شهدت الأسابيع الأخيرة شن قوات الجيش والشرطة المصرية حملات على مهربي المخدرات في محافظة جنوب سيناء، شرقي البلاد، بعد تضييق الخناق على المهربين وزارعي المخدرات في شمال سيناء، إثر انتهاء عمليات مكافحة الإرهاب في مناطقها.
وتحدثت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" عن أن الأيام الماضية شهدت مواجهات بين قوات الأمن ومهربي المخدرات، تلت دهم عدة مناطق زراعية بحثاً عن مزروعات مخدرات وأماكن تخزينها. كما شملت المواجهات طرقات تستخدم في نقل المخدرات من جنوب سيناء إلى مناطق أخرى. وأوضحت أن قوات حرس الحدود استخدمت للمرة الأولى طائرات مروحية لاستهداف سيارات المهربين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم، كما قتل وأصيب عدد من قوات الأمن في الاشتباكات.
وكشفت المصادر أن عمليات الدهم الأمنية التي شملت مناطق امتدت من جنوب رفح إلى وسط سيناء، شهدت ضبط آلاف الكيلوغرامات من المخدرات، وإحراق أجزاء منها، وترافقت مع إنشاء نقاط مراقبة جديدة في مناطق يشتبه في زراعة مخدر "الهيدرو" فيها، مثل منطقة البرث جنوب رفح.
وأوضحت أن "جنوب سيناء بات ملاذاً لزراعة وتجارة وترويج المخدرات، التي يجري توزيعها داخل مصر، ويتم تهريب جزء منها إلى إسرائيل عبر الحدود بين سيناء والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948". وأشارت إلى أن قوات الأمن تجد صعوبة في ملاحقة تجار المخدرات جنوب سيناء نظراً إلى الطبيعة الجغرافية الوعرة التي تتسم بها غالبية مناطق هذه المحافظة، خصوصاً المناطق التي تزرع مخدرات فيها بين جبال ووديان، وهو ما منع السيطرة على انتشار هذه الآفة حتى اليوم، رغم أن الحملات الأمنية مستمرة منذ عقود في هذه المناطق.
وذكرت مصادر طبية في جنوب سيناء لـ"العربي الجديد" أن "ثلاثة مهربين على الأقل قتلوا خلال استهداف قوات الأمن رتل سيارات محمّلة بمخدرات في مناطق وادي تير بمحافظة جنوب سيناء، كما استشهد الضابط برتبة نقيب محمد جمال من قوة الدفعة 111 حربية الذي يعمل في قوات حرس الحدود، وأصيب عدد من المجندين بجروح متفاوتة. وهذه المرة الأولى منذ سنوات التي تتكبد فيها قوات الأمن خسائر بشرية خلال مطاردة مهربين في سيناء، كما أنها المرة الأولى التي يعثر فيها على جثث متفحمة لمهربين إثر قصف الطيران الحربي المنطقة".
إلى ذلك، بات استهداف شبكات تهريب المخدرات من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة خبراً روتينياً في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، ما يعكس تصاعد عمليات تهريب موسم حصاد المخدرات في شبه جزيرة سيناء. وتعزو مصادر أمنية نجاح عشرات عمليات التهريب على الحدود إلى أسباب تتعلق بطريقة التهريب وخبرة منفذيه، وأحياناً بتواطؤ موظفين رسميين في الجانبين مع المهربين.
في السياق، يقول مصدر حكومي في محافظة جنوب سيناء لـ"العربي الجديد" إن "غالبية الجبال والوديان في سيناء تقع في قسمها الجنوبي التي لا تضم أيضاً طرقاً معبّدة أو واضحة المعالم للوصول إليها، ولا يمكن معرفة أماكن وجود مزروعات المخدرات فيها إلا من خلال التصوير الجوي، أو توفير معلومات دقيقة معززة ببيانات وخرائط، وهو ما يحتاج إلى جهد بشري كبير تمهيداً لتنفيذ مهمات مكافحة زراعة المخدرات جنوب سيناء، وذلك بخلاف مناطق شمال سيناء".
يتابع: "تواجه قوات الأمن صعوبات في ملاحقة المهربين الذين يختبئون في المناطق الجبلية ويتزودون بأسلحة. وزادت أعدادهم حالياً بعد انتقال مجرمين يعملون في هذه الآفة إلى جنوب سيناء بعد التضييق عليهم في مناطق شمال سيناء التي تضم سهولاً واضحة المعالم، ويتوقع أن تشهد مناطق جنوب سيناء خلال الفترة المقبلة مزيداً من الحملات الأمنية لمحاولة القضاء على المخدرات بالكامل، وذلك بمشاركة الجيش الثالث الميداني وقوات حرس الحدود وكل أجهزة الشرطة".
وكانت "العربي الجديد" كشفت بدء أجهزة الأمن حملة واسعة في معاقل المجموعات القبلية التي تساند الجيش جنوبي مدينة رفح، وذلك بعد تلقي معلومات عن استخدام هذه المجموعات صلاحيات ممنوحة لها ستاراً لزراعة المخدرات وترويجها بكميات كبيرة، ولا سيما مخدر "الهيدرو" الذي يروّج داخل مصر، ويُهرَّب عبر الحدود إلى إسرائيل.
وفي فبراير/ شباط الماضي، دخلت للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، فرق تابعة لوزارة الداخلية المصرية وقوات حرس الحدود منطقة البرث جنوبي مدينة رفح، حيث ضبطت كميات من المخدرات أُحرقت في المكان ذاته، وعثرت أيضاً على أدوات تُستخدم في زراعة المخدرات التي نشطت في البرث بشكل غير مسبوق خلال السنوات الماضية، بتأثير توفّر العلاقة الجيدة بين سكان المنطقة وكبارها مع أشخاص نافذين غطاءً كافياً لزراعة مخدر "الهيدرو" علناً في مساحات واسعة من المنطقة.
وتشير مصادر إلى أن الفترة الذهبية لزراعة المخدرات في شمال سيناء انتهت، لا سيما أن بعض المسؤولين عن المجموعات القبلية باتوا يعملون في قطاعات أعمال أخرى في مصر. وتفيد بيانات رسمية صادرة عن صندوق مكافحة الإدمان المصري بأن عدد مدمني المخدرات زاد خلال السنوات الخمس الماضية، وقدرت نسبة الإدمان في مصر بـ 2.9 في المائة من عدد السكان، في وقت بلغت نسبة التعاطي 11 في المائة، مقابل نسبة 5 في المائة للمتوسط في العالم.
وتكشف أرقام أعلنتها إدارة علاج الإدمان في الأمانة العامة للصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة، تزايد عدد مراكز علاج الإدمان في مصر، ووصول عدد المدمنين إلى نحو 4 ملايين، في حين أن متوسط تكلفة العلاج في أي مركز تصل إلى 500 جنيه (16 دولاراً) يومياً، علماً أنها تتفاوت بين مركز وآخر.