في وقت سابق من العام الجاري، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في لبنان حاجتها إلى مدرّسين ثانويين في كلّ التخصصات. وتقدّم عدد كبير من المدرّسين لهذه الوظائف التي تَحدّد أجرها الشهري بنحو 1450 دولاراً أميركياً، بالإضافة إلى منح امتيازات لتعليم الأولاد وأخرى للطبابة. وقُدّمت الطلبات، وأجري الامتحان. وبعد إصدار النتائج، أرسلت السيدة ن. ق. التي تعمل في قسم الموارد بوكالة "أونروا"، رسائل نصية عبر البريد الإلكتروني إلى الفائزين العشرين الأوائل باللغة العربية من أجل إجراء مقابلات، وأخرى للباقي ن اعتذرت فيها عن عدم قبولهم بسبب نيلهم علامات أدنى.
يقول أحد المدرّسين الذين انضموا إلى قائمة العشرين الأوائل الذين استدعوا لإجراء مقابلات، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تدخلات ظالمة وكارثية وذات أهداف ضيّقة حصلت بعد ذلك، ما دفع أونروا إلى قلب الطاولة على الناجحين عبر استدعاء كل من اعتذرت منهم سابقاً لإجراء مقابلات كذلك، ما شكّل مصيبة لنا". يضيف أنّ "القرار غيّر كل المعايير، وأهدر العدالة لأنّ كل من حصل على علامة متوسطة في الامتحان الخطي تساوى مع العشرين الأوائل، فبات العدد المسموح به لإجراء المقابلات ضخماً. ثم تبيّن غرض من سعى إلى تكريس هذا الخراب، إذ نظّمت دورات بهدف تمرير أصحاب العلامات الأدنى، فتضاعف حجم الظلم الذي تعرّض له العشرون الأوائل. وزاد الطين بلّة تأكيد مسؤول الموارد، السيّد ع. ع. أنّ المقابلة هي العنصر الأهم والحاسم، ما يجعل كلّ المعايير الأخرى بلا اعتبار".
مسرحية "إذلال"
ويرى المدرّس نفسه أنّ "المسرحية كادت تمرّ لولا إذلال عدد كبير من المرشّحين الأكفاء الذين يحمل بعضهم شهادات دكتوراه أو رتبة بروفسور أو شهادات دراسات عليا، أو من مؤلفي عشرات الكتب في التربية والأدب وعلم النفس والإعلام والشعر. كذلك عرقل تحوّل المسرحية إلى واقع، تسريب أسئلة الامتحان الشفهي (المقابلات) على نطاق واسع، ونُشر بعضها في صفحات ومجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي. وجرى أيضاً توثيق اتصال بعض أعضاء اللجان بمرشّحين قبل المقابلات لإعلامهم مثلاً بأنّ السيّدة ن. م. وموظفاً آخر غير متخصص باللغة العربية سوف يحضران المقابلات، إلى جانب اتصال أجرته السيّدة ن. م. بمرشّحين قبل المقابلات لتوجيههم ووعدتهم بتحقيق النجاح". ويتابع: "الأكيد أنّ تسريب أسئلة ونتائج شفهية ونهائية نسف معايير الامتحان الخطي والخبرة وغيّب العدالة، علماً أنّ الإشراف على المقابلات تمّ من قبل لجان ضمّت أشخاصاً غير متخصصين وغير أكاديميين وجّهوا أسئلة تضمّنت أخطاءً لغوية لمرشّحين، مع استخدامهم عبارات عنصرية وساخرة أحياناً. كذلك ترافقت المقابلات مع تقديم رشى وهدايا، وتدخّلات حزبية ووساطات بالجملة".
"ظلم" في المقابلات؟
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي البروفسور أ. م. الذي انضمّ إلى قائمة العشرين الأوائل، لـ"العربي الجديد": "علامتي في الامتحان الخطي كانت مميّزة مثل زملائي المدرجين على لائحة العشرين الأوائل. ووثقت في إمكان نيلي الوظيفة، علماً أنّه سبق لي أن عملت بصفة مدرّس ثابت في أونروا، وأملك خبرة أكثر من تسع سنوات في العمل مع الوكالة تحديداً، قبل أن أقدّم استقالتي بسبب ظروف خاصة. وقد خضعت لدورات عدّة، من بينها دورة لنيل دبلوم تعليم من أونروا، ونشرت عشرات الكتب، لكنّني شعرت بوجود لعبة في المقابلات. فالسيّدة ن. م. أخطأت في توجيه أسئلة اختصاص اللغة العربية، وكذلك شخص آخر وجّه لي سؤالاً ركيكاً وغير واضح، لكنّني أجبت عنه". يضيف أ. م. أنّ "اللجنة خدعتني لأنّني حضّرت أوراقاً للشرح من أجل اختصار الوقت، بعدما تبلغت برسالة عدم السماح بحمل جهاز كومبيوتر. لكنّ جهاز العرض لم يكن متوفّراً، فطلبت وقتاً إضافياً لمدة دقيقة ونصف دقيقة قبل شرح الدرس. وافقت اللجنة، لكنّ السيّدة ن. ق. من الموارد البشرية، قالت فوراً إنّ الدقائق الخمس انتهت، ما يعني أنّهم تعمدوا اصطيادي سريعاً على الرغم من أنّني كنت مريضاً، وقدّمت تقريراً بذلك".
وهنا يسأل أ. م: "هل يجوز أن يختبرني من يخطئ باللغة ويسخر من شهاداتي؟ وما قيمة باقي المعايير، مثل الخبرة والشهادات ونتيجة الامتحان الخطي الذي كان صعباً ومدته نحو ثلاث ساعات؟ وهل يعقل أن أكون من الأوائل، ويسمح لصاحب علامة وسطية درّبته جهة حزبية بالحصول على خمس دقائق لتقديم إجابة، مع إعطائه السؤالَين مسبقاً؟". ويتابع: "لست ضدّ خضوع من نال علامة 50 للمقابلة، شرط اعتماد معايير تقييم موضوعية بدلاً من إلحاق ظلم بنا لأسباب انتخابية، علماً أنّني طالبت بإعطائي علامتي في الامتحان الخطي، لكنّني لم ألقَ رداً حتى اللحظة".
معايير مزدوجة
في سياق متصل، تقول مدرّسة تحمل شهادة ماجستير في اللغة العربية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما حصل معنا مؤسف، فبعدما بعث المشرفون على الامتحان رسائل إلى العشرين المميزين من أجل إجراء مقابلات شفهية، خدعونا بمساواتنا مع أصحاب علامات الوسط في الامتحان الخطي والذين جرى تدريبهم لاحقاً على تقديم شرح في خلال خمس دقائق في المقابلات، تمهيداً لنيل علامات أفضل والحلول مكاننا على الرغم من خبرتنا وتدريبنا وتدريس بعضنا سابقاً حتى في وكالة أونروا". تضيف المدرّسة نفسها: "بعد اختيار لائحة العشرين لإجراء المقابلات، تدخّل اتحاد المعلمين لفرض استدعاء أولئك الذين نالوا علامات أدنى. وسُجّل شريط فيديو عن كيفية المقابلة مدّته نحو ساعتَين وشاهده كله أصحاب العلامات الأدنى، بخلاف العشرين الأوائل الذين شاهدوا نصف الساعة الأول من الشريط، ما يعني عدم إفادة غالبيّتهم منه. من هنا تظهر بوضوح الغايات السياسية الانتخابية التي داست على كفاءاتنا وخبراتنا وعرّضتنا لظلم".
كذلك يردّد المدرّسون كلاماً خطراً عن اتصال موظفة في قسم التطوير التربوي تدعى ن. م. بمرشّح قبل أيام من المقابلات، وإبلاغه بأنّها سوف تكون في لجنة المقابلات، مع توصيته بالتركيز على أمور محددة، وإفادته بأنّ له أفضلية في خيارات التوظيف لأنّه تدرب في "أونروا". لكنّ هؤلاء المدرّسين يقولون إنّ "ن. م. خدعت المرشّح لاحقاً عبر تغيير موقفها في خلال المداولات، وقالت بنبرة عالية لحظة خروجه من المقابلة: لم نطلب شهادات عالية، وليس ذنبنا إن ترك أونروا".
شكاوى من وساطات "قياسية"
ويؤكد مرشّحون أنّ الوساطات حطّمت الأرقام القياسية، لا سيّما لعدد الذين استثنوا من المقابلات في مرحلة أولى بسبب تدنّي علاماتهم، ثمّ جرت مساواتهم مع الأوائل، وأجروا المقابلات. ويقول متضررون إنّ "الشهادات عن التجاوزات والوثائق التي تثبتها تحتّم إجراء تحقيق عاجل بالفضائح، وإعادة إجراء المقابلات عبر لجان منصفة يُختار أفرادها من الخارج أو الأردن مثلاً، أو يكونون من ذوي النزاهة، لأنّ سمعة أونروا باتت على المحك". ويصرّ هؤلاء على أنّهم لن يسكتوا، و"سوف نرفع شكاوى إلى أعلى المستويات، وننظّم وقفات احتجاج في حال عدم التراجع عن هذه المسرحية، علماً أنّنا قدّمنا شكاوى عاجلة إلى المدير العام لأونروا من دون الحصول على ردّ، على الرغم من أنّنا ما زلنا ننتظر منه موقفاً داعماً لمحاسبة المسيئين".
دفاع "أونروا"
في المقابل، يقول المسؤول الإعلامي في وكالة "أونروا" بلبنان فادي الطيار، لـ"العربي الجديد": "توجّه مرشحون إلى الإعلام من دون أن يمنحوا أونروا الوقت للردّ على ادعاءاتهم التي لا صحة لها، علماً أنّنا نطبّق نظاماً للنظر في كل استئناف أو شكوى أو ادعاء في شأن أيّ سلوك غير سليم أو سوء تصرف. وبالنسبة إلى الوقت المحدد بمدّة خمس دقائق لتقديم شرح دراسي، فهو جزء من عملية التوظيف المعتمدة منذ سنوات، والذي لم يواجه أيّ اعتراضات سابقاً، علماً أنّ المقابلة تتضمن أيضاً سؤالَين تطرحهما اللجنة مع منح كلّ مرشح 20 دقيقة للردّ عليهما". ويوضح الطيار أنّ "الامتحان الخطي مرحلة إلزامية يجب أن يجتازها كلّ مرشح للوصول إلى المقابلة. ونعود فقط إلى نتيجة الاختبار الخطي حين يحصل مرشّحان على العلامة ذاتها في المقابلة. ويتماشى ذلك مع سياسة اختيار الموظفين التي صدرت عام 2009، علماً أنّ فرز طلبات المرشّحين يستند إلى المؤهلات الأكاديمية والخبرة العملية والتدريبات التي حصل عليها المتقدّم للوظيفة".
وعن التجاوزات التي تكلم عنها المرشحون، يؤكّد الطيار أنّ "الوكالة سوف تحقق في الادعاءات، لكن لا بدّ من الإشارة إلى عدم تقديم أدلة موثوقة تدعم هذه الادعاءات. أمّا احتمال معرفة أعضاء في اللجنة اسم مرشّح، فهذا أمر ممكن إذا كان هذا المرشح جرى توظيفه سابقاً من أونروا. لذا نطلب من كلّ عضو في لجنة المقابلة إعلان معرفته المسبقة بالمرشّحين والتوقيع على تعهد السرية وتضارب المصالح". ويتابع الطيار: "لدينا غرفة واحدة مجهّزة بالكامل للمقابلات في قسم الموارد البشرية، لكنّ العدد الهائل من طلبات وظائف المدرّسين حتّم إجراءنا أربع مقابلات في وقت واحد. وأبلغنا المرشّحين بأنّهم يملكون حرية إحضار كل ما يحتاجون إليه لتقديم العرض، باستثناء الكمبيوتر المحمول. ومثلاً، أحضر مدرّسو الكيمياء أدوات المختبر الخاصة بهم ومواد وقرطاسية".
وعن كشف علامات الامتحان الخطي، يشرح الطيار أنّ "هذه العلامات لا تُمنح إلى أعضاء لجنة المقابلة لأنّها ليست جزءاً من التقييم الخاص بتلك المرحلة، بل عامل يجب مراعاته لاحقًا إذا حصل مرشّحون على التقييم نفسه في المقابلة. ولا يُحرم المرشّحون من معرفة علاماتهم، إذ تعلن بعد الانتهاء من عملية التوظيف، علماً أنّ أونروا هي المنظمة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي تقدّم تفاصيل العلامات ومعلومات عن الأداء الوظيفي".
ويوضح الطيار أنّه "بالنسبة إلى التدريب الذي تقدّمه الوكالة، سوف يحاول المرشّحون اكتساب أكبر قدر من المعرفة من أجل تحسين أدائهم الوظيفي. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأسئلة المستخدمة في تدريب أونروا هي نماذج، في حين طُوّرت الأسئلة التي طُرحت على المرشّحين في أثناء المقابلات بشكل فريد لهذه المقابلات".
وعن اختيار الموظفين، يشير الطيار إلى أنّ "الامتحان الخطي هو إحدى خطوات عملية التوظيف التي تحدّد من سوف يُستدعى إلى المقابلة. وقد اتُّخِذ قرار أوّلي بدعوة أفضل عشرين من الأوائل في الامتحان الخطي للمقابلات، ثمّ قررنا بعد إجراء مراجعة، استدعاء جميع المرشّحين الذين اجتازوا هذا الامتحان، فارتفع العدد. ونحن نأخذ في الاعتبار التدريبات التي خضع لها المتقدّمون، لكنّه يتوجّب علينا أن نتيح أيضاً فرصاً لمرشّحين من الخارج لا يملكون خبرة عمل مع أونروا للانضمام إلينا". وعن سحب إعلان مدراء المدارس ونوابهم، يشرح الطيار أنّه "أُلغي بسبب مشكلات فنية تتعلق باعتماد موقع توظيف جديد هو إنسبيرا. ولا تغيير في عملية التوظيف نفسها، ولا صحة للاتهامات بإطلاق وعود لأشخاص في شأن شغلهم بعض الوظائف".