفر، واستناداً إلى نتائج اختبار مركزي أجراه متقدمون".
التسرّب المدرسي
يعتبر الناجي أن "أهم العوائق التي تواجه عملية التعليم هي ضيق مساحات المدراس، وضم الكوادر متطوعين كُثراً بسبب الدعم القليل، ما يحرم أكثر من 130 ألف طالب وطالبة من التعليم. من هنا نرجو أن يكون الدعم والتمويل هذا العام أفضل من الأعوام السابقة، رغم أن لا جديداً في هذا الأمر. أما في شأن تأثير استمرار فيروس كورونا، فسنتعامل معه على غرار العام الماضي، من خلال الدوام الوجاهي مع أخذ الاحتياطات اللازمة. وإذا لزم الأمر، يمكن أن تتحوّل بعض المدارس إلى التعليم عن بعد. ولا بدّ من الإشارة إلى أنه يوجد نقص في المقاعد والمستلزمات، خصوصاً المحروقات، في حين أن الوضع أفضل في المدارس المدعومة". ويناشد الناجي المنظمات الدولية والإنسانية "دعم التعليم الرسمي وإعطاء مشاريعه الاهتمام اللازم لمنع الآثار السلبية المتوقعة مستقبلاً إذا بقي الوضع على حاله من تسرّب الأطفال خارج المدرسة، وعدم تقديم خدمات تعليمية بالمستوى المطلوب".
وكانت المديرة التنفيذية لـ "يونيسف" هنريتا فور قد قالت في كلمة ألقتها عن وضع الأطفال في سورية أمام مجلس الأمن في فبراير/ شباط 2020 إن "الحرب في سورية سلبت 280 ألف طفل في الشمال الغربي بوحشية فرصة التعليم". وأشارت إلى أن "نحو 180 مدرسة لا تصلح للتعليم بسبب تدميرها أو تعرضها لأضرار أو استخدامها كملاجئ. وهذه ضربة كبيرة لآمال الأطفال ومستقبلهم. كما دمرت الحرب ثلاثاً من أصل عشر مدارس في عموم سورية، وجعلت واحداً من كل ثلاثة أطفال في البلاد لا يذهبون إلى مدارس". ووصفت هذه الأرقام بأنها "مفزعة، وتشير إلى مدى تأثر عملية التعليم في سورية عموماً ومناطق شمالي غربها خصوصاً بالقصف والدمار".
مبادرات
إلى ذلك، يتفاءل قائد الفريق التعليمي في مبادرة "مسارات" محمد العمر بالعام الدراسي الجديد. ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن العام المقبل سيكون للعمل الجدي، "فنحن نرى منذ الآن عودة قسم كبير من الطلاب المتسرّبين، وتزايد الاهتمام بالتعليم".
ويرى أيضاً أن "مبادرات التعليم تضطلع بدور بارز في استمرار عملية التدريس شمال غربي سورية. وهي رافد أساس لعمل وزارة التربية وتساهم مباشرة في عودة قسم كبير من الطلاب المتسرّبين إلى مقاعد الدراسة. وترتكز هذه المبادرات التي أطلقت خلال الأعوام الأخيرة في الشمال السوري على العمل التطوعي، ويبذل المدرسون من خلالها جهوداً لتعويض ما فات الطلاب في المناهج، إضافة إلى تقويتهم في المواد".
في المقابل، يحدد العمر المشكلات اليومية التي تواجه مبادرة "مسارات"، منها عدم قدرة بعض الطلاب على متابعة البث المباشر للحصص بسبب عدم توفر الإنترنت، أو عدم امتلاكهم هواتف خلوية أو أجهزة ذكية، علماً أن جائحة كورونا لا تؤثر على مبادرتنا باعتبار أن عملنا قائم على التعليم عن بعد. ونحن نتطلع إلى توحيد الجهود التي تهدف إلى تطوير التعليم العام، وإنصاف المدرس لأنها عصب عملية التعليم، وتجهيز الطلاب بعدد كافٍ من الكتب، وتفعيل الرقابة على المدارس".
وضع أفضل
من جهتها، تقول آمنة، المهجرة من ريف حمص، وهي ربة منزل تقيم مع أطفالها الأربعة في أحد المخيمات، لـ"العربي الجديد": "ثلاثة من أطفالي مسجلون في مدارس، وأرجو أن يتابعوا تعليمهم ويصلوا إلى الجامعة، بعدما لم تتح لي هذه الفرصة إثر حصولي على شهادة التعليم الثانوي. ورغم أننا نعيش حياة نزوح صعبة، يبقى أملي كبيراً بهذا الأمر. سبق أن ذهبت ابنتي الكبيرة إلى المدرسة في ريف حمص، تحت غارات الطائرات وقذائفها، واليوم الوضع أفضل، وأتمنى لأطفالي عاماً دراسياً مريحاً يخلو من الخوف".
ووفقاً لتقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في مارس/ آذار 2020، تعرضت 40 في المائة من المدارس في أنحاء سورية لضرر ودمار، وكان ربع القتلى الذين سقطوا في الهجمات التي نفذتها قوات النظام وروسيا على إدلب من الأطفال، وذلك قبل الخامس من مارس/ آذار 2019، تاريخ التوصل إلى اتفاق تهدئة في المحافظة. ومع تصعيد القوات الروسية عملياتها، واستخدامها قذائف "كراسنوبول" الروسية في استهداف مدنيين بمناطق شمال غربي سورية، وارتكابها عدداً من المجازر، تبدو الأوضاع مقلقة مع احتمال استهداف روسيا والنظام السوري المدارس في المنطقة، ما يهدد حياة الأطفال، ويضع المجتمع الدولي مجدداً في دائرة المسائلة حول استهدافهم، كما جرى خلال عقد مضى من الثورة.