ما زالت مخلفات الحرب تهدد حياة المواطن الليبي في مناطق عديدة كانت مسرحاً للقتال بين الأطراف المتصارعة في خلال السنوات الماضية، في وقت يعبّر فيه ناشطون كثر عن أسفهم لتغاضي سلطات البلاد عن حجم الخطر الذي تتسبب به تلك المخلفات، لا سيّما الألغام.
وأخيراً، أعلنت وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عن وفاة طفل وإصابة أربعة آخرين من جرّاء انفجار لغم أرضي في منطقة عين زاره، في جنوب طرابلس، بالإضافة إلى إصابة أحد الرعاة في مدينة سرت (إلى شرق العاصمة)، من جرّاء انفجار لغم أرضي في ضواحي المدينة. وأشارت الوزارة إلى أنّ يد الراعي بُترت في حين أصيب بعدد من الشظايا في صدره. بالتزامن، أعلن مستشفى الجلاء في بنغازي، شرقي البلاد، عن إصابة ثمانية أطفال من جرّاء انفجار مخلفات حرب في حيّ زمزم بالمدينة. وبحسب بيان للمستشفى، فإنّ الأطفال المصابين والذين تراوح أعمارهم ما بين 11 عاماً و16، راوحت إصاباتهم ما بين متوسطة وبليغة، وما زال عدد منهم يتلقّى الرعاية الطبية اللازمة.
وفي خلال الأشهر الماضية، أعلنت جهات أمنية عدّة في ليبيا عن إشرافها على تفجير كميات مختلفة من الألغام التي عملت على إزالتها فرق الهندسة العسكرية بعد انتهاء الحرب في مناطق مختلفة من البلاد. وفي هذا الإطار، يشير عبد العاطي الجطلاوي، الضابط في إدارة الهندسة العسكرية في طرابلس، إلى أنّ "مخلفات الحرب متنوعة، منها الألغام ومنها القذائف والمفخخات المنتشرة على امتداد البلاد، لذا فإنّ حصرها يحتاج جهوداً مضاعفة إضافة إلى العمل على إزالتها". ويتحدث الجطلاوي لـ"العربي الجديد"، عن عوائق كثيرة، شارحاً أنّ من بين تلك العوائق التي تواجه فرق الهندسة العسكرية "الإمكانيات المتدنية واتساع رقعة ميادين الحروب. وهو ما يصعب عملية ملاحقة المخلفات وتدميرها".
وتلقى قضية مخلفات الحرب ومخاطرها وتهديدها المواطنين أصداء دولية، فقد جدّدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، التعبير عن قلقها حيال استمرار تهديد مخلفات الحرب حياة المواطن الليبي، وقدّرت عدد المعرّضين إلى خطر الألغام والمفخخات بنصف مليون شخص، وفق بيان أصدرته أخيراً. وأوضحت المنظمة أنّ من بين هؤلاء 63 ألف نازح و123 ألف عائد من النزوح، إلى جانب 145 ألف مواطن مقيم و175 ألف مهاجر غير قانوني في البلاد. وأشارت "يونيسف" في بيانها نفسه، إلى استمرار عملها مع الهيئات الحكومية، بما في ذلك المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب، ودائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، بهدف "ضمان حصول الأطفال المصابين وذويهم على الدعم الملائم". يُذكر أنّ الجطلاوي يرى في رقم نصف مليون مجرّد رقم تقديري.
على الرغم من تراجع الأخبار المتعلقة بضحايا مخلفات الحرب، يؤكد الجطلاوي أنّ "خطرها ما زال ماثلاً، خصوصاً في مناطق الأرياف وفي المزارع وفي داخل الأحياء السكنية المحاذية لميادين الحروب السابقة". وفي هذا الإطار، يقول عبد المطلب دبنون، من سكان مدينة سرت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المقذوفات ما زالت تنتشر في الأحياء البعيدة عن قلب المدينة، وما زال الأهالي يكتشفون بين حين وآخر حفراً طُمرت فيها ذخائر وأسلحة"، لافتاً إلى أنّ "فرق الهندسة العسكرية لم تمسح بعد كل الأحياء المحيطة بالمدينة، خصوصاً المزارع والأحياء السكنية التي كان يتخذها مقاتلو تنظيم داعش نقاط تمركز لهم قبل دحرهم من المدينة قبل أربعة أعوام".
وأعلنت سلطات البلاد بالاشتراك مع منظمات دولية عن تفجير كميات كبيرة من الذخيرة والألغام. وبحسب تصريحات صحافية أدلى بها عضو اللجنة العسكرية المشتركة محمد الترجمان قبل فترة، فقد تمّ تفجير خمسة أطنان من الألغام في فترات سابقة، مشيراً إلى أنّ جهود نزع الألغام من كامل منطقة سرت ومحيطها تحتاج إلى وقت أطول من المتوقع. وأوضح الترجمان أنّ المرحلة الثانية من عملية البحث عن الألغام ومخلفات الحرب في المنطقة الواقعة غرب سرت، بدأت أخيراً، ومن المرجّح العثور على أكثر من طنّين من المخلفات فيها. ويعلّق دبنون قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الجهود تنصب في مناطق في خارج سرت، علماً أنّ الأخيرة ما زالت موبوءة بكميات لا تقدر من الذخائر والقنابل التي ما زالت فاعلة وتحصد أرواح الناس بين فترة وأخرى".
من جهتها، أعلنت البعثة الأوروبية التي تشارك في جهود تدمير مخلفات الحرب في البلاد، عن إزالة فرقها أكثر من 70 طناً من المخلفات وإتلافها، مشيرة إلى إجراء أكثر من 1100 حلقة توعوية بمخاطر الألغام في كل أنحاء ليبيا. وذكرت البعثة أنّ مخلفات الحرب تسبّبت في خلال العام الماضي في أكثر من 200 ضحية في جنوب العاصمة طرابلس وحدها، وأكدت أنّ "ليبيا تملك أكبر مخزون ذخيرة غير خاضع للرقابة في العالم". ونقلت البعثة عن الأمم المتحدة تقديرها لمخلفات الحرب في ليبيا بما بين 150 ألف طنّ و200 ألف من الذخيرة غير الخاضعة للرقابة في مختلف أنحاء البلاد، لافتة إلى وجود مخلفات غير منفجرة في مناطق سكنية تأثرت بالنزاع "وهي تمثّل تهديداً للأسر العائدة إلى منازلها".