ما إن سمعت الأمّ شادية غنيم، من بلدة برقين، غرب مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، عن اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين صباح الخميس الماضي، حتى خرجت منها تردد عبارة "الله يستر"، وكأن قلبها استبق ما سيحدث.
بعد دقائق معدودة، رنّ هاتفها. كان المتصل ضابط عسكري إسرائيلي، أبلغها أنهم يحاصرون منزلا يتحصن فيه أبناؤها الثلاثة محمد (34 عاما) وأحمد (30 عاما) ونور (23 عاما) ومعهم شاب رابع هو محمد صبح، طالباً منها الاتصال بهم وإقناعهم بتسليم أنفسهم.
بالفعل، اتصلت الأم بأبنائها وهي في حالة من الخوف، لكن لا أحد ردّ عليها، قامت شادية غنيم بالاتصال رغم أنها تدرك في قرارة نفسها أنهم لن يستسلموا، فقد سبق أن اعتقل الاحتلال والدهم الأسير المحرر سامي غنيم في السابع عشر من يناير/كانون الثاني الحالي للغاية ذاتها.
تقول غنيم لـ"العربي الجديد": "عندما لم يجب أحد على اتصالاتي، ذهبت إلى المخيم، لكن جنود الاحتلال رفضوا السماح لي بالدخول إليه، وبعد محاولات عدة، عدت من حيث أتيت، وإذ بالضابط الاسرائيلي يعاود الاتصال بي، فأخبرته بما جرى معي".
دقائق ثقيلة مرت على أم شادي كأنها سنوات، حتى بدأت الاتصالات تتوالى على عائلتها تبلغها بخبر استشهاد ابنيها محمد ونور، وإصابة أحمد بجروح بالغة الخطورة.
كان الاحتلال الإسرائيلي يلاحق الشبان الأربعة الذين اختفوا تماما عن الأنظار منذ نحو شهر ونيف، بصفتهم المسؤولين عن تشكيل ما عرف بـ"كتيبة برقين"، وإطلاق النار على أهداف للاحتلال وتفجير عبوات ناسفة في الطريق التي تسلكها آلياته.
تروي الأم المكلومة كيف اقتحم الاحتلال منزل الأسرة قبل نحو عشرة أيام وعاث فيه فساداً، مهدداً بتصفية أبنائها في حال لم يسلموا أنفسهم له، وقبل انسحابه، اعتقل والدهم وهو عقيد متقاعد في الأمن الوطني الفلسطيني. وتكرر عبارة "الحمد لله أنهم كانوا أبطالا وما استسلموا، واستشهدوا في سبيل الله وفلسطين".
وكان الأب قد اعتقل في سجون الاحتلال خمس سنوات، وأفرج عنه عام 2008، بتهمة مساعدة المقاومين في مخيم جنين.
أما شقيقتهم راضية غنيم، فراحت تقلب هاتفها المحمول وهي تشير إلى محمد ونور، حيث تجمعهما صور كثيرة معا.
تقول لـ"العربي الجديد": "صحيح أن الفارق العمري بينهما كبير، يزيد عن 11 عاما، لكنهما اعتادا أن يفعلا كل شيء معا، حتى صورهما كانت دائما معا. وتضيف: "ومع هذا، فقد كان محمد يحنو كثيرا على نور، وقبل يومين، اتصل بي وقال لي: "نحن بخير لا تخافي. ديري بالك على أمي وعلى حالك".
أما مناهل مساد، وهي والدة الشهيد أحمد مساد الذي سقط في رمضان الماضي في مخيم جنين، فتقول لـ"العربي الجديد" إنها تقطن بجوارهم منذ سنوات طويلة، حيث تربطهم بالجيران ومعظم أبناء البلدة علاقات طيبة جدا.
وتتابع: "هم مناضلون. ونحن نفخر بهم. فقد رباهم أبوهم -فك الله أسره- على حب الوطن، كيف لا وهو الذي غاب عنهم خمس سنوات كاملة في سجون الاحتلال، وكان أصغرهم الشهيد نور في الثالثة من عمره".
وتضيف مساد: "ابني الشهيد أحمد كان صديقا للشهيد نور، ولم نعرف عن عائلته إلا الأخلاق العالية والنفس الوطني، حزن كثيرا لفراق ابني، ولكنه اليوم لحق به شهيدا".
وتصف حال عائلة الشهيدين بأنها صعبة جدا: "الحزن يسيطر على كل زاوية من زوايا البيت. هذه فاجعة كبرى، أنا أشعر بحال أم شادي، فعندما فقدت ابني كادت روحي تخرج من جسدي، فكيف بمن فقدت اثنين، والثالث يرقد في حالة صحية خطيرة جدا في المستشفى. بالأمس أبلغوها أنه استشهد، ثم تراجعوا وهي لا تصدق من يقول لها إنه بخير".
مصدر مطلع في بلدة برقين - طلب عدم كشف اسمه - أكد لـ"العربي الجديد" أن الشهداء الثلاثة، الشقيقان غنيم ومعهما الشهيد صبح، من المسؤولين الرئيسيين عن تشكيل خلية وكتيبة برقين، وهم مختفون عن الأنظار منذ نحو شهر ونصف.
وتابع المصدر: "هم منخرطون في مقاومة الاحتلال منذ سنوات، خاصة الشهيدين محمد غنيم ومحمد صبح، وهما أسيران محرران من سجون الاحتلال. لكن ملاحقة الاحتلال لهم اشتدت خلال الأشهر الأخيرة، خاصة مع اندماجهم في خلايا المقاومة التي تشكلت في مخيم جنين، الذي لا يبعد عن بلدتنا سوى عدة كيلومترات".
وقتلت قوات الاحتلال 32 فلسطينيا منذ مطلع العام الحالي، بينهم 19 في مدينة جنين ومخيمها.