أعاد قرار بلدية الاحتلال في القدس بإخلاء الأرض المقام عليها معهد قلنديا التعليمي التابع لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والذي تسلمته إدارة المعهد في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، طرح مشروع استيطاني أُعلن قبل سنوات.
يسعى المشروع الاستيطاني إلى السيطرة على نحو 110 دونمات أقيم معهد قلنديا على الجزء الأكبر منها في مطلع الستينيات، بموجب عقد ايجار موقّع بين الحكومة الأردنية و"أونروا"، ويشابه إلى حد كبير اتفاقية أخرى وقّعتها وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية مع الوكالة لإنشاء مساكن للاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا من أراضيهم في عام 1948، مقابل تخلي هؤلاء الفلسطينيين عن بطاقات التموين الصادرة عن الوكالة بموجب قانون "حارس أملاك العدو" الأردني، والذي طبّقته الحكومة الأردنية على الأراضي التي كانت مملوكة ليهود عقب النكبة، وتغير اسمه بعد "النكسة" في عام 1967، من الاحتلال إلى قانون "حارس أملاك الغائبين"، وبموجبه وضعت سلطات الاحتلال يدها على الكثير من أملاك الفلسطينيين التي تركها أصحابها.
واشترت الحكومة الأردنية أرض معهد قلنديا من أصحابها اليهود بنحو 7 آلاف دينار، ثم وقّعت لاحقاً عقد إيجار مع وكالة "أونروا" لبناء معهد للتدريب المهني على الأرض، لكن الاحتلال عاد ليطالب بتلك الأرض، وإخلاء الأرض المقام عليها المعهد بزعم بناء مراكز تعليمية وحدائق عليها، كما سلم إخطارات هدم لعشرات المنازل في محيط المعهد.
المشروع الاستيطاني الذي يستهدف أرض معهد قلنديا ليس جديداً
وبدأت مساعي الاستيلاء على تلك الأراضي في عام 2008، بعد أن أعلن تنظيم يهودي يميني متطرف بقيادة نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، آرييه كينغ، يُطلق على نفسه اسم 'الصندوق من أجل أراضي إسرائيل"، عزمه الاستيلاء على أراضي المنطقة الصناعية المعروفة باسم "عطاروت"، والمقامة على أراضي الفلسطينيين في بلدة قلنديا.
وتزامنت هذه المطالبات مع الذكرى السنوية الـ60 لإخلاء مستوطنة "عطاروت" في 17 مايو /أيار 1948، وزعم آرييه كينغ حينها، أنّ بحوزة تنظيمه "تفويضاً من مالكي الأرض وورثتهم" للاستيلاء على 300 دونم من أصل 1150 دونماً "بملكية يهودية".
ويقول خبير الخرائط والاستيطان، خليل تفكجي، لـ"العربي الجديد"، إن المشروع الاستيطاني الذي يستهدف أراضي معهد قلنديا ليس جديداً، وتم تقديمه قبل سنوات في إطار مواصلة الاحتلال إقامة بؤر استيطانية داخل الأحياء الفلسطينية مستخدماً مجموعة من القوانين، من بينها قانون الأملاك اليهودية، أو بزعم تطوير المناطق، والهدف الحقيقي هو "منع إقامة دولة فلسطينية".
يضيف تفكجي: "كانت هناك مستوطنة يهودية أقيمت في عام 1924 باسم (عطاروت)، لكن في عام 1948، تم تفكيك المستوطنة، وانتقل مستوطنوها إلى داخل الأراضي المحتلة، وأصبحت هذه الأراضي تديرها الحكومة الأردنية، وتحديداً وزارة الداخلية الأردنية، وفي عام 1953، صودرت الأرض البالغة مساحتها 110 دونمات بعد أن اشتراها (حارس أملاك العدو) الأردني بقيمة 7 آلاف دينار أردني، وسُجلت باسم خزينة المملكة الأردنية، ثم أُجّرت لوكالة أونروا، ليتم إقامة معهد التدريب المهني عليها. الجانب الإسرائيلي يواصل إقامة بؤر استيطانية في داخل الأحياء الفلسطينية، مرة بحجة بناء مدارس، وأخرى بحجة التطوير، لكنها ضمن البرنامج الاستيطاني الواضح لتفتيت الأحياء الفلسطينية، وعدم إيجاد تواصل جغرافي بينها، وضمن هذا إقامة بؤر استيطانية في بيت حنينا وفي شعفاط أيضاً".
ويتابع: "يهدد المشروع الاستيطاني في حال تنفيذه مستقبل مئات التلاميذ الفلسطينيين من أبناء مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، والذين يدرسون في المعهد مختلف التخصصات المهنية، إضافة إلى هدم عشرات المنازل في محيط المعهد الذي تحيط به عشرات البنايات السكنية التي تؤوي مئات الأشخاص، ومن المتوقع أن يعيق المخطط الاستيطاني التواصل الحضري الفلسطيني القائم بين رام الله والقدس الشرقية؛ مما يجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية".
ورفض المتحدث باسم وكالة "أونروا" كاظم أبو خلف، التعليق على القرار بسبب الأوضاع في قطاع غزة، وقال لـ"العربي الجديد": "لا تعليق لدينا حالياً، فالتركيز الآن على ما يحصل في غزة، وعلى ما يحصل نتيجة العمليات الإسرائيلية في المخيمات، وعنف المستوطنين المتزايد في الضفة الغربية".
وصادقت لجنة التخطيط والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، في عام 2021، على مخطط استيطاني كبير على أراضي مطار القدس الدولي (قلنديا) المهجور، والمتاخم لمعهد التدريب المهني.
ويشمل المخطط بناء نحو 11 ألف وحدة استيطانية، وفنادق، ومرافق وحدائق عامة، ومناطق صناعية على 1243 دونماً شمالي مدينة القدس المحتلة، كما يشمل إقامة مجمّعات تجارية بمحاذاة الشارع رقم 45، وتحويل الصالة الرئيسية في المطار إلى "مرفق سياحي"، وتشمل المرحلة الأولى المصادقة على بناء 3800 وحدة استيطانية، على أن يتم لاحقاً توسيعها إلى نحو 10 آلاف وحدة، تضاف إليها المرافق العامة والمناطق التجارية والصناعية.
ووضعت سلطات الاحتلال علامات حمراء على خرائط المخطط، تشير إلى مواقع نحو 30 منزلاً فلسطينياً في الحي الشرقي لبلدة قلنديا، علماً أن هذه المنازل أقيمت خلال فترة الحكم الأردني قبل الاحتلال في عام 1967.