محنة المهاجرين بعد مأساة قناة المانش: الاختيار بين السيئ والأسوأ

26 نوفمبر 2021
تخوّف من ابتلاع المانش مزيداً من المهاجرين (Getty)
+ الخط -

تعبّر جهات عدّة عن تخوّف من ابتلاع المانش مزيداً من المهاجرين الذين يحاولون اجتياز القناة في رحلات محفوفة بالمخاطر بحثاً عن حياة أفضل، بعد فرارهم من بلدان تمزّقها الحروب وينهشها الفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا. ويفرّ مئات الألوف من الصراعات والفقر والاضطهاد في العراق وسورية وأفغانستان واليمن والسودان خصوصاً، فيتسللون عبر الحدود بمساعدة مهرّبين إلى دول ذات اقتصادات غنية في غرب أوروبا.
وقد أدّت تلك التحرّكات البشرية بأعداد كبيرة لأناس يهرب كثيرون منهم من صراعات تنشب بمشاركة الغرب، إلى زيادة حدّة الخطاب السياسي في أنحاء أوروبا، من بلغاريا إلى بريطانيا. وهؤلاء المهاجرون، باستثناء قلّة قليلة منهم، ليسوا موضع ترحيب في أوروبا الغربية.

يُذكر أنّه بعد حادثة الغرق الأخيرة التي وقعت في المانش، يوم الأربعاء الماضي، والتي ذهب ضحيّتها 27 مهاجراً كانوا يحاولون عبور القناة على متن قارب مطاطي، راحت فرنسا وبريطانيا تتقاذفان المسؤولية. وكانت هذه الحادثة الأسوأ من نوعها على الإطلاق في الممرّ المائي الفاصل بين البلدَين.

كانت هذه الحادثة الأسوأ من نوعها (Getty)

وفي هذا السياق، قالت كاي مارش التي تعمل في جمعية "سامفيري" الخيرية لمساعدة المهاجرين في حديث إلى وكالة "رويترز" إنّه "في حال لم نُعِدّ هذه الحادثة عنصراً محفّزاً على إجراء تغيير مناسب في النهج، فإنّ مثل هذه الحوادث سوف تتكرر وتزداد سوءاً". أضافت مارش أنّ "أساليب الردع لن تنجح"، مؤكدة أنّ "سقوط مزيد من الغرقى في القناة أمر لا مفرّ منه".
تجدر الإشارة إلى أنّه بعد ساعات فقط من الحادثة الأخيرة، وصل نحو 40 مهاجراً إلى بلدة دوفر البريطانية المطلّة على بحر المانش. وقد قفز عدد المهاجرين الذين عُرف أنّهم عبروا قناة المانش إلى 25 ألفاً و776 مهاجراً منذ بداية عام 2021 وحتى الآن، بعدما كان 8461 مهاجراً في عام 2020 كلّه و1835 في عام 2019 كلّه، بحسب بيانات جمعتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) استناداً إلى بيانات وزارة الداخلية، علماً أنّ الوزارة تلفت إلى أنّها لا تنشر البيانات التفصيلية الخاصة بها. وقد أعربت بريطانيا أخيراً عن شعورها بالإحباط إزاء "تقاعس فرنسا" عن منع مثل هذه الرحلات والتصدّي لمهرّبي البشر، ودعت إلى تحرّك دولي لمعالجة المشكلة من المنشأ.

(Getty)

محن ومخاطر

على مدى الشهر الماضي كان مهدي (31 عاما) مختبئا في مخيم مؤقت بشمال فرنسا انتظارا لمكان له على متن قارب يديره مهربون من أجل الوصول إلى بريطانيا. ولم تتأثر رغبته بغرق 27 مهاجرا مثله في قناة المانش. وقال مهدي إنه اضطر للهرب من إيران لأنه شعر بأن نشاطه السياسي لصالح حزب كردي جعل حياته عرضة للخطر.

وأضاف أن مأساة الأربعاء لم تغير شيئا. وقال  لرويترز داخل مخيمه المُقام على طول خط قديم للسكك الحديدية في بلدة دونكيرك الساحلية: "لا أعرف كيف يمكنني الاختيار بين السيئ والأسوأ، لكن لا خيار لدي. فلا يمكنني العودة ولم أغير رأيي".

ومثله مثل نحو ألفي مهاجر يختبئون في ظروف بائسة على طول امتداد الساحل الشمالي لفرنسا، عبّر مهدي عن عدم رغبته في البقاء في فرنسا. قائلا إنه يرى أن بريطانيا فيها تنوع سكاني أكثر كما يرى أن اللغة الإنكليزية أكثر ملاءمة، وأضاف "إنهم يوفرون حماية أفضل لطالبي اللجوء هناك".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتقول فرنسا إن تصميم المهاجرين على القيام بعملية العبور المحفوفة بالمخاطر عبر أحد أكثر الممرات الملاحية ازدحاما في العالم يؤكد الحاجة إلى تعاون أوروبي أعمق لمنعهم من الوصول إلى المانش في المقام الأول.

وقال الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارة لكرواتيا "بمجرد وصولهم إلى شواطئ المانش يكون الوقت قد تأخر كثيرا". وتعارض بريطانيا ذلك وتشكو منذ سنوات من أن فرنسا لا تفعل ما يكفي لوقف تدفق المهاجرين. ويتسبب هدوء الأجواء البحرية في زيادة عمليات إبحار القوارب هذا الشهر لأن المهربين والمهاجرين يعرفون أن فرصهم للوصول ستغلق معظم فصل الشتاء.

وبينما يتناول غداءه من الحساء والشاي الذي يتلقاه من منظمة خيرية، يقول الفتى الأفغاني جيهين زيب إنه دفع للمهربين 2500 يورو مقابل مكان على قارب مطاطي. موضحا أن محاولاته الثلاث السابقة ذهبت سدى. ففي إحدى المرات تعطل محرك القارب الذي كان يستقله، بينما أجهضت الشرطة المحاولتين الأخريين.

وأضعفت مأساة غرق المهاجرين الأربعاء حماس زيب لأن يحاول مجددا على وجه السرعة، وقال الفتى البالغ من العمر 16 عاما إنه يأمل في أن يتمكن من استعادة أمواله من المهربين.

وأضاف باللغة الإنكليزية "هناك مشكلات كثيرة جدا. مشكلة الشرطة ومشكلة الأمطار ومشكلة الماء...".

وغادر زيب أفغانستان بسبب القيود على الحريات المدنية في ظل حكم حركة طالبان. وحين سُئل لماذا يرغب في الوصول إلى بريطانيا قال ببساطة "فرنسا ليست مشكلة، لكن ليس فيها الكريكت. أُحب الكريكت".

(رويترز)

المساهمون