يستيقظ عاطف فاروق، وهو موظف في إحدى شركات البترول بمحافظة الإسكندرية شمال مصر، مبكراً كعادته. يُعدّ القهوة ليشربها عند شرفة بيته مستمتعاً بشمس الصباح والنسمات الربيعية قبل أن يتوجه إلى الشركة. في ذلك اليوم، فوجئ بروائح مخلفات ودماء الأغنام وأصواتهم المزعجة المتداخلة مع أصوات صاحبهم المعلم بيومي، أشهر جزاري المنطقة، أثناء توجيه تعليماته للعاملين معه.
تساءل إن كان عيد الأضحى قد اقترب، وقد بات قرب محل سكنه شادر للماشية. لم يعرف ماذا يفعل. ففي مناسبات كهذه، تكثر أعمال الذبح خارج المجازر المرخصة، وتلقى المخلفات وتبقى الدماء في الشوارع وأمام المنازل، ما يهدد البيئة والصحة.
في المقابل، تحذر السلطات المصرية ممثلة بوزارة التنمية المحلية المواطنين من وسائل الذبح الخاطئة خارج المجازر المرخصة، حفاظاً على الصحة العامة وتجنباً لتعرضهم للمساءلة القانونية. ودشنت غرفة عمليات مركزية في كل محافظة لتلقي البلاغات عن أي ذبح بالشوارع بهدف اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين.
عاطف ليس الوحيد، إذ يُعاني المواطنون من تحول غالبية الشوارع إلى حظائر ومذابح كلما اقترب موعد عيد الأضحى. ويقول مُعلم اللغة العربية عيد حمدي لـ "العربي الجديد": "أحزن كلما رأيت مناسبة دينية جليلة كأضحية العيد تتحول من رمز لطاعة الله والتكافل والرحمة بين الناس، إلى ظاهرة تؤرق الأهالي، وتُضيق عليهم، وتُصعب عليهم السير في الشوارع، وتعكس مشاهد صادمة نفسياً وبيئياً وخصوصاً للأطفال". يضيف: "من المؤسف أن تكون التصريحات الحكومية السنوية في وادٍ، والسلوكيات الحقيقية على الأرض في وادٍ آخر. كل عام نسمع تهديداً ووعيداً من المسؤولين ضد كل من يستولي على الشوارع لعرض الأغنام والمواشي، أو الذبح خارج المجازر، إلا أن ما يحدث شيء آخر يراه المواطنون ولا يراه المسؤولون".
ويتفق معه المحامي حسن كامل قائلاً إن "القانون المصري يُجرم إشغال الطريق من دون ترخيص، إلا أن موظفي الأحياء المسؤولين عن تنفيذ ذلك القانون لا يكترثون لتطبيقه، بل يرون المخالفات ولا يشغلون أنفسهم بإزالتها أو تنفيذ القانون ضد مرتكبيها، ما يتسبب في عجز المواطن على التعامل مع المخالفين". ويؤكد أن انتشار هذه الظاهرة كل عام، والتي تزعج القاطنين في محيطها، تكشف انعدام الثقافة البيئية لدى المواطنين على الرغم من المخاطر على صحتهم وسلامتهم بالإضافة إلى غياب الرقابة وتطبيق القانون على المخالفين.
بدورها، تنتقد عبير القاضي وهي طبيبة بيطرية الأمر، قائلة: "غالبية الذبائح تذبح خارج المجازر بعيداً عن أعين الرقابة ودون الكشف على الذبائح لضمان سلامة لحومها. ولا ينحصر الأمر بفترة عيد الأضحى. ويستغل أصحاب المحلات وبائعو الماشية والأغنام الأرصفة وإغلاق الشوارع خصوصاً في الأماكن الشعبية، ما يتسبب في روائح كريهة نتيجة المخلفات لا يتحملها البشر". وتطالب بإنشاء مجازر صحية مطورة للقضاء على مسألة الذبح في الشارع وحفاظًا على الصحة العامة وسلامة اللحوم والبيئة والشكل الجمالي للمدينة.
من جهة أخرى، يقلل محمد ربيع، صاحب أحد أشهر محلات الجزارة في منطقة الورديان، من تأثير الذبح على الشوارع قبل عيد الأضحى. ويقول لـ "العربي الجديد": "تراجعت أعداد الشوادر بشكل واضح بسبب الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وانعكست آثارها على الجزار والمستهلك. ونختار الطرقات الواسعة لنقف عند جانبيها بشكل لا يُعيق المرور، ونحافظ على نظافة الطريق". يضيف: "نحن مجبرون على ذلك. من دون عرض بضائعنا في الشوارع لن يرانا الزبائن. وإذا لجأنا إلى استئجار محلات واسعة على الشوارع الرئيسية لعرض بضائعنا والذبائح، فإن الكلفة ستكون مرتفعة وتُضاف إلى سعر اللحوم، ما سيزيد من الأعباء على المواطنين.
أما علي ضاحي، وهو بائع الأغنام في منطقة بحري، فيقول إن إقامة الشوادر أمر اعتدنا عليه منذ سنوات، وغالبية السكان لا يعترضون ويعتبرون وجودنا بمثابة احتفال باقتراب العيد. ويؤكد أن الإقبال هذا العام على الشراء أقل من الأعوام الماضية، بسبب ارتفاع أسعار الماشية والأعلاف. وإذا اتبعنا نصوص القانون، فلن يجد أحد خروفاً يشتريه إلا في أطراف المدينة، ما سيتسبب في ارتفاع كبير في الأسعار يُضاف إلى الارتفاع الحادث بالفعل.
من جهتها، تحذّر مدير مديرية الطب البيطري صباح جارح، من الذبح العشوائي خارج المجازر الحكومية وعدم توقيع الكشف الطبي البيطري على الذبائح، وما ينجم عنه من مشاكل صحية وانتشار الأمراض والأوبئة التي تصيب الإنسان إلى جانب تلويث البيئة نتيجة ترك الدماء ورمي المخلفات بالشوارع. وتؤكد لـ "العربي الجديد" على تجهيز المجازر الحكومية بالمحافظة التي سيتم فتحها بالكامل والكشف الطبي على الماشية قبل وبعد ذبحها مجاناً على مدار أيام العيد، للتأكد من خلوها من الأمراض حفاظاً على سلامة المواطنين والمظهر الجمالي للمدينة.
وأكد محافظ الإسكندرية محمد الشريف أن القانون يحظر على كافة المواطنين أو محلات الجزارة إقامة أي شوادر لعرض الذبائح الحية في الطرقات العامة. وفي حال المخالفة، تتخذ كافة الإجراءات القانونية. كما يشير إلى أن مديرية الطب البيطري بالتنسيق مع مديرية التموين والتجارة الداخلية والأجهزة المعنية، تنفذ حملات تفتيش للتأكد من سلامة المعروض من اللحوم المتداولة بالمحال والمنافذ الثابتة والمتحركة ومطابقته للمواصفات والشروط الصحية، والتأكد من أن عملية الذبح تمت بالمجازر الحكومية المعتمدة للحفاظ على سلامة وصحة المواطنين. وفي حال المخالفة، يتم غلق المحل أو المنفذ لمدة 60 يوماً وتحرير محضر بالواقعة والإحالة إلى النيابة المختصة وسداد الغرامات التي نص عليها القانون. ويوضح أن أصحاب محال الجزارة الراغبين في التصريح لهم بالذبح بالمحال الخاصة بهم أو الراغبين في عمل شوادر ملحقة بالمحال لذبح الأضاحي يسمح لهم بتقديم طلب للحصول على التصريح اللازم في مقابل إجراء المعاينة الميدانية. كما يتم التصريح لكافة المواطنين بذبح الأضاحي الخاصة بهم داخل المجازر الحكومية المعتمدة مجاناً.