يكرّر مسؤولون عراقيون أن تعاطي المخدرات لم يعد حكراً على الذكور، بل امتد إلى النساء من جرّاء توفر أنواع عدة منها بسبب قرب الشبكات الإجرامية المروجة لها من أحزاب وفصائل مسلحة، أو كونها محمية من خلال شخصيات نافذة. ولا تبدو الإجراءات التي تنفذها الشرطة العراقية لتكثيف الرقابة على المعابر الحدودية، خصوصاً بين العراق وإيران، ذات جدوى، إذ إن نحو 90 في المائة من المخدرات، سواءً الكريستال، أو الحشيشة، أو الحبوب وغيرها من المخدرات السائلة، تصل إلى البلاد عبر تلك الحدود، وفقاً لمسؤولين أمنيين. ويستخدم المهربون طرقاً متفرّقة لمرور المخدرات، ومنها عبر أشخاص إيرانيين يدخلون بحجة زيارة المراقد الدينية، إضافة إلى إقحام المخدرات في بعض صناديق المواد الغذائية، فضلاً عن نقل المخدرات داخل سيارات شحن البضائع بطرق مبتكرة تتغير وتتطور بصورة مستمرة.
ويعترف مسؤول أمني في المديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثّرات العقلية العراقية بأن "المخدرات التي تدخل إلى العراق أكثر بكثير مما تضبطه الحملات التي تنفذها القوات الأمنية. وتدخل كميات كبيرة من بودرة المخدرات في أكياس الأرز والسكر والدقيق المستورد من إيران، والتي سرعان ما يتم توزيعها بين تجار المخدرات في محافظات الوسط والجنوب، بينما تكون السلطات الأمنية منشغلة بأمر معين، ولا تعلم بدخولها إلا بعد أن يباع معظمها في الأسواق، ويتم تعاطيها".
وقال المسؤول الأمني نفسه لـ"العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، إن "القوات العراقية تقوم عادة بالقبض على المتعاطين أو التجار المحليين، لكنها لا تستطيع أن تصل إلى كبار التجار الذين يستوردون كميات كبيرة، ويقدمون الهدايا للمتعاونين معهم من ضباط وموظفين في المعابر الحدودية، لأن هؤلاء مقربون من فصائل مسلحة". وأضاف أن "حصيلة المتعاطين والتجار المحليين الذين تم القبض عليهم منذ بداية العام الجاري تزيد عن 170 شخصاً، لكن نحو 40 منهم تم الإفراج عنهم لعدم توفر الأدلة الكافية لإدانتهم، مع العلم أن معظمهم تم القبض عليه متلبساً بحيازة مواد مخدرة، أو في موقع لمبادلة المخدرات بالأموال، وذلك بسبب تدخلات حزبية ومليشياوية، فضلاً عن تهديدات من فصائل مسلحة تصل إلى قضاة التحقيق لمنع استكمال إجراءات الحكم على التجار المحليين". وأوضح المسؤول الأمني أن "القوات التابعة لوزارة الداخلية لا تستطيع مواجهة عصابات تهريب وبيع المخدرات لأنها أضعف من الفصائل المسلحة التي تحميها، وتظل أجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات هي الأكثر قدرة على مواجهة هذه العصابات".
من جهته، أكد المسؤول المحلي في محافظة ذي قار (جنوب) علي الوائلي أن "الحكومة المحلية تواصل بالتعاون مع السلطات الصحية رصد الزيادة في تعاطي المخدرات التي تصل إلى المحافظة عبر البصرة، والتي تعد معبراً رئيساً يستخدمه تجار محميون من سياسيين وشخصيات نافذة لإغراق المدن العراقية بالمخدرات، والزيادة في نسب التعاطي لا تقابلها أي إجراءات رسمية من الحكومة المركزية في بغداد، إذ تخلو محافظات الجنوب من المصحات العلاجية الجيدة، وتعتمد على العلاجات التقليدية، أو استخدام أدوية لا تفي بالغرض". وأوضح الوائلي لـ"العربي الجديد" أن "البطالة والفقر والكبت والحرمان من بين الأسباب التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات والإدمان عليها، وقد أرسل مجلس محافظة ذي قار برقيات تحذيرية إلى الحكومة الاتحادية بهذا الخصوص، لكن من دون جدوى".
ولفت النائب المستقل في البرلمان العراقي، باسم خشان، إلى أن "عملية إدخال المخدرات إلى محافظات الوسط والجنوب تتم بحماية سياسية، أو من جماعات مسلحة تخشى حتى بعض القوى الأمنية من التصادم معها كونها تمتلك فرق اغتيال، وقادرة على العبث بأمن المدن". وأكد خشان لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة وقادة الأجهزة الأمنية، وتحديداً الاستخبارات، يملكون كل الأوراق التي تدين هذه العصابات، ولكن هناك تداخل مصالح بين تلك الجهات وشخصيات حزبية وعشائرية في تلك المناطق، وتجد قوى الدولة صعوبة في تنفيذ القانون، وهو ما يجعل الشباب ضحية الفساد الإداري، ويؤدي إلى زيادة أعداد مدمني المخدرات".
ويبيّن الناشط الحقوقي، مظفر خالد المالكي، من مدينة البصرة، أن "الخشخاش والكريستال والحبوب المخدرة والحشيش وغيرها من أنواع المخدرات تصل إلى البصرة عبر إيران، وبعض أنواع المشروبات الكحولية تصل من خلال الكويت، ولأن الأخيرة غالية السعر، فإن أبناء البصرة يفضلون اللجوء إلى المخدرات". وأضاف المالكي لـ"العربي الجديد" أن "الفصائل المسلحة المقربة من إيران تواصل عمليات قتل واختطاف وتهديد باعة المشروبات الكحولية، ولكنها في الوقت ذاته تدعم مروجي المخدرات من أجل توريط الشباب العراقي في الإدمان، وحتى تبقى مستفيدة من بيع المخدرات، ولو أن الحكومات المحلية سمحت بتداول المشروبات الكحولية بصورة قانونية، لما استمر هذا الإقبال على المخدرات الإيرانية التي تصل إلى كل محافظات الجنوب والوسط، وتباع أيضاً في بغداد، ومناطق غربي وشمالي البلاد".
وكان النائب العراقي، فائق الشيخ علي، قد كشف في عام 2017، خلال مؤتمر صحافي داخل مقر البرلمان، عقب إقرار مجلس النواب منع بيع واستيراد المشروبات الكحولية في العراق، عدا في إقليم كردستان، عن "قيام مليشيات مسلحة تابعة لأحزاب شيعية بالمساهمة في انتشار المخدرات في مناطق الجنوب، من خلال زراعة مادة الخشخاش المخدرة"، مبيناً أن "تلك الأحزاب صوتت على منع المشروبات الكحولية كي يُفسح لها القانون مجال المتاجرة بالمخدرات". وقال الشيخ علي إن "الحبوب المخدرة وبذور الخشخاش يتم استيرادها من إيران"، لكنه تساءل عن سبب ارتفاع أسعار قناني الجعة في مناطق الجنوب مقارنة مع أسعارها في بغداد، مؤكداً أن "الفارق الكبير في السعر يذهب لصالح الأحزاب التي تمتلك فصائل مسلحة". وكان القانون العراقي النافذ قبل الاحتلال الأميركي للبلاد في 2003 يعاقب بالإعدام شنقاً مروّجي المخدرات، لكنّ عقوبة الإعدام أُلغيت بعد الاحتلال، وفُرضت عقوبات تصل إلى السجن لمدّة 20 عاماً.